2021/07/12
العمراني.. "مفتي الشعب" وفقيه مذاهب اليمن [تقرير خاص]

نعى اليمنيون مفتي ديارهم وشيخ العلماء والوسطية ومجدد الفقه، القاضي العلامة محمد بن اسماعيل العمراني الذي توفي فجر اليوم الاثنين في العاصمة صنعاء عن عمر ناهز 99 عاما.

واتشحت حسابات النشطاء اليمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة القاضي العلامة العمراني الذي عرف ببساطته وطرافته وغزارة علمه وفراسته الشديدة.

وقال وزير الخارجية والمغتربين في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، أحمد عوض بن مبارك، في حسابه على "تويتر" إن اليمن "فقدت علما من اعلامها الشامخة ومفتي ديارها، مقدما تعازيه الحارة لجميع أفراد أسرته وعائلته ومحبيه.

من جانبه قال مدير دائرة التوجيه المعنوي السابق، محسن علي خصروف، ناعيا العلامة العمراني: "شيخ الإسلام العلامة، حبيب ونصير أصحاب الوجائع، المبين بجلاء للحق وجوهره، العارف بالله، العالم العالم، المتمكن، الكبير بغزارة علمه، ذي الوقار، البسيط المتواضع حتى الإدهاش، معين الابتسامة العريضة الذي لا ينضب، اللماح، حاضر البديهة بلا نظير، الفقيه الذي يسكن العصر بكل متغيراته في داخله، الفقه المتحرك الذي عجز الجمود أن يجد إليه طريقا، المتحرر من جمود الفكرة، الباب المفتوح لكل من يقصده، العلم أستاذ الأساتيذ ومؤتمن الفتوى والرأي الصائب محمد بن إسماعيل العمراني، رحمة الله تغشاك ولن ننساك أبدا لأن هذا اليوم سيكون بداية رحلتك معنا".

ولد القاضي محمد بن اسماعيل العمراني في صنعاء القديمة في في ربيع أول سنة 1340هـ الموافق 1922م، واشتهر بلقب (العمراني) مع أنه ولد ونشأ وتربى وتعلم في صنعاء، ويعود ذلك لأن أصل أسرته من مدينه عمران، وصارت كلمة (العمراني) علماً بالغلبة عليه وعلى ذريته إلى يومنا هذا، وهم لا يعرفون بدون هذه الكلمة باعتبار موطن الأجداد الأقدمين، وإلا فهم في وقتنا الحاضر من أهل صنعاء.

وقالت الناشطة اليمنية، توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام للعام 2011 في صفحتها على "فيسبوك": "أعزي نفسي والشعب اليمني بوفاة مفتي الديار اليمنية القاضي محمد بن اسماعيل العمراني".

وأضافت كرمان: "عاش القاضي العمراني وفيا لرسالة الإسلام والعلم من دون منة أو خيلاء، فكان قريبا من الناس ومشكلاتهم، فهو بحق يستحق أن يكون فقيه الشعب. رحمه الله وعظم أجر شعبنا في مصابه الجلل هذا".

ويعتبر اليوم العلامة العمراني أشهر علماء اليمن المعاصرين فيما يتعلق بالعلوم الشرعية والفقهية والدينية وكذلك هو مفتي الديار اليمنية، ووصلت شهرته لبلدان عربية كثيرة ويتوافد اليه العلماء ومحبي العلماء من كل بلد لزيارته، ويعتبر مفتي اليمن الأول، ونشط في الافتاء عبر الصحف والإذاعة في السنوات الماضية لنحو ثلاثة عقود من إذاعة صنعاء في برنامج ( فتاوى) والذي لم يعد يذاع منذ بضع سنوات، وكذا مقابلات وبرامج في قنوات تلفزيونية.

وعُرف العمراني بالاعتدال في كل مسيرته العلمية والعلمية وهو ما أكسبه حب اصحاب المذهب الشافعي والذين يعرفون اليوم باسم أهل السنة ومن جهة أخرى كسب من يصنفون بأنهم مذهبيا من اتباع المذهب (الزيدي) المتشدد والذين يصنفون بأنهم الأقرب للشيعة وأفتى فتواه الشهيرة بعدم اعتبارهم خارجين عن الإسلام وشن الحرب عليهم.

من جانبه قال سفير اليمن في الأردن، علي العمراني: "مائة عام قضاها العمراني في هذه الدنيا حسن السريرة ومحمود السيرة، معلما متميزاً ومفتياً موثوقاً لكل اليمنيين بمختلف مذاهبهم؛ المتقاربة أصلاً، التي لا يفرقها  إلا مغالاة الطائشين المتطرفين الجدد وعنفهم وبطشهم، وطمعهم، وعلى رأسهم الحوثيون القادمون من كهوف التوحش، المتسببون في كارثة وطنية تاريخية غير مسبوقة لأهل اليمن".

وأضاف العمراني: "لعل وفاة العلامة العمراني، زيدي المذهب، الموثوق من الشوافع والزيود، يذكرنا كم أن اليمنيين قريبون من بعضهم، وأن الفرقة طارئة، سببها الغلو والتطرف القادم من كهوف الدجل والزيف والخرافة، ودعاوى حق الولاية، والأفضلية العنصرية". 

والقاضي العمراني في نهجه العلمي يشبه العلامة الشهير القاضي محمد علي الشوكاني أشهر علماء اليمن في نهاية مطلع القرن الثامن عشر، ورغم زهده في السياسة إلا أنه لم يسلم من الأذى وتعرض لحملة إعلامية شرسة خاصة بعد انقلاب ميليشيا الحوثي الانقلابية دعته لنفي كل ما اتهم به من فتاوى انه يكفر الآخرين أو يدعوا إلى قتالهم.

في السياق قال الباحث نبيل البكيري: "ربما لم يمر في تاريخ اليمن العلمي والثقافي علم بحجم القاضي والعلامة  محمد بن اسماعيل العمراني، مفتي اليمن وعلامتها الكبير  منذ الإمام الشوكاني وحتى اللحظة".

وأضاف البكيري: "خلد الشوكاني بما تركه خلفه من تراث علمي كبير في شتى العلوم الإسلامية لكن خلود القاضي العمراني يأتي من باب آخر تماما فهو لم يترك من الكتب والمؤلفات إلا الشيء اليسير جدا كتاريخ القضاء في اليمن لكن ما سيخلد هذا الرجل البسيط هو وسطيته واعتداله وتموضعه المركزي في قلب الحركة العلمية اليمنية درسا وإفتاءا لما يقارب قرن من الزمن".

وأشار البكيري إلى أن "القاضي العمراني حافظ على حدود واضحة لمكانة العلم وتنزيلاته الإجتماعية والسياسية بحيث لم يقع طوال مسيرته العلمية بأي مواقف تتناقض مع مكانته الإفتائية التي ربما يكون من خلاله قد أسس لمدرسة جديدة في الافتاء تقوم على ما يطلق عليه علميا بمدرسة الفقة المقارن التي تجعل المتخصص فيها يمتلك القدرة على الاجتهاد والإجابة في كل المذاهب الفقهية المعتبرة".

وتابع البكيري: "أما عن موقفه السياسي فقد جسد العمراني ثوابت السياسة اليمنية في كل ما صدر عنه من مواقف تتعلق  بالموقف من كل القضايا العامة ولم يجامل فيها أحدا كمرجع علمي يرى في الدولة اليمنية الجمهورية أهم وأقدس منجزات اليمنيين".
 
ولفت البكيري إلى أن "علاّمة اليمن وفقيهها الأكبر رحل واليمن ليست بخير،  وتعيش لحظة قطعا لم يكن القاضي العمراني يحبذها لليمن واليمنيين الذين ظل مرجعيتهم العلمية لقرن من الزمان".

تم طباعة هذه الخبر من موقع المشهد الخليجي https://almashhadalkhaleeji.com - رابط الخبر: https://almashhadalkhaleeji.com/news35481.html