2020/10/11
اتفاق تبادُل الأسرى والمعتقلين بين الحكومة اليمنية والحوثيين: هل يُمثِّل "انفراجة" في مسار التسوية؟

تمكَّنت مساعي المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث وفريقه، في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2020، من تحقيق اختراق مهم في ملف الأسرى والمعتقلين الذي طال تعثُّره منذ الاتفاق المبرم بشأنه في مشاورات السويد، أواخر العام 2018. ومن شأنِ التقدُّم الأخير المُحرَز في ملف الأسرى، في حال جرى تنفيذه بشكل فعَّال، أن يُعطي مزيداً من الزخم لوساطة غريفيث من أجل تحقيق اختراق أكبر، وأكثر أهمية، على مسار خطته المقترحة للسلام في اليمن.

مضمون الاتفاق

بعد قُرابة عشرة أيامٍ من بدء الجولة الرابعة من المشاورات المباشرة التي رعتها الأمم المتحدة حول هذا الملف، في 18 سبتمبر الماضي، بين مُمثلي حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي وجماعة "أنصار الله" الحوثية، في بلدية مونترو، في ضواحي جنيف السويسرية، والتي حضرها أيضاً ممثلون عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ودول التحالف العربي، وتبادَل خلالها الطرفان قوائم بأسماء 1420 أسيراً ومعتقلاً؛ تم التوصُّل إلى اتفاقٍ يقضي بإطلاق سراح 1081 أسيراً ومعتقلاً لدى الطرفين، كدفعةٍ أولى. ونقلت قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين عن مصدرٍ وصفته بالمُطَّلِع، قوله إن الاتفاق ينصُّ على الإفراج عن 681 من أسرى الجماعة، مقابل 400 أسيراً تابعين للشرعية والتحالف، على أن يتم البدء الفوري في إجراءات التبادل حسب الخطة التنفيذية التي وضعتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي تتضمن بدء عملية تبادل الأسرى يوم 15 أكتوبر الجاري.

وطبقاً للقناة، تتضمَّن الخطة التنفيذية تزمين عملية التبادل بيومين يتم خلالهما نقل الأسرى من الطرفين عبر الطائرات، كما التزم الطرفان في الاتفاق الموقَّع على عدم إجراء أي تبادل جانبي بالأسماء المشمولة في القوائم المتفق عليها خلال المدة المحددة في آلية التنفيذ. وبحسب المصدر نفسه، فقد "اتفق الأطراف على عقد اجتماع اللجنة الإشرافية المنبثقة عن اتفاق السويد على إتمام عملية التبادل للشق الثاني من [مخرجات اجتماع عمّان الذي عُقد في فبراير 2020] فور إتمام الشق الأول من الاتفاق". وأشار بيان الراعي الأممي للاتفاق، إلى أن الطرفين التزما أيضاً "ببذل كافة الجهود لإضافة أعداد جديدة بهدف الإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين، بمن فيهم الأربعة المشمولون بقرارات مجلس الأمن الدولي وفقاً لاتفاق ستوكهولم، ومن خلال العمل مع اللجنة الإشرافية".

من جهتها، تحدثت مصادر في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أنّ الأمم المتحدة لجأت إلى تجزئة اتفاق عمّان إلى مرحلتين، حيث سيتم في المرحلة الأولى الإفراج عن 1081 محتجزاً، على أن تشهد المرحلة الثانية الإفراج عن 390 من الجانبين. ووفقاً للمعلومات المتداولة في المصادر المفتوحة، فإن اتفاق مونترو تَضمّن جدولاً زمنياً لإنجاز المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى، وذلك خلال الفترة الواقعة بين 1 و14 أكتوبر 2020، والتي سيجري خلالها استكمال التحضيرات اللوجستية من قِبَل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتأكّد من مطابقة قوائم الأسماء المُوقَّع عليها لهويّات الموجودين في السجون. وعلى الأثر، يجري الانتقال إلى المرحلة الثانية التي حُدّدت في 15 أكتوبر الجاري، حيث يبدأ نقل أسرى الطرفين عبر الطائرات من الرياض ومارب إلى صنعاء والعكس، بشكل متزامن، برعاية الصليب الأحمر والأمم المتحدة. وبعد الانتهاء من عملية النقل بيوم، سيجري نقل أسرى الطرفين من عدن إلى صنعاء والعكس، بشكل متزامن أيضاً، من قِبَل الصليب الأحمر.

وفي الإطار نفسه، جرى تداول معلومات غير مؤكدة تُفيد بأن الطرفين توافقا على الإفراج عن القادة الأربعة المشمولين بقرار مجلس الأمن 2216، ولكن على دفعات، وفق الآتي: الإفراج عن وزير الدفاع السابق محمود الصبيحي عقب إطلاق الدفعة الأولى، على أن يُطلَق سراح كُلٍّ من اللواء ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس هادي)، واللواء فيصل رجب قائد المنطقة العسكرية الرابعة، والقيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان، في مرحلة أو مراحل لاحقة.

انعكاسات الاتفاق على مسار التسوية

في تعليقهِ على الاتفاق، اعتبر المبعوث الأممي مارتن غريفيث، أنَّ تبادل الأسرى والمحتجزين، المنتظر حصوله قريباً، سيُمثِّل أكبر عملية إطلاق سراح حدثت في تاريخ الصراع اليمني منذ 2015. وأكد غريفيث، في بيان صحافي أصدره في 27 سبتمبر الماضي، أنه "حان الوقت الآن للانتقال بسرعة وتصميم نحو التنفيذ، فلا وقت لدينا نضيعه؛ فإطلاق سراح 1081 شخصاً سيمثّل أكبر عملية إطلاق سراح حدثت في تاريخ النزاع في اليمن". ودعا غريفيث إلى "البناء على هذا الإنجاز المهم والمضي قُدُماً نحو حلّ متفاوض عليه لإحلال السلام الدائم في اليمن"، مُعرِباً عن تطلعه إلى عقد المزيد من النقاشات في القريب العاجل حول إطلاق سراح المزيد من الأسرى والمحتجزين، "وللتأكد من تنفيذ هذا الاتفاق بشكل سريع، وفعّال وكامل".

وتَطمحُ الوساطة الأممية، التي عجزت عن كبح التصعيد العسكري بين أطراف الصراع في مناطق كمارب والجوف والبيضاء والحديدة، في أن تُسهم أي خطوات متقدمة في ملف الأسرى الإنساني، في بناء ثقة كانت معدومة بين الأطراف اليمنية، والدخول في تفاهمات جديدة ابتداء من الشق العسكري أو الاقتصادي، وصولاً إلى الحل الشامل. ومن الناحية النظرية، يمكن القول إن من شأن التقدُّم الأخير المُحرَز في ملف الأسرى، بعد طول تعثُّرٍ، أن يُعطي بالفعل مزيداً من الزخم لوساطة غريفيث من أجل تحقيق اختراق أكبر، وأكثر أهمية، على مسار خطته المقترحة والمعدَّلة للسلام، والتي سبق أن أرسل إلى طرفي الصراع في اليمن، في شهر سبتمبر الماضي، "مُسودةً مُتقدِّمةً" منها، تَعكِس ملاحظات متبادلة أفرزتها جولات حوار غير مباشرة سابقة بشأنها، رغم أن هذا الاختراق قد لا يكون مُتاحاً على المدى القريب، وفي نهاية المطاف، من دونِ مُمارسة القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف اليمني ضغوطاً أشدّ على أطراف الصراع من أجل تسريع الاتفاق على الصيغة النهائية للإعلان المشترك المُقترَح، كما يأمُل المبعوث الأممي وعبَّر عن ذلك بوضوح في إحاطته الأخيرة إلى مجلس الأمن الدولي.

وفي هذا السياق، يذهب بعض مُراقبي الشأن اليمني إلى أنه على رغم الضغوط الدولية الكبيرة التي مُورِسَت في سبيل إنهاء ملف الأسرى والمعتقلين، فإنّ الشكوك ما زالت تحُوم حول إمكانية نجاحه بشكل كامل، وصولاً إلى تبادل جميع المحتجزين لدى الأطراف المتصارعة، في ظل اتهام كلّ طرفٍ للآخر بالتهويل في أرقام الأسرى والمحتجزين وتقديم كشوفات "تعجيزية" فيما يخص من قضوا خلال المعارك أو جراء ضربات جوية ولم تتم معرفة مصيرهم.

ومع هذا، سيظل اتفاق مونترو يُمثِّل بارقة أملٍ على أن "انفراجةً" ما على مسار التسوية المأمولة في اليمن في طريقها لأن تكونَ واقعاً ملموساً مستقبلاً، الأمر الذي يُشكِّل بالفعل دفعةً معنويةً وسياسية مُهمَّة لوساطة المبعوث الأممي مارتن غريفيث، والذي رغم كل مساعيه المبذولة منذ توليه إدارة هذا الملف الشائك، لم ينجح حتى الآن في تحقيق الكثير مما كان يَعِدُ به أو يتوقَّع حصوله، في ظل تزايد التناقضات التي تحكُم مصالح أطراف الصراع في اليمن وانعدام الثقة فيما بينهم، وانشغال القوى الدولية الكبرى والأكثر تأثيراً في هذا الملف، بأزمات سياسية واقتصادية وأمنية مُستجدة تراها اليوم أكثر أهمية من ملف الأزمة اليمنية التي طال أمدها، وباتت مع مرور الوقت أكثر تعقيداً واستعصاءً على الحل. 

نقلا عن مركز الامارات للسياسات

تم طباعة هذه الخبر من موقع المشهد الخليجي https://almashhadalkhaleeji.com - رابط الخبر: https://almashhadalkhaleeji.com/news14164.html