مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

الحوثيّون للصّدر: لهذا لا تنتهي حرب اليمن!

2022/02/10 الساعة 01:33 مساءً

يشكل مقتدى الصدر في العراق تحدياً حقيقياً مقلقاً للرواية التي تتأسس عليها ديناميات الميليشيات التابعة لإيران في العالم العربي. قرر الرجل، منذ سنين، أن يكون عراقياً منشغلاً بشؤون العراق، بحيث يندرج سلوكه السياسي، بما في ذلك مباركة أذرعه الميليشيوية أو حلّها والقطع معها وفق حساباته العراقية، والعراقية فقط. ويأخذ "الولائيون" على زعيم التيار الصدري أنه يؤمن بالوطنية (أي الوثنية وفق فتوى أحد خصومه في اليمن) بديلاً من "قضية الأمة".

و"قضية الأمة" هي عقيدة كل تيارات الإسلام السياسي، سنّة وشيعة، سواء روّج لها حسن البنا وغيره قديماً أو الخميني وغيره حديثاً. وهي بهذا المعنى تعادي الدولة الوطنية وتعتبرها بدعة تفرّق المؤمنين وضد منطق الدين وشريعته. وفي ما يسلكه المنطق الميليشيوي التابع لإيران، من باكستان وأفغانستان مروراً بالعراق وسوريا ولبنان انتهاءً باليمن، ما يتّسق تماماً مع مرامي يُفترض أنها في خدمة "قضية الأمة".

والحال أن العمليات الأمنية (الاغتيال وإطلاق الصواريخ.. إلخ) التي نُسبت إلى ميليشيات تابعة لإيران في العراق وتلك التي نُسبت إلى "حزب الله" في لبنان، استهدفت دوماً منطق الدولة الوطنية بما هي تهديد لأممية "الدعوة" وقطع لسبل عبورها الحدود والأمم لتكون تحت راية الخليفة - الإمام. ولئن تقبل تلك الميليشيات خوض العملية السياسية والانخراط في الحياة البرلمانية والحكومية، فذلك فقه استثناء يراد منه صون سلطة الفقيه وضمان نفوذه متمدداً أياً كانت سبل ذلك ووسائله.

وما بعث به الحوثيون في اليمن إلى الصدر في العراق يفضح تصدّعاً بنيوياً داخل "البيت الشيعي" الكبير المفترض أن "الولاية" يراد لها أن تكون متنه وأساسه. يعيب محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، على الصدر أنه بات يؤمن بالدولة الوطنية، بما هي نقيض لمنطق الأمة. 

يكشف المسؤول الحوثي في تغريدة وجهها الى الصدر، وهي لا شك رسالة - نصيحة من طهران، بأن "دول العدوان الرباعي بقيادة أميركا مستعدة لوقف العدوان ورفع الحصار وتمكيننا من حكم اليمن شرط التخلي عن الولاية والتحول الى حزب سياسي". وفي ذلك معلومة إذا ما صدقناها، فإن الرجل يفتي بوصفة لإنهاء الحرب في اليمن، ويكشف أيضاً عن الديناميات الحقيقية لاستمرار تلك الحرب وسرّ العجز الدولي عن إيقافها.

والحال أن حملات دولية، لا سيما داخل الولايات المتحدة، شُنّت ضد الشرعية اليمنية والتحالف العربي الذي يدعمها لتحميلهما وزر تلك الحرب التي لا تنتهي. وُصفت تلك الحرب بــ"العبثية" من دون أن تنجح أي وصفات تعاقبَ على اقتراحها مبعوثون دوليون وآخرون ممثلون للأمين العام للأمم المتحدة في الاهتداء إلى ترياق لوقفها وإنجاح التسوية السياسية. حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أطلّ على الشرق الأوسط من خلال موقف جديد في اليمن وتعيين مبعوث له إلى هناك، استنتج سريعاً تصدّع تحليله وفشل مساعيه.

في المعلومات التي كشف النقاب عنها المسؤول الحوثي، التي سنصدقها جدلاً، فإن "دول العدوان" أرادت إنهاء "العدوان" وتسليم السلطة، (من وراء ظهر بقية اليمنيين) للحوثيين، لكن الجماعة أبت ذلك، لأنها لا تريد التخلي عن فضيلة "الولاية" وارتكاب إثم التحول إلى حزب سياسي. وفي مطالعة الرجل ما يطرح أسئلة بشأن الكيفية التي بالإمكان انتهاجها لوقف هذه الحرب ومآسيها، ما دام هدف الحوثي ليس سياسياً مطلبياً ينشد دولة اليمن العادلة وسلام البلد وازدهاره، بل إن هذه الحرب بالذات هي تفصيل صغير خدمة لـ "الولاية".

يُسجل للحوثيين أنهم مباشرون واضحون في خطابهم وأهدافهم وعقيدتهم. ومن خلال الطموح الدعوي الولائي المنتمي إلى "قضية الأمة"، بالإمكان استنتاج ما يقف وراء فشل المفاوضات العلنية التي أنتجت تفاهمات في استوكهولم والكويت وغيرها، وتلك السرية التي تنشط في مسقط وغيرها. وتُفهم من الأمر أيضاً حيثيات العجز الذي أطاح كل مبعوثي الأمم المتحدة واحداً تلو آخر. ولئن ما زالت الحرب مستعرة ولغة النار هي الأعلى ويفيض ضررها خارج اليمن، فإنه جدير التساؤل حول طرق التوصل إلى تسوية وسلم باتا ضرورة ورحمة لليمن واليمنيين مع جماعة "ترفض السلطة من أجل الولاية".

صحيح أن البخيتي يقدم النصح للصدر في دينه، إلا أنه يقدم في تغريدة ملحقة شرحاً، سيكون عصي الفهم على الدبلوماسية الدولية، حول ما يقصده بالولاية. يقول الرجل إن "الولاية أمان للناس في الدنيا والآخرة ومن تخلى عنها فقد ذلك الأمان، لأنه سيجد نفسه في ولاية من لا عهد لهم ولا أمان، ومن أوفى بعهده من الله. إن ولاية الله ورسوله والذين آمنوا كما جاء في الآية 55 من سورة المائدة لا تقبل إلا بالبراءة من أعدائهم كما جاء في الآية 51 من السورة نفسها".

لا شك أبداً بإيمان الحوثيين تماماً بذلك. مصير يَمنهم مرتبط عضوياً وشرعياً بالولاية التي يديرها وليّ فقيه في طهران. وفق تلك الدقة يُفترض على مهندسي أي حلّ أو أي تسوية أن يرسموا خرائط الطريق التي وجب أن تنهل من فقه وتفسير وإفتاء وتأويل لا علاقة لها باليمن والسلطة والصراع بين فرقاء الداخل أو ذلك الذي ترسمه "لعبة الأمم".

هي رسالة من اليمن أرادت إفهام الصدر تبرّم الوليّ الفقيه في طهران من مسعاه الدولاتي في العراق. وفي الرسالة تكرار ممل لمن يهمه الأمر أن لأمر السلم في اليمن والعراق عنواناً واحداً.. عنوان المرشد في إيران.
 

نقلا عن "النهار اللبنانية"