أعلنت المبادرة السعودية الجديدة، فسارعت الحكومة اليمنية إلى القبول بها، وسارع الحوثيون إلى رفضها، الأمر الذي يجعل المبادرة وكأنها ولدت ميّتة.
من جانبها، صعّدت مليشيا الحوثي من هجومها العسكري على السعودية، وأعلنت استهداف مطار 'أبها' الدولي بطائرة مسيّرة، الأمر الذي يعني استمرار المليشيا في معركتها ضد الشرعية وضد السعودية، بصرف النظر عن أي مبادرات.
ورغم حصول المبادرة السعودية على تأييد دولي واسع من قِبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول، إلا أنه لا يبدو أن لها فرصة لأن ترى النور.
منطلق عقائدي
وعن أسباب خشية الحوثي من مبادرات السلام، يقول الكاتب والباحث السياسي، نبيل البكيري، إن "الحوثيين لا ينطلقون في تعاطيهم مع المشهد الدولي والإقليمي والمحلي من زاوية سياسية".
وأضاف، خلال حديثه لبرنامج "المساء اليمني" على قناة "بلقيس"، مساء أمس، "أن من يتابع هذه الجماعة منذ بداية الحرب، ومن يتابع خطابها وأدبياتها، فإنه يجد أن هذه الجماعة تنطلق من منطلق عقائدي مذهبي".
ويوضح البكيري أن "الحوثيين ينظرون أن بقاءهم وصمودهم ست سنوات في هذه الحرب هو 'كرامة إلهية' بالنسبة لهم، وأنهم في طريق تحقيق المشروع الذي أعلنوه، والذي ترعاه إيران".
ويفيد أن "تعاطي الحوثيين مع المبادرات الدولية ومناقشتهم للسلام ينطلق من باب وزاوية عقائدية بحتة".
ويتابع موضحا: "الجوهر الرئيسي في مسألة تعقد الصراع في اليمن، وطول أمده، هو نظرة الحوثيين للحكم بأنه حق إلهي خاص بهم لا يجوز التفاوض عليه".
وعن إمكانية ممارسة الضغوط الدولية على الحوثيين للدفع بهم إلى التعاطي مع مبادرات السلام، يوضح البكيري أن الحوثيين "لا يتعرضون لأي ضغوط دولية، بخلاف السلطة الشرعية التي تتعرض لمثل هذه الضغوط".
ويلفت إلى أن "تصنيف الحوثيين كـ 'جماعة إرهابية' كانتث أهم ورقة يمكن من خلالها الدفع بالحوثيين إلى طاولة الحوار، وتقديم التنازلات".
ويرى أنه بعد أن تم رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، "أصبح من الصعب الآن ممارسة الضغوط عليهم من قِبل أي طرف دولي".
ويستبعد البكيري تعاطي مليشيا الحوثي سياسيا أو إنسانيا مع أي مبادرة، مؤكدا أن "التعاطي الحقيقي والواضح والوحيد مع هذه المليشيا لن يكون إلا بلغة السلاح التي تعرفها".
تناقض الحوثيين
وعن تناقض الحوثيين في مطالباتهم بالسلام إعلاميا ورفضهم كل مبادرات السلام واقعيا، يقول سفير اليمن لدى المغرب، عزالدين الأصبحي إنه لا يستغرب هذا التناقض من مليشيا الحوثي، "كون المليشيا لديها تاريخ طويل وحافل في كل حروبها برفض عملية السلام، وعدم قبولها بأي دعوة أو مبادرة إلى ذلك".
ويضيف الأصبحي أن "النظرية التي يؤمن بها الحوثيون تقوم على منهج الغلبة والتفرد بالحكم وضرورة رضوخ الشعب لهم، كما أنهم لا يؤمنون بكل قِيم الشراكة والمساواة أو القبول بالآخر".
ويعتبر الأصبحي عدم قبول الحوثيين مبادرات السلام "يأتي في إطار المنهجية العنصرية التي يؤمنون بها، والمتمثلة بالتعالي على الآخرين، وكذلك عدم قبول الآخر والتعايش معه".
ويستبعد الأصبحي ذهاب الحوثيين إلى مبادرة سلام حقيقية، مرجعا ذلك إلى أسباب، يأتي في مقدمتها العامل الإقليمي، "كون العنصر الإيراني الفارسي هو من يتحكم بهذه المليشيا، ويتحكم بقرارها كذلك"، حد قوله.
ويستبعد الأصبحي أن يتخذ الحوثيون أي خطوة حقيقية تجاه مبادرة سلام تقدمها السعودية أو المجتمع الدولي دون الرجوع إلى إيران ومراعاة مصالحها في المنطقة.
وتابع موضحا: "أكبر عامل لرفض الحوثيين مبادرات السلام هو منهج الحوثي في قضية الولاية والإمامة والحق الإلهي، وكذلك قضية نظرته لليمنيين، وأنهم أحق بالحكم دون غيرهم".
ويلفت الأصبحي إلى جولات الحوار التي كانت المليشيا تناور من خلالها من أجل كسب الوقت والاستعداد للحروب، والتي كان من بينها جولة الحوار الوطني.
ويفيد الأصبحي أن "أي حوار يجري مع المليشيا لا بُد فيه من استحضار العلاقة مع إيران التي تريد تحسين التفاوض في ملفها النووي، وسعيها للإضرار بأمن دول الخليج واستقرارها".
وبشأن نظرة الحوثيين وتصوّرهم للسلام، يقول الأصبحي: "إن الحوثيين يتصوّرن السلام من خلال رضوخ الشعب لهم، وتفردهم بالحكم، كونهم يملكونه بحق إلهي، كما يزعمون".
ويرى الأصبحي أنه "لا يمكن الذهاب إلى مفاوضات مع مليشيا الحوثي ما لم يسبق ذلك عمل عسكري وضغط على الأرض".
بدوره، يستبعد رئيس دائرة التوجيه المعنوي السابق، محسن خصروف، موافقة الحوثيين على المبادرة السعودية أو الدخول في عملية سلام، "طالما وهم لم يتجاوزوا فكرة السلالة والمذهب والطائفة وفكرة الحق الإلهي أيضا".
ويذهب خصروف بالقول إلى أن "هذه المبادرة ستؤدي إلى إيقاف العمليات العسكرية، والانتصارات المهمة للجيش الوطني في كل الجبهات".
ويضيف أن "إعلان المبادرة بالتزامن مع اشتداد المعارك، وإشعال الجبهات في أغلب المناطق، هدفها إنقاذ الحوثي من هلاك محقق"، حد قوله.
ويتابع موضحا: "الولايات المتحدة الأمريكية وبعض المنظمات الدولية ومارتن غريفيث يمارسون الضغط على السعودية، التي تتعرض مدنها وشركاتها إلى قصف حوثي، لتقديم مثل هذه المبادرات".