مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019
الرئيسية - المشهد اليمني - الأزمة اليمنية..بين انسداد الافق السياسي والتصعيد العسكري

الأزمة اليمنية..بين انسداد الافق السياسي والتصعيد العسكري

طفل يقف أمام مخيم للنازحين في مأرب
الساعة 09:50 صباحاً (المشهد الخليجي - صحف)

وصلت الأزمة اليمنية ذروتها مع توقف المعركة عند وضع "اللّانصر" و"اللاهزيمة" إثر عدم قدرة أي من أطرافها على حسم الحرب لصالحه، والتي أدت إلى انسداد الأفق السياسي والتصعيد العسكري في محاولة كل منهما الدفع بمسار المعركة لعلّه يحقق اختراقا في جدار الأزمة اليمنية وتعديل الكفة لصالحه، خاصة مع ضغط الأطراف الخارجية نحو ضرورة الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل وضع حد للحرب الراهنة.
ويرى سياسيون يمنيون أن الوضع السياسي والعسكري الذي أوصل اليمن للوضع الإنساني الراهن، لم يكن بفعل الأطراف اليمنية فحسب، بل كان بفعل الأطراف الخارجية بدرجة أساسية بينما تلعب الأطراف الداخلية دور الأدوات المحلية لتنفيذ الأدوار التي تصب في مصلحة الأطراف الخارجية والتي تذهب بعيدا عن مصالح اليمن بأي حال.
وذكروا لـ"القدس العربي" أن "أسباب ودوافع وصول الوضع اليمني إلى ما هو عليه في الوقت الراهن لم يعد خافيا على أحد، حيث تقف الأطراف الخارجية وفي مقدمتها إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، وتدعم الطرف الأول روسيا والصين، فيما تدعم الأخرى الولايات المتحدة والدول الأوروبية".
وأكدوا أن الحال في اليمن وصل إلى حد توصيفه بحرب الوكالة بين إيران، زعيمة المد الشيعي والسعودية كزعيمة المد السني، حيث انحدرت نحو حرب طائفية بين الطرفين، المقصود منها بدرجة أساسية إسقاط شوكة الرياض وقصم ظهرها ومحاصرة السعودية من جهة الجنوب، بعد أن سيطرت إيران على منطقة الشمال من جهة العراق المحايدة للسعودية.
ولعبت الأطراف المحلية دور التمثيل للأطراف الخارجية طوال السنوات الست من الحرب اليمنية، مع وجود دعم لوجستي عسكري ومادي لمختلف الطرفين، حيث لعب الحوثيون دور تمثيل إيران في هذه الحرب في حين لعبت الحكومة الشرعية دور تمثيل السعودية فيها، بشكل أو بآخر، مع اشتراك الأطراف الخارجية (إيران والسعودية) في هدف واحد وهو إضعاف اليمن والإبقاء عليه هشا لتسهيل عملية السيطرة عليه من قبل ايران لأسباب لوجستية في الخليج وأيضا من قبل السعودية لعدم تمكين جارها الجنوبي من الصعود والحصول على مكامن القوة، وهو إرث تاريخي في هذا الجانب.
وكشف السنوات الست الماضية من الصراع المسلح اللعبة الخارجية في الحرب اليمنية، حيث تسعى إيران بكل ثقلها إلى إزاحة الحكومة اليمنية من المشهد عبر ميليشيات الحوثي، بينما تسعى دول التحالف العربي بقيادة السعودية إلى تحقيق أهدافها، ليس بانتصار الحكومة الشرعية ولكن بإضعاف اليمن عسكريا وتدمير كل مقومات القوة لديه وفي مقدمتها العسكرية، لتصبح حديقة خلفية للسعودية وتحت تصرفها.
وفي هذا الإطار دفعت إيران بالحوثيين إلى الانقلاب على الحكومة الشرعية عام 2014 بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي وفق مخطط إقليمي وربما دولي، فيما تحركت السعودية عبر التحالف العربي الذي انشأته مطلع العام 2015 تحت مبرر التدخل العاجل لإعادة الشرعية إلى اليمن، وكان بالامكان حسم المعركة في غضون أسابيع وشهور قليلة وفقا لمصدر عسكري تحدث لـ"القدس العربي" بشرط عدم الكشف عن هويته، ولكن التحالف استخدم الانقلاب الحوثي مبررا لبقاء تواجده في اليمن وإبقاء الحكومة الشرعية في أضعف حالاتها.
وذكر أن الحوثيين يحققون مكاسب عسكرية بين الحين والآخر سواء في اليمن أو ضد السعودية، لأنهم يمشون وفق خطط استراتيجية طويلة الأمد وتكتيكات عسكرية آنية، بينما التحالف العربي ليس له هدف واضح غير إبقاء الوضع هشّا وبالتالي عدم السماح للقوات الحكومية بتحقيق أي تقدم عسكري في أي جبهة، وانحصر دورها خلال الفترة الأخيرة بالمدافع عن المناطق التي سيطرت عليها في بداية الحرب الراهنة كمناطق توضع لها.
وكشف أن "التحالف العربي يدعم الشرعية بالظاهر ويقيّدها من الباطن، حيث يمنع الحكومة من استثمار مواردها النفطية للاعتماد على نفسها في تغطية احتياجاتها المادية، ومن شراء السلاح رسميا، ووصول السلاح إليها ولو حتى بالتهريب، فيما يتغاضى بشكل أو بآخر عن تدفق الأسلحة النوعية بشكل مستمر إلى الحوثيين منذ بداية الحرب".
وأشار إلى أن هذا الحال أسهم في تجميد الجبهات والتحرك العسكري للقوات الحكومية نحو المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا الحوثية، ووفّر بيئة وفرصا ملائمة للتصعيد العسكري الحوثي بين حين وآخر نحو المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية وفي مقدمة ذلك مدينة مأرب، التي تعد المعقل الرئيسي للشرعية وللموارد والمصافي النفطية، والتي يستميت الحوثيون حاليا في السيطرة عليها بعد أن رموا بكل ثقلهم العسكري بالتصعيد العسكري غير المسبوق منذ مطلع شباط (فبراير) الماضي.
وأكد أن "التحالف لا يسمح بتقدم القوات الحكومية إلا في الإطار المرسوم سلفا الذي يخدم مصالح التحالف، بحيث يحول دون تقدّم الميليشيا الحوثية ولكن في ذات الوقت لا يسمح بتحقيق النصر أو التقدم للقوات الحكومية".
واستغل الحوثيون هذا الوضع الذي لعب دورا كبيرا في إطالة أمد الحرب، بالتقدم العسكري وتطوير قدراتهم العسكرية النوعية، والتحوّل السريع من الحرب التقليدية عبر المواجهات المباشرة نحو الحرب الحديثة باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الحديثة طويلة المدى ذات الأثر الفاعل وتوجيه الحرب نحو السعودية كطرف رئيسي في هذه الحرب بالوكالة.
ووجدت العديد من الدول الغربية غايتها في الحرب اليمنية لمضاعفة مبيعاتها من الأسلحة النوعية والحديثة للسعودية، والتي يعتقد أن هذه الدول تدعم الشرعية والسعودية ظاهريا ولكنها تغض الطرف عن تمرد الحوثيين بل وتدعمهم عبر أدواتها من الوكالات الإنسانية بهدف استمرار بيع الأسلحة للسعودية وهو ما تسبب في خلق توازن القوى ومنع انتصار أي طرف على الآخر.
وأصبحت الحكومة الشرعية مسلوبة الإرادة وغير قادرة على اتخاذ قرار الحرب والسلم، بدليل تصدّر السعودية مؤخرا لمشهد المفاوضات المعلنة وغير المعلنة مع الحوثيين من أجل وقف الحرب، بينما لم يتم إشراك الحكومة الشرعية بأي دور فيها، رغم أن جوهر المشكلة هي بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين، والتي كانت بدايات المفاوضات عقب اندلاع هذه الحرب مقتصرة على الحكومة والحوثيين سواء في جنيف أو الكويت والتي وصلت حينها إلى طريق مسدود، إثر إصرار كل طرف على مواقفه وعدم إبدائه أي استعداد للتنازل عن بعض المواقف من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة أو حلول وسط.
وسببت التدخلات الخارجية تعقيد الأزمة اليمنية وانسداد الأفق السياسي وبالذات مع تداخلها مع مشاريع خارجية أخرى تقودها دولة الإمارات التي استغلت وجودها ضمن دول التحالف للسعي منذ بداية الحرب إلى خلق موطئ قدم لها بالسيطرة على الموانئ البحرية الرئيسية في اليمن، ربما بتواطؤ أو بتوافق مع السعودية وذلك عبر إنشائها لميليشيات محلية في الجنوب اليمني مناهضة للحكومة الشرعية ممثلة بميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي يعد غطاء انقلابيا آخر على السلطة الشرعية، بذريعة المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال.
ونتيجة للدعم الإماراتي العسكري والمادي الكبير للمجلس الانتقالي الجنوبي منذ أكثر من خمس سنوات استقوت شوكة هذا الكيان وسيطرت ميليشياته على العاصمة المؤقتة عدن في أغسطس والعديد من المحافظات الجنوبية الأخرى، وبسطت بعض النفوذ في بقية المحافظات الجنوبية التي ما زالت تدين بالولاء للحكومة الشرعية ولو بمستويات ضعيفة.
ووجدت الحكومة الشرعية نفسها تلعب وسط رمال متحركة تتقاذفها شمالا وجنوبا، ويخذلها الحلفاء أكثر من تلقي ضربات الأعداء، فأوصلتها إلى حالة الشلل شبه الكلي إثر انسداد الأفق السياسي لحل الأزمة والحظر الخارجي لها بالحسم العسكري في مقابل التصعيد العسكري الحوثي الذي يسعى إلى تحقيق ما يمكنه تحقيقه على حين غِرّة من القوات الحكومية أو في وقت تخاذل مقاتلات التحالف التي تلعب مثل (كفة الميزان) لإبقاء الوضع على ما هو عليه من الجمود الدائم إلى ما لا نهاية مأمولة على المدى المنظور على الأقل.
وبين انسداد الأفق السياسي والتصعيد العسكري تغيب عدسات الإعلام عن حجم الأزمة الإنسانية الكارثية التي يدفع ثمنها أكثر من 80 في المئة من اليمنيين، الذين دفعت بهم هذه الحرب إلى حافة الفقر المدقع، بعد أن أفقدتهم وظائفهم ومصادر دخلهم وأصابت الخدمات العامة في مقتل وتسببت في ارتفاع الأسعار بشكل جنوني إثر التضخم الكبير الذي أصاب العملة المحلية الريال وندرة المواد والخدمات الاساسية.
وأصبح أغلب السكان عالة على ما تجود به المنظمات الإغاثية الدولية من مواد غذائية منقذة للحياة والتي لا تخلو من التسييس والتوزيع الموجّه، خاصة في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين الذين يشرفون بشكل مباشر على كافة أنشطة المنظمات الإغاثية الدولية والذين يستخدمون موادها وسيلة لتكريم الموالين لهم وتحسين أوضاعهم المعيشية وفي ذات الوقت معاقبة المناهضين لهم أو غير المعلنين ولاءهم لمشروع الحوثي السلطوي، وذلك بحرمان هؤلاء من هذه المعونات الغذائية الإنسانية.