مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

هل بقي لهادي دور؟

2020/05/10 الساعة 03:36 مساءً

لما قرر علي عبدالله صالح الرضوخ للضغوط الإقليمية والدولية والداخلية للتنحي عن رئاسة الدولة، كان قد وضع بصمته في المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية وللتذكير فإن الأصل فيها كان شرطان أساسيان: الحصانة الكاملة من الملاحقة والمحاسبة ونقل السلطة الى نائبه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي.
فيما يخص الحصانة فقد اشترط صالح بحسب نصيحة مقربين له ان تشمل كل من عمل معه خلال سنوات حكمه الـ33، ولم يكن هذا فعلا اعتباطيا وإنما قصد به ان كثيرين ممن عملوا معه متهمون بالفساد وجرائم نهب المال العام والاعتقالات والإخفاء القسري، وبهذا أراد توضيح انه ما كان المسؤول الوحيد عن كل احداث عهده وان كان دستوريًا واخلاقيا هو المسؤول الاول... وبالطبع فإن كثيرين أيضا من المشمولين بالحصانة موجودون الان في صدارة الشرعية الحالية بداية بالرئيس ونائبه.
وفي مسألة نقل السلطة الى نائبه فنعلم ان الرئيس الحالي لم يكن الخيار المفضل لصالح ، لولا جريمة تفجير جامع دار الرئاسة التي غيرت مسار الأحداث وأضعفت مقاومة صالح أمام الضغوط السعودية على وجه التحديد.. وقلة يعلمون ان وفدا من قيادات الدولة حينها زار الرئيس الراحل في المستشفي بالرياض، حيث كان يتلقى العلاج، واقترح احدهم ان يصدر صالح قرارا بتعيين نجله احمد نائبا للرئيس ثم يتم نقل السلطة اليه لولا جراءة احد الحاضرين في تقريع هذا الشخص وتذكيره بمواقف سابقة وترت الاوضاع وساقت البلاد الى مسالك ملغمة.

بعد اتفاق الجميع على تسمية نائب الرئيس مرشحا للرئاسة كان شرطه هو الا ينافسه احد وان لا تجري حملات انتخابية، فتحول الامر الى استفتاء سموه انتخابات وانفقوا مبالغ فلكية لطباعة صور المرشح الوحيد وإقامة المهرجانات وحشد الناس ونقلهم الى مراكز الاقتراع مع ان الامر كان يسهل تمريره عبر مجلس النواب.
بوصول الرئيس هادي كان الجميع يتصور انه سيكون قادرا على تجاوز واقع الانقسام الذي أحدث شروخا مازلنا نعيش اثارها حتى اليوم، ولم اكن متأكدا انه كان الخيار الأمثل لهذه المهمة التاريخية لكن يقيني هو ان احزاب المعارضة اعتبرته جسرا مؤقتا يستبدلونه عند اول انتخابات، وكان صالح في نفس الوقت يرى فيه انتقالا قد يساعد على التمهيد لعودة نجله مستقبلًا.
الحقيقة ان هادي استطاع بخبث خلق الكثير من الانشقاقات داخل كتل الحكم السابقة ولكنه لم يفعل ذلك من اجل مصلحة وطنية جامعة، وإنما انتقاما من الجميع وهي سياسة لاقت قبولًا شعبيا لانهم ظنوا انها حطمت هياكل المعبد القديم، لكن لا هادي ولا الذين شجعوه وضعوا في حساباتهم ان هذا الفعل ليس من افعال دولة تعي حجم المسؤولية الوطنية.
حتى مؤتمر الحوار الوطني رغم كل المديح الذي اصبغوه عليه، كان مقدمة لمأساة مدمرة لكل الاحلام التي ارادها الذين طالبوا بالتغيير، ذلك ان المشاركين لم يدركوا عمق الصراعات التي كانت القوى المسلحة تستعد لها بينما هم غارقون في منتجع موفينبيك يتجادلون حول نظريات حالمة ما كان لها ان تتحقق لان الذين كانوا يديرون البلاد فعليا ظلوا في مواقعهم متشبثين بها دون رغبة في التخلي عنها، وكانت لهم مشاريعهم المتناقضة مع مفهوم الدولة الحقة والمصالحة الوطنية والسلم الاجتماعي، وكان همهم الحقيقي هو تقاسم السلطة والحصول على نصيبهم من خيراتها.

اليوم وبعد اكثر من 8 سنوات اصبح وجود هادي معضلة حقيقية ليس لليمنيين الذين لم يعد يمثل لهم اي قيمة سياسية او وطنية، لانه لا يفعل ما يجب على اي رئيس دولة القيام به تجاه وطنه ومواطنيه.. ولكنه يمثل أزمة حقيقية للإقليم الذي اخطأ منذ البداية بعدم وضوح المسؤوليات بنصوص مكتوبة ومعلنة، وهي ما قبل هادي التنازل دون مقاومة جادة وتركها للتحالف.

وحين يجد الإقليم نفسه عاجزًا كلية عن مواصلة هذه الحرب فإن هادي سيصبح جزء من الماضي وسيعجز عن اي فعل لانه اصبح معزولًا عن وطنه وعن الناس الذين تركهم لمصيرهم في مواجهة الفقر والدمار والأوبئة والأمراض.