مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019
الرئيسية - المشهد اليمني - المدرسة العامرية جوهرة فن العِمارة الإسلامية في اليمن

المدرسة العامرية جوهرة فن العِمارة الإسلامية في اليمن

مدرسة العامرية
الساعة 06:03 صباحاً (المشهد الخليجي - أحمد الاغبري)

مِن نظراتك الأولى في تفصيلاتها الإنشائية والزخرفية ستجزم بأن عينك لم تر، قط، مثل جمال تصميمها، ودقة معمارها، وفتنة نقوشها وزخارفها، وستؤكد أنها حقاً جديرة بوصفها “جوهرة فن المعمار”.

إنها المدرسة العامرية في مدينة رداع /150 كيلومترا في الشرق الجنوبي من العاصمة صنعاء، والتي اعيد افتتاحها قبل عقد ونصف تقريباً عقب عشرين سنة استغرقها مشروع صيانتها وإعادة تأهيلها؛ وهو المشروع الذي تمكن من خلاله اليمن أن يُعيد للحياة واحداً من أهم معالم العمارة الإسلامية في العالم.

لكن الوضع الراهن لهذه التحفة الفنية يشكو من أضرار طالتها خلال السنوات القليلة الماضية وتهدد خصوصيتها في حال لم يتم انقاذها، وحسب المدير العام للآثار في مدينة رداع خالد الناوي، فإن المدرسة تحتاج حالياً لمشروع إعادة ترميم نتيجة ما شاب مشروع ترميمها السابق من قصور؛ كما في البوابة الغربية مثلاً، بالإضافة إلى ما ترتب عن غارات مقاتلات التحالف في مناطق مجاورة، والتي ألحقت بها، بشكل غير مباشر، بعض الأضرار كشقوق في السقوف؛ وهذه وغيرها بحاجة لإعادة الترميم، حد قوله.

وقال الناوي لـ “القدس العربي”: المدرسة بحاجة لمشروع إعادة ترميم؛ ومن أجل هذا رفعنا بتقرير لديوان الهيئة العامة للآثار والمتاحف لمخاطبة منظمة “اليونسكو” لتمويل المشروع، في الوقت الذي نعمل، حالياً، على ترميم ما نستطيع ترميمه. وأوضح أن المبنى يعاني حالياً من شقوق وفواصل ظهرت في الجزء القديم في الجهة الغربية، مع مشكلة تسرب مياه الأمطار إلى غرفة السلطان الغربية وبيت الصلاة، بالإضافة إلى ظهور فواصل بين المبنى القديم عن الجديد. علاوة على بدء تساقط القَضَاض (خليط من مادتي الحجر البركاني والنورة المطحونة -الجير المطفي).

وأضاف: “إن الملوحة بدأت تأكل بعض الجدران على مساحة متر ونصف من الأرض؛ نتيجة استخدامهم في الترميم السابق مادة القص (الجبس)؛ وهذه المادة تشرب الماء وتخرجه على شكل ملوحة؛ وهو ما أضر بالجدران”.

وتابع: إن المبنى بحاجة لتنفيذ بعض الأعمال لحمايته من تسرب المياه ومعالجة وضعه الراهن وانقاذه. وأشار إلى أن المدرسة مفتوحة للزوار والمسجد مفتوح للصلاة.

الخصوصية

وعلى الرغم مما يعانيه مبنى المدرسة حالياً إلا أنه ما زال قائماً بقيافته، وإن شابه بعض التشوه نتيجة عوامل مختلفة، لكن ما زالت المدرسة محتفية بكل بهائها لتحكي كل يوم للزوار قصتها، باعتبارها نموذجاً فريداً في الهندسة والمعمار والزخرفة؛ والذي جعل منها تُحفة فنية ظلت ولا تزال محط إعجاب وإجماع المؤرخين، باعتبارها إحدى أجمل روائع العمارة الإسلامية، وإحدى أهم معجزات الفن الإسلامي في مجال الزخرفة.

لم تكن العمارة والزخرفة الإسلامية هي وحدها التي منحت هذه المنشأة بهاءها وفخامتها، فثمة خصوصية محلية امتزجت بفنون العمارة والزخرفة الإسلامية، تجلت في المخطط العام، ومواد البناء المحلية، وعناصر المعمار الإنشائية والزخرفية، والتي كشفت عن خبرات وتقاليد يمنيّة أصيلة.

يعود تاريخ هذه المدرسة إلى خمسمئة وأربع وثلاثين سنة، وقد شيّدها السلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري في عهد الدولة الطاهرية عام 910 هجرية  أيلول/سبتمبر سنة 1504 ميلادية؛ وهو الملك الرابع لعائلة بني طاهر، التي خلفت الرسوليين في حكم معظم مناطق اليمن؛ وهي المناطق  التي ظل انتشار المدارس بمفهومها ووظيفتها مقصوراً عليها، فيما خلت منها مناطق شمال البلاد، ولكن هذا لم يمنع من أن يُطلق اسم مدرسة على بعض المنشآت التي أقامها الأئمة الزيديون في الشمال لانتشار هذه التسمية على الألسن، وإن لم تكن في حقيقتها إلا مساجد  فقط، ولم تدخل في نطاق المدارس من الناحية الوظيفية.

شهدت مناطق جنوب ووسط اليمن في العصر الإسلامي الوسيط مثل بقية الأقطار الإسلامية توسعاً في إنشاء المدارس الدينية، وتحديداً منذ مجيء الأيوبيين إليها في عام 569ه- 1173م، واستمر الاهتمام بإنشاء المدارس بعد سقوط الدولة الأيوبية وقيام الدولة الرسولية، وحتى بعد سقوط الدولة الرسولية وقيام الدولة الطاهرية؛ هذه الدولة التي شهدت فترة حكمها تشييد أكبر وأهم المدارس اليمنية، ويأتي في مقدمتها المدرسة العامرية في مدينة رداع عاصمة الدولة الطاهرية. ظلت هذه المدرسة مركز إشعاع وتنوير يقصده العديد من طلاب العلم من أنحاء الجزيرة والمنطقة العربية، لتلقّي علوم القرآن والحساب والنحو والخط والفقه والحديث والتاريخ وعلوم أخرى؛ فضلاً عن أنها كانت مسجداً، وقبل ذلك وبعده تشكل في منظومتها المعمارية والزخرفية فعلاً عبقرياً ظل شاهداً على مستوى النهضة العلمية والفنية التي شهدها اليمن في تلك الفترة.

بسقوط دولة بني طاهر بدأت هذه المدرسة تتعرض للإهمال، وعلى الرغم من ذلك بقيت تؤدي دورها حتى المئة سنة الأخيرة، حيث تعرضت لأعمال عدوانية نالت من معالمها وملامحها الرئيسية؛ وهو الحال الذي استمر حتى عام 1982م. ففي ذلك العام التفتت إليها الحكومة اليمنية، وبدأت بدعم دول مانحة في تنفيذ مشروع لترميمها وصيانتها، عادت منه هذه المدرسة بما كانت عليه من فخامة وجمال. لكنها عادت للتعرض للإهمال، وتعرضت لأضرار تحتاج معها حالياً لمشروع إعادة ترميم كما سبقت الإشارة.

اشتملت المدارس اليمنيّة على كل مكونات المدارس الإسلامية التي تؤهلها لأداء وظيفتها من إقامة الشعائر، وأداء الفرائض، وتوفير أماكن للدراسة وأخرى لإيواء الدارسين وإعاشتهم، بالإضافة إلى الحمامات وأحواض الاغتسال والوضوء. وفيما يتعلق بالعنصر المعماري الرئيسي الذي ظل يجمع المدارس اليمنيّة فهو بيت الصلاة، الذي على الرغم من كونه يمثل عنصراً هاماً اشتملت علية المدارس الإسلامية في كل الأقطار إلا أنه في حال اليمنية هو أكثر العناصر المعمارية أهمية وأوسعها مساحة وأكثفها زخرفة وأجملها تصميماً؛ وهو التميز الذي يتعزز كثيراً في المدرسة العامرية، ويمتد من تصميم بيت الصلاة إلى بقية مكوناتها؛ ما جعل هذه المدرسة تنفرد بتصميم ومنظومة معمارية وزخرفية تُغري بزيارتها.

 منظر مدهش

من صنعاء تستغرق الرحلة إليها بالسيارة نحو ساعتين، تقطع فيها أكثر من 155 كيلومتراً، حيث يتم الانطلاق من صنعاء عبر بوابتها الجنوبية (جبل يَسَلح) لتهبط السيارة إلى أرض منبسطة واسعة تُسمى قاع جهران؛ والذي يتم تجاوزه، مع هلاك الساعة الأولى على انطلاقة الرحلة؛ لتبدأ الساعة التالية مع الانعطاف في مدينة ذمار/95 كيلومترا جنوب صنعاء باتجاه الجنوب الشرقي صوب محافظة البيضاء، حيث تتجاوز عدداً من الأودية والأرياف والمُدن الثانوية، لتدخل حدود هذه المحافظة وقد قاربت دقائق الساعة الثانية، من  مبتدئ الرحلة، على  الاكتمال، حينها تكون مدينة رداع، التي تُعد أحد أهم مراكز هذه المحافظة، قد ظهرت على مرمى البصر. عبر بوابتها الشمالية الغربية يتم الدخول إلى المدينة ليجدها الزائر كما قرأ عنها “بلدة طيبة الهواء كثيرة البِر والأعناب والفاكهة، عامرة بالتجارة”. وتُعدّ رداع مِن المُدن اليمنيّة القديمة، وقد ورد ذكرها في “نقش النصر” الذي دوّنه الملك السبئي كرب إل وتر مكرب، وملك سبأ في القرن السابع قبل الميلاد.

في الشارع الرئيسي لهذه المدينة تواصل السيارة التهام الطريق صوب السوق القديم، الذي يتم تجاوزه خلال دقائق عبر طرق ضيقة، تُفضي إلى شارع ينعطف شرقاً، وهناك يرى الزائر على مسافة من شماله الجبل الذي تتربع على قمته قلعة رداع التاريخية، والتي منها يتأكد أن أوان موعده مع المدرسة العامرية اقترب، باعتبار أن هذا الجبل يطل عليها. وخلال وقت قصير جداً تكون السيارة قد توقفت في فناء تُحيط به مبانٍ طينية وتتوسطه مُنشأة يكتسي هيكلها ومظهرها الخارجي ثوباً لم يعد أبيض خالصاً كما كان نتيجة عوامل الزمن ومياه المطر، إنها هي: المدرسة العامرية!

فرحة الرؤية

بعد الفناء يترجل الزوار، مستغرقين في تأمل مفاتن تفصيلات المظهر الخارجي لهذا المبنى، الذي يبدو لرائيه، من الوهلة الأولى، كأنه جوهرة تتوسط مكانها في صندوق حفظها المفتوح، وكأنه يدعوك لاكتشاف أسراره!

ينطلق مسار المشاهدة الأولى للمظهر الخارجي لمكونات المدرسة دون تحكم منك؛ فتبدأ الرؤية مأسورة من أعلى المبنى إلى أسفله، ومن ثم تنتقل إلى المكونات المرفقة لترجع منها ممعناً النظر في تفصيلات الواجهات ومفردات التخاريم والنقوش، لتُلقي نظرةً كلية على الهيكل العام قبل أن تستأنف الرؤية في تقصي مفاتن الدهشة في هذه المنشأة، والتي تقوم على فكرة المبنى متعدد الطوابق والأروقة والمداخل والمرافق، ومتعددة أوجه الجمال أيضا.

ثمة إغراء يشع من كل مفردات المظهر الخارجي للمدرسة يتأخر معه وقوفك في ساحتها، طوّافاً حولها، متأملاً مكونات هذا الجمال، الذي تفردت به هذه المدرسة في تخطيطها وغنى عناصرها المعمارية والزخرفية، لدرجة أنك تبقى عاجزًا عن تفسير أسرار ذلك الجمال، مع ما قد يعتريك من حزن، نتيجة ما شاب ذلك الجمال، حالياً، من أضرار تحتاج لإعادة ترميم؛ فالشقوق تظهر في الجدران الخارجية من أعلى، فيما الملوحة تهدد الجدران من أسفل، مع افتقاد البيئة المحيطة للنظافة والرعاية.

يتألف مبنى المدرسة من ثلاثة طوابق شُيدت بشكل مستطيل بطول 40 متراً وعرض 23 مترا. بُني الطابق الأرضي بالحجارة، والطابقان الأخريان بالآجور( قوالب الطين المحروق) وتتوج هامة الطابق الثالث ست قِباب متقاربات في نسق جمالي يكتمل رونقه بذلك الإطار من التخاريم الجصية النابتة على الحواف الأربع للسطح والممهورة بنقوش رائعة، ومثل تلك التخاريم تُحيط بالحافات الأربع لسطح الطابق الثاني الذي تعلوه، أيضاً، ست قِباب أخرى موزعة بجمالية مختلفة على أركان السطح، أما الواجهات فتظهر فيها فتحات مقوسة ونوافذ خشبية ومشربيات ذات تفاصيل زخرفية رائعة، على الرغم مما اعترى مظهر كل ذلك جراء مياه المطر وغياب الاهتمام خلال السنوات القليلة الماضية.

تحيط بالمبني ساحتان واسعتان إحداهما من الجهة الشرقية والأخرى الغربية، وافتقدت الساحتان ما كانت عليه من جمال في السنوات الماضية، وصارت تعاني الكثير. عبر هاتين الساحتين يصعد سُلّمان “دَرَج” يلتقيان في الصحن الجنوبي في الطابق الثاني، وعند نهاية كل سُلم من الطرف الأعلى هناك مدخل مربع تعلوه غرفة (مقصورة) يُقال إنها كانت تُستخدم استراحة للسلطان، وتعلو سطحها قُبة تلتقي في تفاصيل جمالياتها وجماليات التخاريم الجصية المحيطة بسطحها مع جماليات قِباب وتخاريم ونقوش الطابقين الثاني والثالث لمبنى المدرسة؛ والتي تعكس تفصيلاتها مهارة عالية في التصميم الهندسي ودقة في التنفيذ الإنشائي والزخرفي، ما يشير – حسب اعتقاد البعض- إلى أن السلطان عامر بن عبد الوهاب قد استخدم أمهر الصُناع، والنقاشين، والنجارين، والحرفيين والبناءين، وسخّر مبالغ كبيرة من أجل إنشاء هذه المدرسة، والدليل مواد البناء الثمينة، مثل خشب الطنب والصاج، وكذلك الأحجار التي لا وجود لمثيلاتها في المنطقة؛ وهو ما يفسر صمود العامرية أكثر من 500 سنة على الرغم ما تعرضت له من إهمال وتخريب.

من الداخل…قصة أخرى

ونحن نتجاوز عتبة الساحة الشرقية تكون رحلة اكتشاف المدرسة من الداخل قد بدأت. سلالم حجرية صعدت بنا إلى الصحن الجنوبي في الطابق الثاني؛ وهذا الصحن، الذي بالإضافة إلى أنه يلتقي فيه المدخلان الشرقي والغربي، يرتبط بسُلّم ذي طرفين يهبط إلى الطابق الأرضي الذي جعلناه محطة البداية.

مما تميزت به المدرسة العامرية وجود طابق أرضي خُصصت أماكن فيه لإيواء الطلبة. يتألف هذا الطابق من غُرف تفصل بينها جُدران سميكة وأكتاف ضخمة، ويتم الدخول إليها من خلال بابين في الجدار الغربي وباب في الجدار الجنوبي وباب في الجدار الشرقي، وجميعها تؤدي إلى هذه الغُرف، وفي الركن الجنوبي الغربي توجد حمامات للطلاب تتصل بها مجارٍ لانتقال المياه إليها وإلى بِرك الاغتسال والوضوء.

بيت الصلاة

تساءلنا: أي علوم درسها مَن شيد هذا المعمار وضخ فيها كل هذا الجمال بكل هذه الدقة ووفق أفضل المواد والعناصر؟ تجاوزنا الإجابة على هذا السؤال، ونحن نغادر الطابق الأرضي، صاعدين عبر نفس السلالم إلى الصحن الجنوبي للطابق الثاني؛ وهو الطابق الذي يشتمل على أهم عناصر التكوين المعماري للمدرسة، بيت الصلاة، المحراب، الدهاليز المحيطة، الفناء والأروقة.

من الصحن الجنوبي للطابق الثاني دخلنا شمالاً إلى الفناء (الصرح) وقيل لنا إنه الصحن الأوسط للمدرسة، وتحيط به أربعة أروقة، كل منها بائكة واحدة سقفها مسطح، ويُفتح كل رواق على الفناء بثلاثة عقود مدببة ترتكز على دعامات في الأركان وأعمدة رخامية رشيقة في الوسط صُممت بدقة فنية عالية. وتمتد بطول الرواق الشرقي قاعة للدرس تُفتح على الرواق بأربعة أبواب، كما تُفتح بباب واحد على الدهليز الشرقي، وتمتد على طول الرواق الغربي قاعة تشبه القاعة الشرقية، ولها امتداد آخر بعرض المساحة الخارجية، أما الرواق الشمالي فمنه يتم المرور إلى الدهليزين الشرقي والغربي، كما تُفتح منه ثلاثة أبواب تؤدي إلى بيت الصلاة، والذي صار يعاني، حالياً، في سقوفه وجدرانه. وبيت الصلاة في هذه المدرسة يبقى متفرداً – عن بقية المدارس في اليمن – بأسلوب خاص في التصميم والمعمار والزخرفة، وفي هذه الأخيرة يذهب  البعض بأن هذه المدرسة تعد متحفاً وأرشيفاً لكل فنون الزخرفة التي عرفتها مساجد اليمن حينئذ.

مهما كان ما سمعته وقرأته عن جمال بيت الصلاة في المدرسة العامرية، ستجده في المشاهدة يفوق ذلك بكثير. وقد لا أكون مبالغاً لو قلت: إن ما ستراه فيه من الجمال والفخامة قد يفوق قدرتك على الوصف؛ فثمة كثافة زخرفية وتنوع عجيب في الأشكال والألوان وتعقيد وتشابك في الرسومات والنقوش والخطوط، التي شغلت بتكويناتها كل شبر في سقف وجدران وزوايا ونوافذ وأبواب ومحراب ومنبر بيت الصلاة، حتى صار بها هذا البيت لوحة فسيفسائية مدهشة. يتمثل هذا البيت في قاعة مستطيلة، عمقها ثمانية أمتار وطولها يزيد عن أثنى عشر مترا، وتغطيها ست قِباب قطاعها عقد منكسر تقوم على سبعة عقود يحملها عمودان، وتغطي الجدران وأوجه العقود وبواطنها زخارف جصية ملونة وذات عناصر نباتية وهندسية وخطية.

تزين بواطن القباب أشكال زخرفية دائرية هندسية وخطية يحيط بها شريط واسع يحتوي على زخارف مختلفة تضم عناصر هندسية ومشجرات وأزهار في زخارف غنية وألوان كثيرة محصورة داخل جامات ودوائر، أما أقطاب القباب فتزينها كتابات قرآنية بخط الثلث، وكذلك حافات القباب في الجدران التي تعلو العقود فهي تحتضن أشكالا زخرفية مختلفة ونقوشا متعددة تزخر بتفاصيل فنية أكثر تعقيداً وتشابكاً استخدمت فيها سلسلة من الألوان الغنية، كل ذلك نُفذ في مساحات تشكيلية مستقلة ومترابطة في نفس الوقت. وأسفل منها يبدأ شريط من الزخارف الخطية يحيط بالإطارات المربعة بين العقود، وأسفل ذلك الشريط تبدأ زخرفة العقود من خلال زخارف خطية تزين وجوهها أما بواطنها فتتزين بزخارف هندسية ونباتية ونقوش اُستخدمت فيها تصاميم وألوان بلغت من الجمال مبلغاً عاليا.

وتدور حول جدران بيت الصلاة أشرطة من الكتابة الملونة تضم العديد من الألقاب الفخرية للسلطان عامر بن عبد الوهاب، فيما يزخر محيط كل شريط برسومات وزخارف وتخاريم جصية تحيط بفتحات النوافذ، والتي اكتملت بها جماليات الجداريات الجنوبية والشرقية والغربية، أما الجدار الشمالي فثمة خصوصية جمالية تخصه حيث يتوسطه المحراب؛ وهو عبارة عن تجويف بسيط يتزين بنقوش ورسومات هندسية وخطية بديعة صُممت بطريقة فائقة الدقة، ونُفذت بأسلوب فني رفيع.

 يُحيط ببيت الصلاة ثلاثة دهاليز من الجهات الشرقية والغربية والشمالية يغطي الطرف الجنوبي للدهليز الشرقي قبة مفصصة؛ وهو يطل على الشارع بأربعة عقود وسقفه مسطح، وينتهي  طرفه الشمالي بحُجرة صغيرة تغطيّها قُبة مفصصة أيضاً، ويقع  الدهليز الشمالي خلف جدار القِبلة، ويطلّ على  الشارع بأربعة عقود، كما يمتد على الجدار حزام من الكتابة القرآنية الجصية  البارزة، وينتهي  الطرف  الغربي لهذا الدهليز بحُجرة صغيرة تغطيها قُبة مضلعة عند التقائه بالطرف الشمالي  للدهليز الغربي، ويطل على الشارع بأربعة عقود، وينتهي طرفه الجنوبي بقُبة مضلّعة.

قاموس زخرفي

بعد قراءة ممعنة لكل ما تحتويه مكونات المدرسة العامرية من تفاصيل المنظومة الزخرفية والرسومية والخطية، أكدت مصادر تاريخية أنه قد التقت في جداريات هذه المدرسة كل مدارس الزخرفة التي ظهرت في العصور الإسلامية المتعاقبة قبل تأسيس هذه المدرسة، ما حدا بالبعض إلى وصفها بـ”عروس فن الزخرفة” إذْ جمعت بين أساليب وفنون وطرق متعددة “وكأن من شيدوها في ذلك الوقت كانوا من الذين تأثروا بالطراز العثماني، والمغربي، والفارسي، وربما الصيني والياباني. فكل هذه الطرز اجتمعت في العامرية التي تبدو كأنها قاموس محيط في الزخرفة”. بقي أن نُشير إلى أن المدرسة العامرية ما تزال تخفي الكثير من الأسرار التي تحتاج إلى وقفة باحث ودارس متخصص ينبش في التفصيلات الفنية للمكون الهندسي والمعماري والزخرفي في سبيل معرفة سر هذا البهاء والفخامة التي تشع هنا منذ أكثر من خمسمئة سنة. وبموازاة ذلك تحتاج إلى مشروع عاجل لإعادة ترميم ما لحق بها من أضرار خلال السنوات القليلة الماضية؛ والتي باتت تهدد ملامح خصوصيتها التاريخية.