شهران بالتمام والكمال مرا على إعلان مجلس رئاسي جديد في اليمن، والأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية والخدمية في البلاد بين المراوحة والتدهور، من دون إحداث التغيير المنتظر، وبات على اليمنيين التكيّف والتعايش مع الأوضاع رغم قسوتها.
حيال ذلك تباينت آراء اليمنيين، ما بين متفائل ينتظر تغييراً جذرياً لكل المشاكل في البلاد، بما في ذلك إنهاء الانقلاب الحوثي على الشرعية الدستورية، وما بين متذمرٍ لا يرى في الأفق القريب حلولاً تزيح عن كاهل الوطن المتاعب التي عُلّقت بجدرانه، وتعيد له مكانته كبلد سعيدٍ وزاهٍ، كما كان يُسمّى.
"نسمع جعجعة"
في 19 نيسان (أبريل) الماضي، وفور أدائه اليمين الدستورية، فنّد رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي عدداً من التحديات للعمل عليها، منها "إنهاء الانقلاب الحوثي والحرب، واستعادة الدولة والسلام، ومعالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي، وإعادة بناء المؤسسات واستقرارها في العاصمة الموقتة عدن"، إلا أن شيئاً من هذا القبيل لم يتحقق، على طريقة "نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً"، كما يقول الصحافي عيدروس الصبيحي لـ"النهار العربي".
يضيف الصبيحي: "ارتفع منسوب التفاؤل في عدن بوجود الرئيس العليمي ونوابه في قصر معاشيق وارتفع سقف الأماني بحدوث تغييرٍ جذريِ على مستوى الخدمات، خصوصاً في ما يتعلق بالكهرباء وغلاء المعيشة، لكن الأوضاع ازدادت سوءاً عما قبل".
ويوضح: "على بعد مئات الأمتار من مقر إقامة الرئيس ونوابه في حي كريتر، يموت كبار السن وذوو الأمراض المزمنة بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي (تقطع 6 ساعات في مقابل ساعتين تشغيل)، وسط حرارة مرتفعة تبلغ في الصيف غالباً 45 درجة مئوية، من دون أن تكون هناك معالجات ملموسة من الحكومة والرئاسة".
وفي السياق ذاته، يعتقد مدير تحرير موقع "البُعد الرابع" عادل حمران أن "تشكيل المجلس الرئاسي الجديد لم يلبِ طموحات اليمنيين، على الأقل في فترة الشهرين الماضيين، بعدما عجز عن حلحلة الأوضاع ومعالجة أي من الملفات المهمة والمستعجلة".
ويرى أنه "كان يفترض بالمجلس الرئاسي أن يسعى إلى وضع معالجات سريعة وعاجلة في ما يخص الخدمات الضرورية للمواطنين، والعمل على استقرار العملة المحلية التي شهدت تراجعاً مخيفاً خلال الأيام القليلة الماضية، إذ بلغ سعر الدولار الأميركي 1150 ريالاً والريال السعودي 305 ريالات يمنية. هذه الأوضاع وتلك، فاقمت من معاناة اليمنيين، وألقت بضلالها على حياة ملايين السكان، الذين تعصف بهم حرب طاحنة منذ أكثر من 7 أعوام، وأزمة اقتصادية ومعيشية كبيرة".
هدنة جديدة، ولكن!
بعد نجاح الجهود الأممية في تمديد الهدنة الأولى، انتعشت آمال المواطنين من جديد في سلام شامل ينقذ البلاد من مآسي حرب تسببت في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم. غير أن المخاوف من انهيار الهدنة الجديدة لا يزال هاجساً لدى غالبية السكان، بعد الإخفاق الذي لازم الهدنة السابقة.
ومطلع حزيران (يونيو) الجاري، وافقت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي على تمديد هدنة إنسانية في البلاد لمدة شهرين، بعد انتهاء سابقة بدأت في 2 نيسان (أبريل) الماضي من دون نجاح.
يعتقد الصحافي شكري حسين أن "الحل الوحيد للأزمة اليمنية يكمن في وقفة جادة من جميع المكونات اليمنية وبدعم مباشر من دول التحالف العربي والمجتمع الدولي، للقضاء على جماعة الحوثي عسكرياً، أو بعملية سياسية شاملة تخرج البلاد من وضعها البائس".
ويقول: "تخدير المواطن اليمني بالهدنة التي لم تستفد منها سوى الميليشيات الحوثية، أمر لم يعد مقبولاً لدى كثير من اليمنيين المحاصرين في مناطق الصراع، فالطرقات لا تزال مغلقة وحياة الناس معطلّة وغالبية السكان في أماكن الصراع يستخدمون طرقات فرعية بديلة، حيث يخاطر مئات الآلاف بحياتهم يومياً للوصول إلى السوق، في إطار البحث عن توفير أبسط ظروف الحياة المعيشية لهم ولأسرهم".
ويوضح حسين أن "الهدنة السابقة التي جددتها الهدنة الحالية في اليمن تشير الى وقف كل العمليات العسكرية، وفتح الطرقات، وضمان تدفق الوقود بشكل سلس عبر ميناء الحديدة، وهذه البنود التزمت بها الحكومة الشرعية وعملت على تحقيق ما جاء فيها، لا سيما في ما يخص فتح ميناء الحديدة لإيصال السفن المحمّلة بالمشتقات النفطية، وفتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية للحالات الإنسانية إلى مطاري عمّان والقاهرة".
لكنه يلفت الى أن "ميليشيات الحوثي خلال فترة الهدنة السابقة ارتكبت آلاف الخروق وفق بيانات الجيش اليمني، ولا تزال تماطل في فتح الطرقات خصوصاً في محافظة تعز، وهذا يؤكد عدم جديتها في تنفيذ بنود الهدنة".