مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

العالم تغيّر... إيران ترفض أن تتغيّر

2022/07/16 الساعة 01:17 مساءً

تمتلك ايران أوراقاً عدّة تستطيع استخدامها في المفاوضات مع الإدارة الأميركيّة من أجل عقد صفقة تسمح بالتخلّص من العقوبات المفروضة عليها. الأهمّ من ذلك كله، اعتقاد «الجمهوريّة الإسلاميّة» أنّ الوقت يعمل في مصلحتها. ليس معروفاً هل الأوراق الإيرانيّة ما زالت كافية لفرض اتفاق بشروط محدّدة على أميركا.

كذلك، ليس معروفاً هل الوقت يعمل في مصلحة الجانب الإيراني أم لا... بعد مضي سبعة أعوام كاملة على الاتفاق الذي وقّعته «الجمهوريّة الإسلاميّة» مع مجموعة الخمسة زائداً واحداً. أي مع البلدان الخمسة ذات العضويّة الدائمة في مجلس الامن زائداً المانيا.


كلّ ما في الأمر أنّ العالم تغيّر، لكن ايران ترفض الاعتراف بذلك وترفض ان تتغيّر. بالنسبة إلى «الجمهوريّة الإسلاميّة»، توقف العالم عند الذي حصل في العام 2015.

في الواقع، تغيّر العالم منذ توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني في عهد الرئيس باراك أوباما الذي كان منحازاً كلّياً إلى «الجمهوريّة الإسلاميّة» ويميّز بين التطرف الديني لدى السنة وبين التطرف لدى ايران وميليشياتها المذهبيّة المنتشرة في كلّ انحاء المنطقة.

لم يكن أوباما الواقع تحت تأثير عدد من مستشاريه المعجبين بايران، من أمثال فاليري جاريت، يرى أن الإرهاب الديني السنّي والشيعي وجهان لعملة واحدة. كان أوباما عاجزاً عن إدراك أنّ لا فارق بين ممارسات «داعش» والميليشيات التابعة لإيران في العراق وسورية ولبنان واليمن.

تغيّر العالم بين 2015 و2022، إلى درجة أن ايران التي جاءت بروسيا إلى سورية كي تحول دون سقوط النظام الأقلّوي فيها، استعادت المبادرة في سورية.

باتت روسيا في حاجة إلى ايران وميليشياتها في سورية وذلك كي تثبت انّها ما زالت موجودة في هذا البلد وعلى شاطئ البحر المتوسّط.

لا يشبه عالم 2022 عالم 2015، خصوصاً بعدما قررت روسيا غزو أوكرانيا، أي فرض هيمنتها على أوروبا. تكفي نظرة إلى موقع أوكرانيا في الخريطة للتأكّد من أن كلّ دولة في أوروبا باتت تشعر بانّها مهدّدة.

عندما تدخلت روسيا في سورية بطريقة مباشرة وانضمّت إلى الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري في العام 2015، لم يعر العالم ما قامت به أي اهتمام.

لا يهمّ العالم من الذي يدور في سورية ما دام الضحايا من السوريين وما دام المطلوب إسرائيليا الّا تقوم لسورية قيامة في يوم من الأيّام.

كان المطلوب امراً واحداً هو انّ تسهّل روسيا الضربات الإسرائيلية الموجهة إلى أهداف ايرانيّة أو إلى ميليشيات تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني... في سورية. كلّ ما عدا ذلك كان مجرد تفاصيل، بالنسبة إلى اميركا أو بالنسبة إلى إسرائيل.

في عالم، باتت فيه الولايات المتحدة في حاجة إلى استقرار في منطقة الخليج الغنيّة بمصادر الطاقة، يصعب على ايران استيعاب أنّ ليس في استطاعتها عقد صفقة مع «الشيطان الأكبر» الأميركي من دون أن تأخذ في الاعتبار أن دول المنطقة كلّها تشكو من سلوكها.

تشكو من ميليشياتها ومن صواريخها البالستية وتشكو من طائراتها المسيّرة التي استهدفت مواقع لما يسمّى «الشرعيّة» في اليمن كما استهدفت الأراضي السعوديّة،الإماراتيّة في مرحلة معيّنة.

لعلّ أهمّ ما ترفض «الجمهوريّة الإسلاميّة» الاعتراف به انّ ليس في استطاعتها تجاهل إرادة اهل الخليج العربي ومدى تأثير هذه الإرادة على القرار الأميركي.

لم يعد ممكناً لأي إدارة أميركيّة غض النظر عن موقف السعوديّة ودول الخليج العربي عموماً. باتت العلاقة بين الجانبين علاقة اخذ وردّ، خصوصاً أنّ لدى اهل المنطقة من العرب وجهة نظرهم في كلّ شاردة وواردة في هذا العالم، بما في ذلك طريقة التعاطي مع الصين.

نعم تغيّر كلّ شيء في العالم. لكنّ ايران ترفض أن تتغيّر. لا تزال تعتقد ان اميركا مستعدة للرضوخ لشروطها وان جو بايدن ليس سوى جيمي كارتر او باراك أوباما آخر.

ضاع كارتر في العام 1979 بمجرد احتجاز السلطات الإيرانيّة ديبلوماسيي السفارة الأميركيّة في طهران. استمر ذلك 444 يوماً.

كشف كارتر ضعف اميركا بدل ان يثبت مدى قوتها وحزمها.

أمّا أوباما، فقد امضى عهده يسترضي «الجمهوريّة الإسلاميّة» بعدما اعتقد ان الملف النووي الإيراني يختزل كلّ أزمات المنطقة ومشاكلها.

قد يكون بايدن شبيهاً بكارتر أو أوباما. لكنّه عاجز عن البقاء في اسر اللعبة الإيرانيّة المعروفة. لم يعد قادراً، بكل بساطة على تجاهل الخليج ورغبات اهله. لذلك جاء إلى السعودية على الرغم من كلّ ما صدر عن ادارته ورجالها من مواقف تعبّر عن جهل كبير باهمّية المنطقة وموقعها في العالم.

تغيّر الكثير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. استطاعت إدارة بايدن التأقلم مع هذا التغيير. ثمّة من قال لها عبارة «إنّه النفط أيها الغبي».

لم يعد من مجال لتفادي النفط وأهمّية النفط وضرورة مساعدة أوروبا على التخلي عن مصادر الطاقة التي مصدرها روسيا ما دام فلاديمير بوتين في السلطة.

تكمن أهمّية اميركا في قدرتها على التأقلم السريع مع ما يدور في العالم. في الأمس القريب، كان همّ بايدن الخروج من الشرق الأوسط والخليج والتركيز على الصين وكيفية مواجهتها.

جاء بوتين، في ضوء غزوه أوكرانيا، ليعيد الاعتبار لمفاهيم قديمة. في مقدّم هذه المفاهيم أنّ لا بديل من الخليج. سيحاول من دون شكّ إعادة بناء علاقة استراتيجية مع المملكة العربيّة السعوديّة ممثلة بالملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان.

سيحاول أيضاً توسيع العلاقة لتشمل دول المنطقة العربيّة كلها، بما في ذلك دول مجلس التعاون والأردن ومصر.

لم يستبعد العراق الذي سيكون حاضراً، على الرغم من وقوعه تحت الهيمنة الإيرانيّة. هناك باختصار معادلة إقليمية ودولية جديدة تتعاطى معها اميركا بطريقة عملية في حين ما زالت ايران أسيرة مفاهيم قديمة لا علاقة لها بعالم ما بعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا!

عن "الراي" الكويتية