يتزايد اهتمام الكثيرين مع اقتراب عيد الأضحى المبارك بالبحث عن فضل الأضحية وأحكامها الشرعية، إذ تعد من أعظم القربات إلى الله في هذه الأيام المباركة، فضلاً عن أنها فرصة للتوسعة على الفقراء ووسيلة لزيادة المودة وتعميق مشاعر الرحمة بين الأسر.
ويتحرى المضحين من كل مكان الدقة في تطبيق الأحكام الشرعية الخاصة بالأضحية، ومواصفاتها ووقت ذبحها وكيفية توزيعها حتى تتحقق المقاصد الشرعية منها، وحتى ينال المسلم الأجر والثواب الذي بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها.
وحث الفقيه الأزهري الدكتور نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق المسلمين في كل مكان، بالحرص على الأضحية، فهي من أفضل الأعمال التي ينبغي أن يتقرب بها المسلم إلى خالقه في هذه الأيام، إذ ورد الأمر الإلهي بها في قول تعالى: «إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر».. والمعنى الذي تحمله الآيات الكريمة: إنا أعطيناك يا محمد النهر العظيم المسمى بالكوثر، فداوم على الصلاة، وعلى نحر الإبل تقرباً إلى الله، وتصدق بلحومها على الفقراء.
إحياء سنة إبراهيم
ويضيف د. واصل: رغبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحية من خلال أحاديث نبوية عدة، حيث أخبرنا بأنها (أي الأضحية) تأتي بقرونها وأشعارها وأظلافها تشفع لصاحبها يوم القيامة.. وكان عليه الصلاة والسلام القدوة والمثل في الفداء والتضحية، وثبت أنه ضحى بكبشين، أي بخروفين، أملحين (أي يخالط بياضهما سواد) أقرنين، (أي لهما قرون).
لذلك كانت الأضحية في شريعتنا الإسلامية «سنة مؤكدة، يحرص عليها المسلم طمعاً في ثوابها، ويكره تركها إذا كان قادراً عليها، والقدرة هنا تتوافر بوجود المال الذي يفي بحاجة الأضحية من دون حرج أو استدانة.
وعن المقاصد الشرعية لتقديم الأضحية يقول واصل: شرعت الأضحية لمقاصد كثيرة منها: شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه، فالله أنعم على الإنسان بنعم لا تعد ولا تحصى، كنعمة البقاء من عام لعام آخر. ونعمة الإيمان ونعمة السمع والبصر والمال؛ فهذه النعم وغيرها تستوجب الشكر للمنعم سبحانه وتعالى، والأضحية من صور الشكر لله، إذ يتقرب العبد بها إلى ربه بإراقة دم الأضحية، امتثالاً لأمره، حيث قال جلَّ جلاله: «إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر».. كما أن في الحرص على الأضحية إحياء سنة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حين أمره الله بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه السلام في «يوم النحر»، وأن يتذكر المؤمن أن صبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإيثارهما طاعة الله ومحبته على محبة النفس والولد كان ذلك كله هو سبب الفداء ورفع البلاء.
أيام تراحم وسخاء
ومن المقاصد الشرعية للأضحية، التوسعة على النفس وأهل البيت وإكرام الجيران والأقارب والأصدقاء والتصدق على الفقراء، وهنا يؤكد د. واصل ضرورة أن يكون المسلم سخياً في هذه الأيام، وأن يحرص على إهراق الدم في عيد الأضحى، ما دام قادراً، ولذلك هو يقدر مشاعر البسطاء الذين يحرصون على إحياء هذه السنة، ويربون الأضاحي في بيوتهم، أو يدخرون ثمنها على مدى شهور قبل العيد، حيث يرى في هذا السلوك تجسيداً لحرص المسلم على أداء الشعيرة، والتأسي بما فعله النبي الكريم، بشرط أن يلتزم في توزيعها بما حث عليه الإسلام، وأن يطعم منها الفقراء والمحتاجين، ولا يستأثر بها لنفسه، ولأهل بيته كما يفعل كثير من البسطاء، ومحدودي الدخل.
وأوضح مفتي مصر الأسبق الأصناف التي تجوز التضحية، قائلاً: الأضحية تجوز من الإبل أو البقر أو الغنم من الذكور أو الإناث، ويجب أن تكون سن الإبل خمس سنوات، والبقر سنتين، والغنم سنة ويدخل في الغنم الماعز، وأجاز بعض الفقهاء أن تكون سن الغنم ستة أشهر. أما الماعز فلا تقل عن سنة، وتكفي الناقة أو الجمل عن سبعة أشخاص وكذلك البقرة.. أما الشاة فتكفي عن شخص واحد.
متى نذبح؟
والوقت الشرعي للذبح كما يوضح د. واصل بعد صلاة عيد الأضحى، فالحق سبحانه وتعالى هو الذي حدد لنا هذا الوقت بقوله «فصل لربك وانحر».. لكن إذا لم يتمكن المضحي من ذبح أضحيته يوم العيد، جاز له أن يذبحها في الأيام الثلاثة التي تليه.
ولا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة العيد، ومن فعل ذلك فهي صدقة وليست أضحية، انطلاقاً من الحديث الصحيح: «من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة والخطبتين فقد أتم نسكه أي عبادته، وأصاب المسلمين».
وينصح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر بعض المسلمين الذين يتعجلون الذبح «يوم عرفة» أو وقت الليل قبل أداء صلاة العيد بالتمهل حتى يحظوا بأجر وثواب الأضحية.. لكنه يؤكد أن من أراد أن يذبح «يوم عرفة» ليتصدق باللحم على الفقراء والمحتاجين والتوسعة عليهم في هذا اليوم المبارك له أجره وثوابه. ومن السنة أن يذبح المسلم أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح، فقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لكن من لا تسمح ظروفه بذلك، أو كانت مشاعره لا تتحمل أن يذبح بنفسه يجوز له توكيل من يذبح نيابة عنه، ويفضل أن يكون من أهل بيته، فإن حالت الظروف دون ذلك، فعليه أن يوكل من يقوم بهذه الشعيرة.. فدين الله يسر لا عسر، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
صكوك مشروعة
وعلق العالم الأزهري د. محمد رأفت عثمان، أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر على «صكوك الأضحية» التي انتشرت بلاد عدة وتقوم بها بنوك وجمعيات خيرية لتقديم الأضحية نيابة عن القادرين الذين لا تسمح ظروفهم بالقيام بها بأنفسهم فيقول: من الأفضل أن يذبح المسلم بنفسه ليوسع على أسرته، ويهدي بعض لحوم الأضحية للأهل والأقارب.. لكن لو حالت الظروف دون أن يذبح، ولجأ إلى هذه الصكوك فلا حرج فهي صكوك مشروعة، وسيكتب الله له كامل الثواب، ما دام يتعامل مع جهة موثوق بها، ويضمن أنها ستؤدي الشعيرة نيابة عنه.
رفق ورحمة
ويؤكد د. عثمان ضرورة أن يتعامل المسلم برحمة مع الأضحية، لأن التعامل مع الحيوان بقسوة أمر ترفضه الشريعة، وتدين سلوك كل يفعل ذلك، ولذلك جاءت توجيهات الفقهاء بضرورة توافر شروط معينة عند الذبح، فلا بد أن يكون الذبح بآلة حادة حتى لا يتألم الحيوان، وأن يسرع الذابح عند الذبح، وأن يحد شفرة الذبح بعيداً عن الحيوان، حيث يروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً أضجع شاة يريد أن يذبحها، وهو يحد شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تذبحها؟»
ومن مظاهر الرفق بالذبيحة قبل ذبحها، ما أورده الفقهاء في كتب الفقه من ضرورة سوق الذبيحة برفق، وعرض الماء عليها قبل ذبحها، وعدم المبالغة في القطع حتى يبلغ الذابح النخاع، أو يفصل رأس الذبيحة حال ذبحها، وكذلك بعد الذبح، وقبل أن تبرد، وكذلك سلخها قبل أن تبرد، لما في ذلك من إيلام لا حاجة إليه. هذا وغيره مما قال به الفقهاء في مسألة الذبح يؤكد رفق الإسلام بالحيوان.
كيف توزع الأضحية؟
وعن كيفية توزيع لحوم الأضاحي يقول أستاذ الشريعة الإسلامية: من المستحب أن يأكل المضحي وآل بيته من الأضحية ويطعم غيره، ويدخر للأيام القليلة المقبلة.. فالله سبحانه وتعالى يقول: «فكلوا منها، وأطعموا البائس والفقير»، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في التعامل مع لحم الأضحية: «كلوا وتزودوا وادخروا».
لذلك قال العلماء، إن أفضل أسلوب للتعامل مع الأضحية عند توزيعها هو تقسيمها أثلاثاً، ويعطي منها الغني والفقير، فقد روى ابن عباس أنه قال في أضحية النبي: «ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث».. وقال فقهاء، يعطي لأصدقائه وجيرانه ثلث الأضحية حتى لو كانوا قادرين.
ومن هنا، يتضح لنا أن الأضحية لا تهدف إلى التوسعة على الفقراء والمحتاجين فحسب.. فهي إلى جانب ذلك تحقق التواصل وتعميق صلات المودة والتعاون وتغرس فضيلة التهادي بين المسلمين.
ويرفض العلماء سلوك بعض المضحين، ممن يستأثرون بلحوم الأضاحي لأنفسهم، ولا يتقربون إلى الله بالتصدق ببعضها على الفقراء في هذه الأيام، لأنهم يحرمون أنفسهم من ثواب الأضحية، ويستسلمون للبخل والشح والأنانية.
أسئلة ملحة
س: ما الحكم إذا كان رب الأسرة يعمل في دولة عربية، وباقي أفراد الأسرة في بلده..هل يذبح هو أم تذبح أسرته؟
- وأجابت عن السؤال دار الإفتاء المصرية: إذا سافر رب الأسرة للعمل في بلد ما؛ فله أن يذبح في بلد عمله، وله أن ينيب من يذبح عنه الأضحية في بلد أسرته، وهو هنا صاحب الخيار وفقاً لظروفه وظروف أسرته.
س: وما الحكم لو كان أحد أفراد الأسرة يؤدي فريضة الحج؟ هل يكفي الهدي الذي يذبح ويغني عن الأضحية؟
- تقول دار الإفتاء المصرية: الذبح في أثناء الحج لا علاقة له بالأضحية المطلوبة من الأسرة، وسبب مشروعية كل منها مختلف، فالذي يذبح في الحج، هو إما هدي تمتع، وهو لشكر الله تعالى على الجمع بين نسكي العمرة والحج والتحلل بينهما، وهو واجب، وإما هدي قران وهو للجمع بين الحج والعمرة في سفرة واحدة وهو واجب أيضاً.. وقد يكون الذبح في الحج لترك واجب من واجبات الحج، أو كفارة عن فعل محظور من ممنوعات الحج، وكلاهما واجب.. وكل هذا مختلف عن الأضحية التي شرعت للتوسعة على الفقراء والمحتاجين ولشكره تعالى على دوام الحياة إلى هذه الأيام الفاضلة، كما شكر النبي إبراهيم ربه بذبح الكبش العظيم لبقاء حياة ابنه إسماعيل، عليه السلام، ولشكر الله تعالى على شهود هذه الأيام المباركة وعلى التوفيق فيها للعمل الصالح، لأنها خير أيام العام التي أقسم الله عز وجل بها «والفجر وليال عشر»، وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام».