يتمايل البَرَّاع (عازف الطبل) اليمني أحمد خريش (12 عاما)، بشعره الأسود الطويل بينما يقرع بسرعة طبلة مربوطة بخصره.
والطفل خريش فرد ضمن فرقة رقص شعبي متخصصة في رقصة البرع التقليدية التي تؤدى أثناء حفلات الزفاف في مختلف أنحاء العاصمة اليمنية صنعاء.
وتتكون رقصة البرع أو البرعة -المعروفة أيضا باسم رقصة الحرب- من مجموعة من الأفراد الذين يرقصون ويتحركون في انسجام تام مع إيقاع الطبول، وغالبا ما يكون ذلك متزامنا مع التلويح بالجنابي (الخناجر التقليدية اليمنية) أو السيوف.
ومن الناحية التاريخية كانت رقصة البرع تؤدى ضمن طقوس الإعلان عن قدوم أشخاص يريدون مهاجمة القبيلة، في مسعى لتحفيز المحاربين على الاحتشاد والتأهب لملاقاة المعتدين وصدهم.
وقال زياد المطري، وهو رئيس فرقة رقص شعبي، “رقصة البرعة كانت طقسا من طقوس طبول الحرب، كما كانت تستخدم كوسيلة لإيصال خبر أو حدث ما، وذلك من خلال آلة الطاسة التي هي عبارة عن نحاس خالص يسمح بإعطاء صوت رنان قوي يُسمع من بعيد. وهي هنا بمثابة أسلوب نداء ليحتشد الناس ويتم إعلامهم بخبر ما”.
وفي حفلات الزفاف غالبا ما تتم رؤية مجموعة راقصي البرع في شكل دائرة حول العريس، بينما يشاهد ذلك الضيوف المتحمسون ويصفقون.
وقال العريس بدر العواضي، الذي كان محاطا بفناني هذا النوع من الأداء خلال حفل زفافه، إن “البرع جزء لا يتجزأ من حفلات الزفاف اليمنية”.
وأضاف “البرع عادة يمنية قديمة (موجودة) منذ الأزل ولا بد منها في كل الأعراس ولا يمكن الاستغناء عنها، ولكل قبيلة وقرية برعة وغناء خاص بها ولا يمكن الاستغناء عنها أبدا، في أي عرس لا بد منها مهما كان صغيرا أو كبيرا”.
وبالنسبة إلى البراع أحمد خريش -أصغر أعضاء الفرقة الشعبية- لم يكن العمر عقبة عندما يتعلق الأمر بتعلم الرقصة التقليدية؛ فقد قال “أنا أولا تعلمت رقصة البرع وإيقاعها منذ كان عمري أربع أو خمس سنوات، وأول من علمني أصولها والدي، لتصبح هذه الرقصة أفضل هواياتي”.
ويُقال إن خريش من أكثر البراعين المطلوبين في حفلات الزفاف بصنعاء على الرغم من صغر سنه.
ويوضح الفتى أن حبه لهذه المهنة وتفانيه في أدائها يجعلانها لطيفة بالنسبة إليه رغم أن البعض يرى أن فيها مشقة له نظرا إلى صغر سنه.
وقال “بعض الناس يقولون لي إنني صغير عن الرقصة التي تتطلب مجهودا، كما تتطلب إيقاعاتها انضابطا ودقة، وهو ما لا يتقنه إلا الكبار، لكنهم لا يعرفون أنه إذا أحببت شيئا ودخل قلبك فلن يصير إتقانك له صعبا أو مستحيلا”.
والبرع في اللهجة اليمنية الدارجة يطلق على العدو الواثب أي الشخص الذي يستعد للنزال. وتختلف رقصة البرع من مدينة إلى أخرى؛ فلكل منطقة رقصتها، بل لكل قرية رقصتها.
وتتكون رقصة البرع الصنعاني من أربعة إيقاعات مختلفة تم تشكيلها على أساس أن يكون بناؤها بناءً تصاعدياً، وسبب ذلك هو تكوين الرقصة التي لا بد أن تتخذ مراحل متعددة حتى تصل إلى آخر مرحلة وهي المرحلة الفاصلة.
ويقول خريش “إن رقصة البرع -وهنا أتحدث عن البرع الصنعاني- تبدأ بإيقاع بطيء يسمى باللهجة الدارجة ‘الدسعة’ وميزانه محدد. وبعد ذلك يتصاعد الميزان ليكون أسرع ويصبح له اسم آخر وإيقاع آخر ويسمى ‘السارع'”.
ويتابع خريش كلامه عن إيقاعات الرقصة قائلا “بعد هذين الإيقاعين المتتاليين ببطء في تسارعهما يأتي الإيقاع الثالث الأكثر سرعة ويسمى ‘الوسطى’ وهو أسرع مما سبقه من الإيقاعات”.
ويختتم حديثه بقوله “أما الإيقاع الأخير الذي تبلغ فيه السرعة ذروتها فيسمى ‘إيقاع الهوشلية’ وفيه يصل الراقص إلى ذروة السرعة في أدائهِ الحركي الذي يوصله إلى درجة الإنهاك الجسدي”، مؤكدا أن جميع رقصات البرع تنتهي على إيقاع الهوشلية التي يتقنها ولا تتعبه في عزفها بل يزداد طربا كلما ارتفع الإيقاع، على عكس ما يظنه البعض.