2021/03/08
معركة مأرب بعيون الفرس.. هكذا تناولها إعلام إيران وميليشياتها في المنطقة

بعد أيام من بدء ميليشيا الحوثي هجماتها الأخيرة على محافظة مارب في السابع من فبراير الماضي ظهر حسن نصر الله قائد ميليشيا حزب الله، ذراع إيران الأبرز في المنطقة، مسانداً جماعة الحوثي في معركتها التي قال إنها ستحسن من شروط التفاوض لحلفائهم.

وقال نصرالله: "إذا تمكنت هذه الجبهة (الحوثيون) من استعادتها هذا تأثيراته على الحل السياسي الموعود ستكون كبيرة جدا"، مشيداً بما أسماه "تقدم" جماعة الحوثي في كل الجبهات وفي جبهة مأرب وقال: "الصادقون الصامدون في اليمن سيجنون ثمار صمودهم، وأن القلق من اليمنيين هو في السعودية وإسرائيل".

واعتبر سيطرة الحوثيين على مارب "هزيمة وفشل كبير جدا لهذا المحور الذي وضع أهداف لمعركة اليمن لم يستطع تحقيقها". حسب قوله.

ليس حسن وحده؛ فوسائل الإعلام الإيرانية والتابعة لميليشيا أظهرت منذ الأيام الأولى لانطلاق المعركة تفاؤلاً كبيراً وبشرت بما أطلقت عليه قناة العالم "فتح مارب" ومعركة "محور المقاومة" أو "معركة مارب الكبرى" وهو الاسم الذي أطلقته وكالة مهر الإيرانية.

وعند حديث وكالة مهر عن أهمية معركة مارب قالت إنه "يجب القول إن أهم معركة في اليمن خلال السنوات الست الماضية هي معركة مأرب"، والانتصار فيها للحوثيين " سيغير الميدان والتطورات السياسية وتوازن القوى في اليمن والمنطقة 180 درجة".

قناة المنار التابعة لميلشيا حزب الله قالت إن "سقوط مأرب يعني سقوط مشروع الأقاليم" في إشارة الى أن حلفاءهم سينهون العمل بمخرجات الحوار الوطني الشامل الذي كانوا طرفاً فيه، وأضافت: "وتطهير مأرب من قوات تحالف العدوان ومرتزقتهم لا سيما داعش والقاعدة يعني سقوط الخلافة الوهابية الداعشية" "وهي المعركة الحاسمة والفاصلة التي سترسم ملامح المستقبل في اليمن وهي من ستصنع السلام الشامل والكامل للشعب اليمني".

وتعدت وكالة مهر ذلك الى اعتبار "الهيمنة الكاملة" للحوثيين على مدينة مأرب سيغير سلسلة التطورات في منطقة غرب آسيا "هذا الانتصار ليس فقط لأنصار الله، بل لجبهة المقاومة بأكملها. لذلك فوصول المقاومة إلى مدينة مأرب سيغير ميزان القوى في غرب آسيا وبالتالي، سيفقد السعوديين أهم قاعدة لهم في اليمن".

تضيف مهر: "في الواقع، مأرب هي عكس عدن. وهذا يعني أنه إذا ادعى الشعب الإماراتي أن المحور الجنوبي في اليمن ملك لهم، فإن السعوديين يزعمون أيضًا أن مأرب ملك لهم. لذلك، يوضح هذا الأمر أن مأرب لها أهمية استراتيجية كبيرة".

 

من هم أطراف المعركة؟

كعادته حاول الإعلام الإيراني تصوير معركة مارب كمعركة عالمية أطرافها الحوثيون من جهة أو من أطلق عليهم "أنصار الله والجيش واللجان الشعبية والشعب اليمني" في مقابل أمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات وداعش والقاعدة وحزب الإصلاح.

لكن هذه الوسائل ركزت بشكل كبير في تغطيتها على السعودية، واعتبرت صحيفة إيرانية تسمى "مشرق" هدف دخول الحوثيين الى "مدينة مارب وفتحها لإطلاق النار على ما تبقى من جثة الرياض".

وقالت إن سيطرتهم على مارب "إنهاء لأهم وآخر قاعدة عسكرية للسعودية في اليمن"، وتضيف قناة العالم: " بعد فتح مارب والاستيلاء عليها في المستقبل القريب، لو كانت هناك مفاوضات فعلى السعودية والامارات ان تقبلا ذل الهزيمة وتجلسا على مائدة يكون الشعب اليمني تمثله حركة انصار الله، احد أطرافها".

وتوعدت "العالم" ان "الشعب اليمني سيقاضي حتما السعودية والامارات ويطالب منهما التعويض عن الخسائر والاضرار التي لحقت به الا ان أكثر مرارة من هذا الموضوع هي الظروف التي ستتعرض لها السعودية وهي القبول بوجود شعب مقتدر وأبي الى جانب حدودها" وفقا لتقرير نشره موقع القناة.

وفي السياق تظهر هذه الوسائل الهجمات المتكررة على الأراضي السعودية بالصواريخ والمسيرات الحوثية المفخخة بأنها "تأتي في إطار العمليات النفسية للحركة ضد السعودية وهدفها مساعدة الحكام السعوديين على قبول الحقائق والوقائع الميدانية والاعتراف بهزيمتهم في هذه الحرب".

تقرير آخر لقناة العالم حاول الفصل بين السعودية والإمارات، قائلاً: " في الواقع أن سقوط مأرب سيعني بأنه لا دور للسعودية والرئيس هادي على الساحة اليمنية. وفي هذا البين يبدو ان الامارات تشعر بفراغ بال اكبر حيال المستقبل في ضوء الازمة التي تسود اليمن حاليا؛ سبب هذا الارتياح يعود قبل كل شيء الى ممثلي الامارات (المجلس الانتقالي الجنوبي ) الذين يجلسون متربصين في ظل الوضع المستقر في الجنوب، بعيدا عن النزاع في مارب بانتظار المستقبل ليشاهدوا السعودية مهزومة ذليلة تجر اذيال الخيبة".

 

التركيز على الأهمية الاقتصادية والنفط والغاز

تصف وكالة مهر في تقرير، محافظة مأرب بـ"الشريان الاقتصادي" لليمن، وتقول إنها واحدة من أكثر المحافظات تصنيعًا "هناك العديد من الحقول النفطية في محافظة مأرب محتلة حالياً" "قدمت محافظة مأرب الدعم اللوجستي لجميع العمليات التي نفذت من 2015 إلى أوائل 2020 ضد حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء (حكومة الانقلاب)".

واعتبرت صحيفة الأخبار التابعة لميليشيا حزب الله أن الصواريخ والمسيرات الحوثية التي تستهدف السعودية، هي رسائل للسعودية "تُحذّر من أن منشأة النفط في حقول صافر شمال مأرب "خطّ أحمر"، وتُهدّد بأنه في حال إقدام سلاح الطيران السعودي أو الإماراتي أو الموالين لـ"التحالف" على تفجيرها فالردّ سيكون باستهداف شركة "أرامكو"، عملاق النفط السعودي، ومنشآت اقتصادية حسّاسة في المملكة، بعمليات أشدّ من عملية "توازن الردع الخامسة" حسب تقرير نشرته الصحيفة.

 

التلاعب بالخريطة

عند الاطلاع على تغطية هذه الوسائل للمعركة نجد تبايناً كبيراً بينها فيما يتعلق بخارطة السيطرة على الأرض، بل تجد تبايناً في ما تنشره الوسيلة ذاتها بين تقرير وآخر، بما يخدم الهدف الذي يرمي اليه التقرير.

مثلاً عند حديث قناة المنار التابعة لميليشيا حزب الله عن حقول النفط، قال إن قوات الحوثيين تمكنت "من السيطرة على مناطق واسعة محيطة بالعلمَين الأبيض والأسود في جبهات شمال مأرب الصحراوية، وهو ما قَرّبها من السيطرة على الطريق الدولي الرابط بين مأرب وحضرموت" مع أن قوات الحوثيين دُحرت قبل عدة أشهر إلى مناطق شرقي مدينة الحزم مركز محافظة الجوف شمال المحافظة.

لكنها عادت كغيرها من الوسائل الى القول أن قوات الحوثي سيطرت على "منطقة الجدافر"، والتي تقع جنوب غرب معسكر اللبنات شرقي حزم الجوف في تناقض مع الخبر السابق، على الرغم من أن الأخير تضمن أيضاً واحدة من المغالطات، فالمنطقة كانت بيد الحوثي قبل أن تستعيدها القوات الحكومية قبل أسبوعين ولا زالت بيدها.

تتفق تغطية هذه الوسائل كلها في الحديث عن جبل البلق كواقع في أيدي ميليشيا الحوثي، رغم أن سيطرة الحوثيين على مواقع فيه لم تستمر سوى ساعات قبل ان يتمكن الجيش والمقاومة من دحرهم، بعد معركة دامية مشهودة.

لكن الملاحظ أنه عند الحديث عن معارك الغرب من مارب تركز هذه الوسائل على المناطق الأكثر شهرة، حيث تكرر ذكر "جبل المصارية، الجفينة، السد القديم" مع أنها مناطق بعيدة عن مواقع الاشتباك، وموقف القوات الحكومية قوي في الجبهة بشكل عام.

 

البلق يكسر الآمال

في الأسبوع الأول بدت وسائل الإعلام الإيرانية والموالية لها متفائلة بشكل كبير، حيث أشارت لتصريحات قادة في ميليشيا الحوثي تفيد بأن الميليشيا ستسيطر على مارب خلال أيام، بل تهورت بعضها بشكل أكبر وقالت إن ميليشيا الحوثي باتت تحاصر المدينة التي غادرتها "القوات السعودية"، وأخرى قالت إن "العد التنازلي قد بدأ" قبل أن يتراجع هذا التفاؤل بشكل كبير بفعل صمود القوات الحكومية.

فمع اندلاع معركة البلق، يوم الجمعة الماضية، أشارت وسائل الإعلام الإيرانية إلى أن الحوثيين سيطروا على "جبال البلق" الذي قالت إنه على بعد 8 كم من مدينة مأرب وأن قواتهم ستتحرك باتجاه سد مأرب وجبل المصارية ومنطقة "نقيل مدرج"، ونقلت "المعركة من شرق جبهة صرواح إلى غربي مدينة مأرب".

وقالت صحيفة مشرق إن على "المقاتلين اليمنيين أن يستعدوا لدخول الأحياء الغربية لمدينة مارب" التي تكرر وصفها بـ(أهم قاعدة للتحالف السعودي في اليمن) واصفة "أبو محمد الشعلان" الذي قتل اثناء معركة استعادة جبل البلق بـ"قائد قوات التحالف في مأرب".

لكن وبعد الهزيمة التي أوقعتها القوات الحكومية بالميليشيا في المعركة الشهيرة تراجعت تلك التصريحات كثيراً وظهرت تصريحات أخرى مفادها أن جماعة الحوثي ليست "في عجلة من أمرها للتحرير كامل مأرب ويفضل أن تتم هذه العملية الميدانية في فترة زمنية معينة".

تقول وكالة مهر: رغم وصف جبهة مأرب بـ "المعركة المصيرية"، يبدو أن الجيش والمقاومة اليمنيين (ميليشيا الحوثي) لا يصرّان على تسريع العملية الميدانية، مفضلين القيام بذلك خلال فترة زمنية معينة.

 

موقف أبناء مارب في نظر إعلام إيران

تكرر الحديث عن مزاعم أن قبائل مارب توقع اتفاقات مع الحوثيين لدخول مناطقهم وتحريرها من "الإصلاح" و"الاحتلال"، وتحاول الإيحاء بشكل دائم أن قبائل المحافظة يقعون تحت ضغط من قبل التحالف، حيث ذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية أن جماعة الحوثي نجحت في عقد صفقات مع قبائل ماربية عدة من بينها مراد متوقعة أن تنضم كل قبائل المحافظة الى اتفاقياتها اذا ما تمكنت من التقدم في السيطرة على المحافظة.

وركزت على قبيلتي "مراد" و"عبيدة" والتي قالت إن عدداً من فروع الأخيرة وقعت اتفاقيات غير معلنة حتى الآن حرصاً على سلامتها، "بعيداً عن أيّ إغراءات مالية" متوقعة أن تنجح "صنعاء في قلب الطاولة على «التحالف» وحكومة هادي من الداخل".

فيما تركز تغطيتها على كيل الاتهامات لحزب الإصلاح والقوات الحكومية والتحالف بممارسة انتهاكات والقول بأنهم "نهبوا ممتلكات الأهالي أثناء سيطرتهم على المدينة، وارتكبوا أبشع الأعمال الوحشية ضد المواطنين الأبرياء".

وتزعم هذه التغطية الإعلامية أن الحوثيين ينقذون أبناء مأرب، وأن التحالف العربي والقوات الحكومية والمقاومة الشعبية تستخدم المدنيين والنازحين دروعا بشرية.

 

أكاذيب حول النازحين

تعاملت وسائل الإعلام الإيرانية مع النداءات الدولية المطالبة بإيقاف هجمات حلفائها المميتة على مارب ومخاطر ذلك على النازحين بأسلوب "نزق"، وقالت قناة المنار إن "ارتفاع (الصرخة الإنسانية) لكثير من الدول والمنظمات الدولية التي باتت بسحر ساحر تبحث عن حقوق الانسان اليمني وضرورة تقديم الغذاء والدواء له" أمر لافت.

وليست المرة الأولى التي تستخدم فيها وسائل الإعلام الإيرانية ورقة النازحين لتخفيف الضغط على ميليشياتها، وفي مارب تحديداً بدأت هذه الوسائل في إبداء استيائها من نزوح الآلاف من مناطق الجوف ونهم وأطراف مارب باتجاه المدينة خلال هجمات الميليشيا التي شنتها في العام الماضي.

ومع تعالي النداءات الأممية والدولية مؤخراً والتي تطالب الميليشيا بإيقاف هجماتها على المدينة التي تضم أكثر من مليوني ساكن ومهجر، لجأت وسائل إعلام إيران إلى اتهام سلطات مارب باستخدام النازحين كدروع بشرية. وصعدت من مزاعمها مع نزوح من كانوا في المخيمات التي قصفتها في مناطق غربي مارب، والذين قدر عددهم بالآلاف ونزحوا الى داخل المدينة، بالتزامن مع اتهامات ساقتها هذه الوسائل لمقاتلات التحالف باستهداف المخيمات.

تم طباعة هذه الخبر من موقع المشهد الخليجي https://almashhadalkhaleeji.com - رابط الخبر: https://almashhadalkhaleeji.com/news26106.html