مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

الإمامة وإرهاب المرأة

2024/02/12 الساعة 09:31 صباحاً

المرأة اليمنية جزءٌ من المجتمع، عانت بدورها من إرهاب الإمامة ولا تزال، من اتجاهات عدة، عانت باعتبارها طفلة تأيّمت، وباعتبارها أُمًّا فقدت ابنها، أو زوجة فقدت زوجها، أو أخاها أو قريبها جراء حروب الإمامة التي شكلت سلسلة متصلة منذ مجيء يحيى حسين الرسي إلى اليمن وإلى اليوم، وعانت بسبب الجهل المفروض عليها، محرومة من أبسط حقوقها، ولا تزال المعاناةُ مستمرة.
تعرضت المرأةُ للإرهاب الإمامي الحوثي، حين يأتي جنود الأئمة فيعتدون على الحُرمات، ويقتحمون البيوت ثم يستولون على ما فيها، ليلا أو نهارا، سواء بحضور الرجال في البيوت أم أثناء غيابهم، تعرضت للقهر النفسي والمادي معًا، ولا تزال. وفي هذا خاطب الشاعر زيد الموشكي الإمام يحيى بقوله:
تخاصمنا بالدين والدين موجعٌ    
لأنك قد أدميت مهجته عدا
وإلا فهل هتكُ النساء وضربها 
حلال ولو في دين من يعبد الصّلدا
وقد كان الكف عن إرهاب النساء والأطفال واقتحام منازلهم عنوة من قبل جنود الإمامة أحد مطالب الثوار اليمنيين، كما أشارت المراسلاتُ بين الزبيري ونعمان من عدن إلى الإمام يحيى بصنعاء، وهما على رأس الجمعية اليمانية الكبرى، والرسالة مؤرخة في 29 أغسطس 1946م. انظر: الهادوية بين النظرية السياسية والعقيدة الإلهية، ثابت الأحمدي، إصدارات وزارة الثقافة، اليمن، ط:1، 2018م، 161 فما بعدها.
وإلى جانبِ الآثار السِّلبيَّةِ التي تركتهْا الحروبُ على الجانبِ المادي في الأرواح والممتلكات يبقى أثرُها الكبيرُ على الجانبِ النفسي وما تتركه على سَيكولوجيَّة الإنسَان؛ خاصَّة وأنَّ هَذِه الحروبَ ذاتُ طابعٍ ُمغَايرٍ لأيةِ حروبٍ أخرى، فليستْ حروبَ جُيوشٍ نظاميَّةٍ تقتصرُ على فرقٍ مدرَّبة ومقاتلة فقط، بل تُعتبر القبيلةُ كلُّها جيشًا محاربًا، غازيًا أو مغزيًا، قاتلا أو مقتولا، ناهبًا أو منهوبًا؛ فكلُّ فردٍ في القَبيلة هو جنديٌ مقاتلٌ بالفطرة، ولديه من قصصِ الموروثِ الحربي التي تفتَّحَ وعيُه عَليْها منذ الصِّغر ما يفوق معارف وخبرة الجنديَّ النظامي التي تعلمها.! وعادةً ما تدورُ رحى هَذِه الحروبِ في الأغلبِ الأعم على مقربةٍ من الديارِ والأهل والسكنى؛ بل داخلها أحيانا، وليست في جبهات خارجية، فيتأثر الجميع بها من الناحية النفسية إلى جانب الآثار المادية الأخرى.
وقد وصل الأمر بجنود الإمامة أن قتلوا النساء أيضا كما فعل جنود الإمام المهدي محمد بن المهدي أحمد، صاحب المواهب، إذ قتلوا نورة بنت معوضة بن محمد بن عفيف في يافع، والتي قُتلتْ في إحدى المعارك، وهي تدافع عن نفسها. وغيرها من النساء، ذكرهن البردوني في اليمن الجمهوري.
وقد ذكر المؤرخ محمد علي الأكوعُ أن رجالَ القَبَائلِ المسلحين عند دخولهم لمدينة يريم قبل عام 1911م قد أتوا أعْمَالا وحشيَّة من سَلبِ الأموالِ وهتكِ الأعراضِ لدرجة أن بعضَهم كان يقطعُ أُذن المرأة أو البنتِ ليسلبَ ما عَليْها من الذَّهبِ أو الفضة.. إلخ. كما أنهم قد أتوا أفعالا مُضْحكة مزرية تعكس الجَهْل والغباء، ومنها أكلهم للصَّابون ظانين أنه سُكر، وآخرون وجدوا أُرْزا فحسبوه دودًا ميتا فرموا به، والبعض يرى صُورته في المرآة الزجاجيَّة فيظن أنَّه عدوٌ فيرمي المرآة وتتطاير شظاياها إليه فتجرحه، ويظن أنه قتل عدوه.!! انظر: صفحة من تاريخ اليمن الاجتماعي وقصة حياتي، محمد بن علي الأكوع الحوالي، مطبعة الكتاب العربي، دمشق، ص: 105.
ويروي القاضي عبد الرحمن الإرياني الرئيسُ الأسْبق للجمهوريَّة العَربيَّة اليَمَنِيَّة 1967 ـ 1974م وقائعَ لا تقل بشاعةً عن بشاعةِ أفعال الرسي وابن حمزة، حين مرّ جيشُ الإمَام يحيى، المؤلَّف من قبائل همجيَّة حد تعبيره، من مدينة يريم، ففتحت المدينةُ أبوابها لجيشِ الإمَام معتزةً به، فهالهم ما رأوه في بيوتِ المواطنين هُناك من متاعٍ وأموالٍ لا عهدَ لهم بها، فأقدموا على نهبِ كل ما وصلتْ إليه أيديهم، حتى بلغ بهم الأمرُ إلى أن يقطعوا آذان النِّسَاء ليأخذوا الأقراط التي عليها. انظر: مذكرات الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني، ط:1، 2013م، 62/1.
بل حتى نهب فرش المسجد. ! وقَدْ تتالت الأخبار أن بعضًا من أقراطِ الآذنِ، الفضيَّةِ والذهبيَّةِ بِيْعتْ في أسْواقِ صَنعاء على بقايا الآذانِ المقطوعة..!
وذات الفعل الإرهابي كان قد حصل إبان حكم الإمام المهدي صاحب المواهب حين سلط على قبائل ريمة ووصاب قائده العسكري ابن حبيش، فقطعوا آذان النساء، لأجل ما فيها من الأخراص، إضافة إلى القتل والتشريد، شيوخا ونساء وأطفالا. انظر: اليمن في ظل حكم الإمَام المهدي، 237.
كما ذكر الإرياني قصة مروعة حين أباح الإمَام أحمد نهب صَنعاء لأتباعه، عقب مقتل أبيه، سمعها الإرياني نفسه من القاضي أحمد السياغي شاهد عيان القصة، "كان قد دخل صَنعاء مع القبائل الداخلين أنه وكان في طريقه إلى قصر غمدان رأى امرأة حاملا، خرجت لبعض شأنها، ورآها بعض القبائل فظن أنها تخفي حُليا أو مجوهرات تحت ثيابها وتتظاهر أنها حامل لتنجو بما معها، وبدلا من أن يمد القبيلي يده ليحس ما عَليْها ويتعرف على ما تحت ثيابها سل جنبيته "خنجره" وطعن المرأة الحبلى، فبقر بطنها وسقط الجنين إلى بين رجليها على الطريق وماتت المرأة وطفلها. ومر الرجل الجلف القاسي وكأن شيئا لم يكن فاشمأز ضمير القاضي السياغي، وأمر من معه من الجنود بالقبض على القاتل وأودعه في سجن القلعة؛ ولكنه شكا أمره إلى سيف الإِسْلام العباس الذي كان على رأس القبائل الذين دخلوا صنعاء، واستباحوا واستحلوا ما فيها، وكان الإمَام أحمد قد أباحها للقبائل قبل دخولهم، وكانت أطماعهم من أعظم حوافزهم إلى أن يأتوا صَنعاء من كل صوب وأوب، فأمر العباس بإطلاق القاتل لأنهم قد أباحوا صَنعاء وما فيها ومن فيها للقبائل، وذهبت المرأة وطفلها ضحية طمع القبيلي وظلم الحاكم..". مذكرات القاضي الإرياني، 143/1.
وقَدْ ذكر الدكتور مصطفى الشكعة أن ثلاثة أرباع نساء صَنعاء قد انتُهكت أعراضهن، وفُحش بهن في هَذِه الغزوة الوحشية المشئومة. انظر: مغامرات مصري في مجاهل اليمن، الدكتور مصطفى الشكعة، ص: 168. والغزوة التي يقصدها هنا غزوة الإمام أحمد لصنعاء، بعد فشل ثورة الدستور، عام 1948م.
وثمة قصيدة لأبي الأحرار الزبيري عنوانها: "العجوز وعَسْكري الإمام" تُجسد معاناة المرأة تجاه الإرهاب الإمامي الذي عانت منه المرأة اليمنية، في حوارية ديناميكية، يقول فيها:
المرأة:
يا رب كيف خلقت الجند ليس لهم
عندي طعامٌ ولا شاء ولا نعم
ويلاه مالي أرى وحشًا وبندقه
أذلك العسْكري الغاشم النهم
العسكري :
نعمْ أنا البطلُ المغوار جئت إلى
عجوزة لم يهذب طبعَها الهرم
إنا جنود أمير المؤمنين فلمَ لا
تذبحي الكبش يا حمقاء دونهمو؟
أين الدجاجةُ؟ أين القات؟ فابتدري
إنا جياعٌ وما في حيكم كرم
المرأة :
يا سيدي ليس لي مالٌ ولا نشبٌ
ولا رجالٌ ولا أهلٌ ولا رحم
إلا بني الذي يبكي لمسغبةٍ
وتلك أدمعه الحمراء تنسجم
وهذه البيدُ فاقطف من هواجرها
ما شئت إنا إلى الرحمن نحتكم
ماذا يريدون من جوعي ومسغبتي
إني لكالحمل المشوي بينهمُ
يطلبون زكاةَ الأرض؟ ليس بها
إلا الحِمام وإلا الحجر والرخم
أم جزية الكوخ؟ لا كانت جوانبه
السوداء ولا نهضت في ظله قدم
أم قيمة القبر قبل الموت وا أسفًا
الكوخُ قبري فما للظالمين عموا؟!
العسكري:
إني إذن راجعٌ للكوخ أهدمه
يا "شافعية" إن الكذبَ دأبُكمُ
وثمة قصيدة أخرى للشاعر البردوني هي في الحقيقة بكائية من أروع ما جادت به قريحته الشعرية، وجسدت مشهدا دراماتيكيا مأساويا بين امرأة وفقيدها، بسبب الحرب التي خطفت روحه، فعاد رفاقه، فيما هو لم يعد. يقول:
لم لا تعود؟ وعاد كل مجاهد
بحلى "النقيب" أو انتفاخ "الرائد"
ورجعت أنت، توقعاً لملمته
من نبض طيفك واخضرار مواعدي
وعلى التصاقك باحتمالي أقلقت
عيناي مضطجع الطريق الهامد
وامتد فصل في انتظارك وابتدا
فصل، تلفح بالدخان الحاقد
وتمطت الربوات تبصق عمرها
دمها وتحفر عن شتاء بائد
وغداة يوم، عاد آخر موكب
فشممت خطوك في الزحام الراعد
وجمعت شخصك بنية وملامحاً
من كل وجه في اللقاء الحاشد
حتى اقتربت وأم كل بيته
فتشت عنك بلا احتمال واعد
من ذا رآك وأين أنت؟ ولا صدى
أومي إليك، ولا إجابة عائد
وإلى انتظار البيت، عدتُ كطائر
قلق ينوء على جناح واحد
لا تنطفي يا شمس: غابات الدجى
يأكلن وجهي يبتلعن مراقدي
وسهدت والجدران تصغي مثلما
أصغي، وتسعل كالجريح الساهد
والسقف يسأل وجنتي لمن هما؟
ولمن فمي؟ وغرور صدري الناهد؟
ومغازل الأمطار تعجن شارعاً
لزجاً حصاه من النحيع الجامد
وأنا أصيخ إلى خطاك أحسها
تدنو، وتبعد، كالخيال الشارد
ويقول لي شيء، بأنك لم تعد
فأعوذ من همس الرجيم المارد
أتعود لي؟ من لي؟ أتدري أنني
أدعوك، أنك مقلتاي وساعدي
إني هنا أحكي لطيفك قصتي
فيعي، ويلهث كالذبال النافد
خلفتني وحدي، وخلفني أبي
وشقيقتي، للمأتم المتزايد
وفقدت أمي: آه يا أم افتحي
عينيك، والتفتي إليَّ وشاهدي
وقبرت أهلي، فالمقابر وحدها
أهلي، ووالدتي الحنون ووالدي
وذهلت أنت أو ارتميت ضحية
وبقيت وحدي، للفراغ البارد
أتعود لي؟ فيعب ليلي ظله
ويصيح في الآفاق أين فراقدي؟