مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

إدارة بايدن واكتشاف الحوثيين

2021/03/18 الساعة 12:10 مساءً

ليس معروفاً بعد هل بدأت الإدارة الأميركية الجديدة تكتشف من هم الحوثيون في اليمن وما الهدف البعيد المدى من وضع يدهم على صنعاء؟

يطرح هذا السؤال نفسه بعد رفض «أنصار الله» الاقتراح الذي قدّمه تيموثي كيندرلينغ المبعوث الأميركي المكلّف الملفّ اليمني. يتضمّن الاقتراح عناصر عدّة من بينها وقف النار وتوقّف الحوثيين عن مهاجمة الأراضي السعودية، إضافة الى إعادة فتح مطار صنعاء وتشغيله في ظلّ رقابة متفق عليها تتولّاها كلّ الأطراف المعنيّة.


اخّر كيندرلينغ عودته الى واشنطن، التي بات موجودا فيها الآن، ما يزيد على أسبوع. جاء التأخير من أجل إجراء مزيد من المفاوضات غير المباشرة بين السعودية والحوثيين الموجودين في مسقط حيث يوجد لهم مكتب رسمي بشكل دائم.

قبل سفره، ترك المبعوث الأميركي اقتراحه لوقف الحرب. رفض الحوثيون الاقتراح فيما لقي تجاوباً سعوديّاً. ليس سرّاً أن المملكة تسعى الى وقف الحرب بطريقة أو بأخرى، خصوصاً أن عاصفة «الحزم»، التي بدأت في مثل هذه الأيّام من العام 2015، كانت في الأصل عملاً دفاعياً وجاءت ردّاً على استفزازات حوثيّة في غاية الوضوح والخطورة.

من المفيد العودة دائماً الى الظروف التي رافقت بدء «عاصفة الحزم» قبل ست سنوات. بدأت تلك الحملة العسكرية للتحالف العربي بعد أشهر قليلة من وضع «أنصار الله» يدهم على العاصمة اليمنية في 21 سبتمبر 2014.

وقتذاك سارع الحوثيون الى عقد اتفاق مع إيران يتناول تسيير ما يزيد على عشر رحلات أسبوعياً بين طهران وصنعاء. ما الذي يدعو الى مثل هذا الخط الجوي باستثناء نقل معدات عسكرية ورجال وإجراء تدريبات لحوثيين في إيران وتجييش هؤلاء مذهبيّاً.

لم تمض أيّام على توقيع الاتفاق في شأن الخط الجوّي بين طهران وصنعاء حتّى أجرى الحوثيون مناورات عسكرية في محاذاة الحدود السعوديّة. هل من استفزاز أكبر من هذا الاستفزاز للمملكة ولدول الخليج العربي عموماً؟ هل كان مطلوباً انتظار وضع الحوثيين يدهم على اليمن كلّه، كي يحصل ردّ من جانب المملكة وحلفائها العرب؟

يصعب المرور مرور الكرام على الظروف التي رافقت وصول الحوثيين الى صنعاء في ظلّ تواطؤ «الشرعيّة» واعتقاد الرئيس الموقت عبد ربّه منصور هادي أنّ في استطاعته التوصّل الى تفاهم معهم. أراد الرئيس الموقت، الذي كانت تتحكّم به ولا تزال عقدة علي عبدالله صالح، إيجاد توازن داخل «الشرعية» نفسها مع جماعة الإخوان المسلمين. لهذا السبب لم يتصدّ لـ«أنصار الله» في محافظة عمران وتركهم يطردون منها أفراد عائلة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم حاشد المتوفّى أواخر العام 2007.

في الطريق الى صنعاء عبر محافظة عمران، جرف الحوثيون اللواء 310 في الجيش اليمني الذي كان محسوبا مع قائده العميد عبدالحميد القشيبي على احد الضباط الكبار في الجيش اليمني، وهو علي محسن صالح الأحمر، نائب رئيس الجمهورية الموقت حاليا.

ليس سرّاً أن علي محسن صالح هو أحد القريبين من جماعة الإخوان التي لعبت دوراً أساسياً في الانقلاب على نظام علي عبدالله صالح.

بغض النظر عن الأخطاء الكثيرة للرئيس السابق الذي أصرّ الحوثيون على إعدامه في صنعاء في الرابع من ديسمبر 2017، لا يمكن تجاهل أنّ الإدارة الاميركيّة بقيت دائماً مصرّة على التقليل من الخطر الحوثي من جهة وتجاهل أن «أنصار الله» ليسوا سوى أداة إيرانية لا أكثر من جهة أخرى.

كلّ ما عدا ذلك وكلّ ما يحدث في اليمن مجرّد تفاصيل مقارنة بحجم الكارثة الإنسانية في الباد. هذه الكارثة قابلة لأن تتطور نحو الأسوأ في ظلّ انتشار المرض والجوع في كلّ الأراضي اليمنية.

ليس لدى الحوثيين أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو حضاري يمكن أن يساعد في نهوض اليمن. الدليل على ذلك ما فعلوه في مناطق سيطرتهم، خصوصاً في صنعاء التي تشهد في كلّ يوم مأساة من نوع مختلف. كانت المأساة الأخيرة احتراق مخيّم للاجئين فقراء في أحدى ضواحي العاصمة.

ليس معروفاً بعد ما هي الدروس التي سيستخلصها الديبلوماسي الأميركي، الذي يقول كثيرون إنّه يعرف اليمن جيّداً، من خلال تعاطيه الأخير مع «انصار الله» ورفضهم عرضه.

ما هو ثابت أنّ «الشرعية» استطاعت تحسين وضعها على الأرض بعدما صدّت الهجوم الحوثي على مأرب. الأكيد أنّها سجلت نقاطاً في محيط تعز، علماً أن تلك النقاط لا أهمّية لها تذكر من الناحية العسكريّة مقارنة مع ما حصل في مأرب بفضل سلاح الجوّ السعودي خصوصاً.

في النهاية، ليس وارداً الحاق هزيمة عسكرية ساحقة ماحقة بالحوثيين الذين استفادوا الى حدّ كبير من كلّ الاتفاقات التي وقعوها، لكنّهم لم يحترموا حرفاً فيها. تشمل هذه الاتفاقات «اتفاق السلم والشراكة» مع الرئيس الموقت وذلك مباشرة بعد دخولهم صنعاء. كذلك، لم يحترموا أيّ اتفاق مع علي عبدالله صالح. هادنوه لفترة بسبب وجودهم في صنعاء وحاجتهم إليه وما لبثوا أن تخلّصوا منه ومازالوا الى اليوم يحتفظون بجثمانه كما لديهم رهائن من أفراد عائلته. لم يحترموا شيئاً من اتفاق أوسلو الذي أشرف عليه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث.

نجحوا في إبقاء ميناء الحديدة المهمّ تحت سيطرتهم مستفيدين الى حد كبير من رغبة غريفيث في تفادي مواجهة عسكرية كبيرة في الحديدة التي كان احتمال سقوطها في يد قوات بقيادة طارق محمد عبدالله صالح واردا في مرحلة معيّنة...

آن أوان وضوح الصورة أمام المسؤول الأميركي عن ملفّ اليمن. يعني وضوح الصورة أنّه ليس في الإمكان فصل الحوثيين عن الأجندة الإيرانية وليس في الإمكان في الوقت ذاته الرهان على «الشرعيّة» كي تلحق هزيمة نهائية بـ«انصار الله»، خصوصاً أنّ هؤلاء ليسوا مهتمّين بالخسائر البشريّة وهم على استعداد لالقاء مزيد من الأطفال والمراهقين في اتون معاركهم...

المهمّ وصول الإدارة الأميركية الجديدة الى خلاصة فحواها أن التعاطي مع الحوثيين ليس ممكناً إلّا من زاويتين. أولاهما أن دول الخليج، على رأسها السعودية، حريصة على أمنها الذاتي. أمّا الزاوية الثانية فهي تتمثّل في أن الحوثيين موضوع إيراني لا أكثر ولا أقلّ، فهم ليسوا سوى ورقة لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة». سيبقى السؤال كيف ستتعاطى إدارة جو بايدن مع المشروع التوسّعي الإيراني هل ستواجهه أم تستسلم له؟

نقلا عن "الراي" الكويتية