مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

رسائل إيرانية إلى أميركا تنطلق من اليمن

2021/03/10 الساعة 01:33 مساءً

ليستْ الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يُطلقها الحوثيون (أنصار الله) في اتجاه الأراضي السعودية، بما في ذلك منشآت نفطية حيوية، سوى رسائل إيرانية إلى الإدارة الأميركية الجديدة.
هل تأخذ واشنطن علماً بذلك... أم تستمر في سياسة تعكس نوعاً من الجهل بالوضع اليمني؟
تعتقد «الجمهورية الاسلاميّة» أن لديها ما يكفي من الأوراق في المنطقة كي تُجبر إدارة جو بايدن على التفاوض معها بشروطها.
تظنّ انّها استطاعت تحويل شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون الى قاعدة اطلاق صواريخ إيرانية.
تظنّ ان سورية باتت «ساحة» إيرانية، كذلك لبنان، فيما العراق، الذي يقاوم الاحتلال الإيراني، شبه رهينة لديها بفضل «الحشد الشعبي» الذي ليس سوى رديف لـ«الحرس الثوري» الإيراني.
ما تكشفه ردود الفعل الإيرانية، خصوصاً عبر تصرفات «أنصار الله» تجاه السعودية، ليس سوى إفلاس بكل ما في كلمة إفلاس من معنى.
ليست هذه الصواريخ والطائرات المسيّرة المفخخة التي تُطلق من اليمن سوى دليل على مدى معاناة ايران من العقوبات الأميركية التي فرضتها الإدارة السابقة.
كشفت إدارة دونالد ترامب ان ايران ليست سوى نمر ورق.
لذلك، نجدها تستغلّ اليوم فرصة ناجمة عن رغبة إدارة جو بايدن في العودة الى الاتفاق في شأن ملفّها النووي كي تثبت أنّ في استطاعتها ممارسة لعبة الابتزاز والذهاب فيها الى أبعد حدود ممكنة.
ليست لعبة الابتزاز سوى لعبة قديمة لا تصلح للسنة 2021.
هذا يعود أوّلاً الى ان أوراق ايران ليست أوراقاً، خصوصاً ان السعودية قادرة على الدفاع عن نفسها وعن وجهة نظرها في ما يخصّ اليمن.
يحصل ذلك في حين سيتوجب على الإدارة الأميركية اكتشاف أن سياستها اليمنية خاطئة الى حدّ كبير.
يعود ذلك الى أنّ الحوثيين، خلافاً لما يعتقده الاميركيون، ليسوا أحراراً في اتخاذ قرارهم.
كلّما مرّ الوقت، يتبيّن انّ «أنصار الله» ورقة إيرانية وانّ الحاكم الفعلي للمنطقة التي يسيطرون عليها في اليمن هو السفير الإيراني في صنعاء.
يفترض بواشنطن إعادة النظر في سياستها اليمنية، وهي سياسة اعتمدت في عهد باراك أوباما.
تقوم تلك السياسة على ان الحوثيين ليسوا مشكلة و أن لا مشكلة في اليمن سوى «القاعدة».
اكثر من ذلك، كان الاعتقاد السائد لدى كبار المسؤولين الاميركيين في عهد أوباما ان الحوثيين أداة تصلح لمواجهة تنظيم «القاعدة» الذي استطاع الانتشار في اليمن وكان وراء جرائم كثيرة من بينها استهداف المدمّرة الأميركية «كول» في أثناء رسوّهها في ميناء عدن في أكتوبر من العام 2000.
آن أوان حصول مراجعة أميركية للسياسة المتبعة في اليمن، وهي سياسة تجاوزها الزمن، خصوصاً بعدما تبيّن لدى الحوثيين أجندة وحيدة هي الأجندة الإيرانية.
هؤلاء يستفيدون من دون شكّ من عوامل عدّة في مقدّمها ضعف «الشرعية» اليمنية وعجزها عن مواجهتهم في أيّ من المناطق اليمنيّة.
اكثر من ذلك، هناك تواطؤ بين الاخوان المسلمين الذين يشكلون جزءاً من «الشرعية» و«أنصار الله».
ظهر هذا التواطؤ في مناسبات عدّة كانت إحداها في ديسمبر 2017، عندما اخلى الحوثيون جبهة نهم المهمّة وركزوا على مهاجمة الرئيس السابق علي عبدالله صالح تمهيداً لاغتياله بدم بارد في صنعاء.
لم يحصل وقتذاك أي استغلال لـ«الشرعية» لهذا الإخلاء للجبهة، بل انّ ما حصل كان تفاهماً من تحت الطاولة مع «انصار الله».
في كلّ الأحوال، المطروح حالياً عودة الولايات المتحدة الى طاولة المفاوضات مع إيران وقبولها رفع العقوبات عن «الجمهورية الإسلامية»، بل دفع تعويضات لها.
هل هذا ممكن؟ هل ينفع الأسلوب الإيراني هذا في التعاطي مع إدارة جو بايدن التي يفترض ان يكون فيها من يعرف تماماً ما هي ايران؟
تكمن المشكلة بكلّ بساطة في انّ إيران لا تستطيع ان تكون دولة طبيعية.
لا تدرك انّها لا تمتلك الوسائل التي تسمح لها بالبقاء الى ما لا نهاية لا في سورية ولا العراق ولا حتّى في لبنان.
أمّا اليمن، فهو مسألة اكثر تعقيداً لأسباب عدّة من بينها النجاح الذي حققه الحوثيون في تطويع المجتمع القبلي في الشمال وسيطرتهم على صنعاء.
قد تنجح ايران في اليمن، خصوصاً في حال بقيت السياسة الأميركية على حالها.
مثل هذا النجاح مرشّح لأن يكون موقتاً لا اكثر.
في المدى الطويل، لا يمكن فصل اليمن عن الملفات التي ستفرض نفسها وهي ملفات مرتبطة بالصواريخ الباليستية والصواريخ المجنّحة الإيرانية وبسلوك «الجمهورية الإسلاميّة» خارج حدودها.
بكلام أوضح إنّ الصواريخ والسلوك الإيراني مرتبطان عضوياً بالملفّ النووي الإيراني.
لا يمكن العودة الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني من دون اخذ في الاعتبار لملفي الصواريخ والسلوك الإيراني. هذا مطلب أوروبي إضافة الى انّه مطلب أميركي.
مشكلة ايران في أن الرسائل التي تبعث بها الى اميركا عبر السعودية ذات فائدة محدودة الى حدّ كبير.
فوق ذلك، إنّ الإدارة الأميركية يمكن أن تقدّم لها مغريات من هنا وهناك وهنالك، كما حصل اخيراً عندما أفرجت كوريا الجنوبية عن أموال مجمّدة عائدة الى ايران.
لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلاً أم آجلاً هل مقبول ان تكون المنطقة تحت الهيمنة الإيرانية؟
مثل هذا الامر ليس طبيعياً نظراً الى انّ ايران تستطيع ان تهدم، لكنها لا تستطيع ان تبني.
هناك فارق كبير بينها وبين اميركا التي تستطيع ممارسة لعبة الانتظار على الرغم من سقوطها في فخّ الحوثيين في اليمن.
الأهمّ من ذلك كلّه ان العرب في الخليج، على رأسهم السعودية ليسوا نكرة بغض النظر عن السياسات التهاون الذي يمكن ان تمارسها واشنطن بين حين وآخر.
لعلّ افضل دليل على ذلك، الدعم للثورة على حكم الاخوان المسلمين في مصر في يونيو 2013.
كانت إدارة أوباما متواطئة مع الاخوان على مصر وشعبها وقتذاك.
لم ينتظر الخليجيون ما تريده اميركا.
فعلوا ما يتفق ومصلحتهم لا اكثر ولا أقلّ... وسيفعلون ذلك متى تطلّب الأمر الاعتراض على سياسة أميركية بعيدة كلّ البُعد عن فهم اليمن وما يدور فيه.

نقلا عن "الراي" الكويتية