مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

"الربيع العربي"... مصر وحدها نجت

2020/12/21 الساعة 11:29 صباحاً

بين خمس دول عربيّة غيرها "الربيع العربي"، هي تونس وليبيا واليمن وسورية ومصر، وحدها مصر لا تزال صامدة، بل تحسّن الوضع فيها بعد انقاذها من براثن الإخوان المسلمين.

كان متوقّعاً أن تكون تونس استثناء، لكنّ كلّ الدلائل تشير الى أن السنة 2021 ستكون سنة مصيرية بالنسبة الى هذا البلد الذي امتلك تجربة خاصة به وضع أسسها الحبيب بورقيبة الذي حاول مقاومة التخلّف بكل أشكاله وعلى كلّ المستويات معتمداً أساساً على المرأة من جهة وعلى طرح شجاع لأفكار طليعية من جهة أخرى.

سيُعرف في 2021 ما إذا كانت تونس ستكون قادرة على المحافظة على وضعها المتميّز في ظلّ ظروف سياسية واقتصادية وإقليمية في غاية التعقيد... وفي ظلّ الطموحات الى تولي السلطة التي لم يعد الإخوان المسلمون قادرين على اخفائها.

أعطت وفاة البائع المتجوّل التونسي محمد البوعزيزي في مثل هذه الأيّام من العام 2010 في بن عروس أمام مقرّ ولاية سيدي بوزيد بعد اشعال النار في نفسه بسبب قسوة الشرطة إشارة الانطلاق لـ"الربيع العربي". كشف "الربيع العربي"، الذي صار عمره عشر سنوات، هشاشة أنظمة معيّنة.

لكنه كشف في الوقت ذاته مدى استعداد الإخوان المسلمين لاستغلال أيّ فرصة للانقضاض على السلطة والاحتفاظ بها الى ما لا نهاية، على غرار ما حصل في قطاع غزّة الفلسطيني في منتصف العام 2007.

لدى الإخوان شبق ليس بعده شبق للسلطة وهو ما أكدته أحداث تونس، حيث لا يزال المجتمع يقاوم التخلّف.

هل تصمد تونس التي استطاعت مرّات عدّة إجراء انتخابات نيابية ورئاسية حرّة منذ اطاحة نظام زين العابدين بن علي؟ سيتوقف الكثير على ما ستشهده السنة 2021 وعلى مدى قدرة المجتمع على الوقوف حاجزاً يحول دون سقوط البلد.

هناك أحزاب تونسية محترمة تقاوم. لكنّ ما لابدّ من الاعتراف به هو ان الاتحاد التونسي للشغل لا يزال حصناً منيعاً في وجه الإخوان وما يسعون الى فرضه. كذلك، لا يمكن تجاهل دور المرأة التونسية التي أظهرت، الى الآن، تمسّكها بحقوقها ودورها.

لكن الخوف كلّ الخوف يبقى في الجهد الدؤوب للإخوان المسلمين ومعرفتهم في المجتمع التونسي الذي تخلّف كثيراً في السنوات الماضية بسبب تدهور التعليم ومستواه.

هل عاد "الربيع العربي" الذي انطلق من تونس بالخير على البلد؟ الجواب أن المواطن التونسي العادي كان في وضع أفضل في عهد زين العابدين بن علي الذي لا يمكن للتاريخ إلّا أن ينصفه لسبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في رفضه اللجوء الى القمع.

انسحب من الساحة السياسية من أجل تونس.

ربّما أدرك، بعد فوات الأوان، أن أخطاء كثيرة ارتكبت في السنوات الأخيرة من عهده الذي بدأ في نوفمبر 1987، خصوصا بعدما صارت زوجته ليلى طرابلسي وافراد عائلتها شركاء في السلطة وكلّ ما له علاقة بالـ"بزنس" ومتفرعاته.

الأمل ليس مفقوداً كلّيا في تونس، كما الحال عليه في ليبيا واليمن البلدين اللذين يجمع بينهما الفراغ السياسي الكامل والتدخلات الخارجية.

هناك دور تلعبه إيران في اليمن وهناك دور تلعبه تركيا في ليبيا.

ليس صحيحاً ان إيران تستفيد فقط من وجود الحوثيين في صنعاء. تستفيد إيران من وجود الحلف غير المعلن بين الحوثيين (أنصار الله) من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخرى.

لولا الإخوان المسلمين ورهانهم على "الربيع العربي"، لما كان نظام علي عبدالله صالح انتهى. لولا إصرار هؤلاء على التخلّص من الرئيس السابق واعتقادهم أنّهم قادرون على وراثته، لما وصل الحوثيون الى صنعاء. لم يكن علي عبدالله صالح ملاكاً.

على العكس من ذلك، ارتكب الكثير من الأخطاء، خصوصا في السنوات الأخيرة من حكمه.

لكنّ الأكيد أنّه أول رئيس لليمن الموحّد وآخر رئيس له.

لم يكن اليمن مهيّئاً لتغيير كبير، كما كان يتصوّر الإخوان المسلمون الممثلون بحزب الإصلاح.

كلّ ما فعله هؤلاء أنّهم مهدوا لتفتيت اليمن على أمل أن يأتي يوم يرثون جزءاً منه، فيما يتحوّل الجزء الآخر الى إمارة حوثية.

بالنسبة الى سورية التي طالها "الربيع العربي" ابتداء من مارس 2011، لم يحدث التغيير المنشود. نجح النظام الأقلّوي الذي ورثه بشّار الأسد في تحويل الثورة الشعبية، وهي ثورة بحث المواطن السوري عن حدّ ادنى من الكرامة، الى ثورة مسلّحة اختلط فيها الحابل بالنابل.

قضى النظام السوري بوقوفه في وجه "الربيع العربي" على سورية.

لا يزال بشّار الأسد في دمشق، لكن الأزمة السورية التي تعني، بين ما تعنيه، انفجاراً من داخل سورية، وتحولها الى بلد تحت خمسة احتلالات، مازالت في بدايتها.

مازالت المنطقة في انتظار ما ستستقر عليه سورية وكيف ستكون عليه بعد مضي عشر سنوات على "الربيع العربي".

اعتقد بشّار الأسد أن في الإمكان القضاء على الشعب السوري عن طريق القمع والبراميل المتفجرة وعن طريق الاستعانة بإيران وميليشياتها ثم بروسيا وقاذفاتها.

لن يكون رئيس النظام السوري قادراً في يوم من الأيّام على استيعاب أنّ فرصة السير على خطى زين العابدين بن علي كانت يمكن ان تنقذه، كما كان يمكن أن تنقذ سورية من مصيرها المحتوم... أي التفتيت.

وحدها مصر تعافت من آثار "الربيع العربي" الذي استطاع التخلّص من حسني مبارك.

يعود ذلك الى عوامل عدّة. في مقدّم هذه العوامل الثورة التي قادها الشعب على حكم الإخوان المسلمين في الثلاثين من يونيو 2013 من جهة وصلابة المؤسسة العسكرية التي هي العمود الفقري للنظام والدولة العميقة من جهة أخرى.

ما ساعد في خروج مصر سالمة اختيار حسني مبارك الانسحاب من الحياة السياسية في وقت لم تخف المؤسسة العسكرية دفعها ايّاه في هذا الاتجاه عن طريق افهامه انّ لديها حسابات خاصة بها.

تفادت مصر العنف، كما استطاعت المؤسسة العسكرية احباط مناورات الإخوان المسلمين بعد تمكّنهم من إيصال محمد مرسي الى رئاسة الجمهورية واستخدامه غطاء للقيادات الفاعلة في التنظيم ذي الطموحات التي تتجاوز حدود مصر.

نجت مصر من "الربيع العربي" الذي لا تزال آثاره تتفاعل في أربع دول أخرى. بات يصح التساؤل ليبيا الى أين؟ تونس الى أين؟ سورية الى أين؟ اليمن الى أين؟ كلّ ما في الأمر، أنّه إذا وضعنا تونس جانباً، تحوّل هذا "الربيع" إلى كابوس لا نهاية قريبة له، لا أكثر.