مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019
الرئيسية - المشهد اليمني - 1050 طفلاً يهودياً من اليمن اختفوا في إسرائيل.. ماهي قصتهم؟

1050 طفلاً يهودياً من اليمن اختفوا في إسرائيل.. ماهي قصتهم؟

ارشيفية
الساعة 10:24 صباحاً (المشهد الخليجي - مرال قطينة)

عد أكثر من 73 عاماً، لا يزال الغموض يلف قضية اختفاء الأطفال اليهود من أصول يمنية من المستشفيات الإسرائيلية، كما لا تزال هذه القضية تتفاعل في المجتمع الإسرائيلي في كل مرة تنظم فيها عائلاتهم اعتصاماً أو تظاهرة أمام الكنيست أو مقر الحكومة الإسرائيلية، مطالبة من جديد بفتح الملفات وكشف الحقيقة عن مصير هؤلاء الأطفال الذين اختفت آثارهم ولم يعرف مصيرهم بعد.

بدأت القصة عندما تم إدخال آلاف الأطفال المهاجرين من اليمن الذين كانوا في حالة صحية سيئة إلى المستشفيات، وعند حضور آبائهم لزيارتهم قيل لهم إنهم ماتوا ودفنوا، في معظم الحالات لم يحصل الآباء على شهادة وفاة، كما لم يُسمح لهم برؤية الجثث، ورغم كثرة القصص والروايات، لكنها لم تجب حتى الآن عن السؤال الجوهري: ما الذي حدث للأطفال وأين ذهبوا؟ حتى إن العائلات التي تمكنت من فتح قبور أطفالها وجدتها فارغة، ومن بين الاتهامات التي يوجهها أقرباء الأطفال وعائلاتهم أن هذه القضية الصادمة قادرة في كل مرة على إحداث مفاجأة للعائلات، وأن إسرائيل دولة تقوم على الروايات الكاذبة، وأن النظام عنصري تجاه يهود اليمن ووزارة الصحة الإسرائيلية على وجه الخصوص. ولم يتم حل اللغز بعد عقود من التستر، فيما تظهر تساؤلات أخرى كثيرة: "إلى أي مدى فعلاً تم التحقيق في قضايا اختفاء الأطفال؟ وما هي الوثائق التي لا تزال مخفية عن الأنظار؟".... 

بين الأعوام 1949-1954 استقبلت إسرائيل 50 ألفاً من المهاجرين اليهود من اليمن، في عملية أطلق عليها اسم "أجنحة النسور" بشكل مرتجل ومستعجل، بحسب ما ورد في الوثائق الموجودة في أرشيف الدولة، خلال المرحلة الأولى من الهجرة كانت هناك محاولات إسرائيلية متعددة لإبطاء معدل الهجرة خوفاً من صعوبة استيعابهم، لكن التغييرات السياسية في اليمن وتجمع المهاجرين بأعداد كبيرة داخل المخيمات أجبرت الحكومة الإسرائيلية على تنظيم عملية إنقاذ لهم، بسبب الظروف المعيشية الصعبة في المخيمات، وكانت نسبة كبيرة منهم من الأطفال والرضع الذين وصلوا بحالة صحية سيئة، بعضهم كان يعاني سوء التغذية، فيما كانت إسرائيل تمر بحالة تقشف بسبب نقص الإمدادات والبنية التحتية الطبية واللوجستية الضعيفة، إلى جانب صعوبات اللغة وتحديد الهوية.

هذه الأسباب أدت إلى اختفاء الأطفال والرضع من أبناء المهاجرين الجدد، وأغلبهم من الشرقيين وثلثاهم من يهود اليمن، مع عدد قليل من الأشكناز ومن أصول بلقانية، بسبب انفصال الكثير من الأطفال والبالغين عن عائلاتهم عند دخولهم المستشفيات.

في معظم الحالات تم نقل الأطفال إلى العيادات في مخيمات المهاجرين أو إلى المستشفيات التي اكتظت اكتظاظاً ملحوظاً، وتم إخبار أهاليهم لاحقاً بأنهم ماتوا ودفنوا، لكن العديد من الآباء شككوا بالرواية الرسمية، وادّعوا أن أطفالهم خطفوا واختفوا بمبادرة أو بطريقة منظمة، وأنه تم عرضهم للتبني، ولم يتم اكتشاف حالة واحدة منهم، فيما أثار العديد من الأطباء والممرضات في ما بعد الشكوك في أن الأطفال قد أُخذوا من دون إذن للتبني لعدم وجود تشريعات قانونية مناسبة، ولانعدام الرقابة الإدارية والمخالفات المتراكمة في السجلات الطبية والدفن، بسبب تعالي الفرق الطبية التي كان أغلب العاملين فيها من اليهود الغربيين (الأشكناز).

وظهرت أخيراً وثائق في الأرشيف تشير إلى إهمال متعمد من المسؤولين الطبيين في هذه القضية، وفي ضوء ذلك نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مقابلة وشهادة نادرة لإحدى الممرضات اللواتي عملن في تلك الفترة، شلوميت بن آري (87 عاماً) كانت ممرضة في جناح الأطفال في مستشفى رامبام في مدينة حيفا عام 1953 لثلاث سنوات، روت كيف تم استقبال الأطفال وكيف اختفوا فجأة من العنبر، وكيف اكتشفت أن الأطفال الذين تعافوا نُقلوا إلى دار رعاية، كانت الظروف تختلف كثيراً عن اليوم، ولم نكن نعرف بمن نتصل، لم ننتظر عودة الوالدين، لا أعرف ماذا حدث لهؤلاء الأطفال بعد ذلك، وتابعت بن آري: "وصلوا نحيفين للغاية، جلد وعظم، كان بعض الآباء يخفي أطفاله تحت السريرحتى لا يتم أخذهم منهم، كنت أعود إلى الخدمة وأسأل أين الصبي الذي كان في هذا السرير، كانوا يقولون لي توفي، لا أعرف ماذا فعلوا بهم، على مر السنوات الماضية كنت أحاول أن أتذكر وأراجع الممرضات اللواتي عملن معي، لكنهن متن لم يعد أي من كبار الموظفين على قيد الحياة".

وأضافت بن آري: "في ذلك الوقت لم يكن يسمح للأهل بالبقاء في المستشفى مع أطفالهم، هذه السياسة قادت الآباء الذين عادوا بعد يوم أو يومين إلى إجابات قاسية، إذ قيل لهم إن طفلهم قد توفي. مات بعض الأطفال جراء المرض الشديد، لكن هناك أطفالاً تعافوا ووضعوا في الحاضنة، بعض الذين تعافوا تم إرسالهم إلى دار رعاية في حيفا، كما كنا نكتشف في ما بعد، كنت شابة ولم يكن هذا شيئاً لأفكر فيه في ذلك الوقت". 

ولفتت بن آري إلى "وجود إهمال في رعاية الأطفال المهاجرين، فلم يكن نظام الاستقبال منظماً، كما لم نهتم بكتابة المعلومات عن كيفية الاتصال بالوالدين، في معظم الأوقات لم أسمع الاسم بشكل صحيح بسبب اللهجة، كانت فوضى، اليوم لم يكن ليحدث شيء من هذا القبيل". وختمت بن آري شهادتها بالقول: "السبب الرئيسي لحدوث ذلك لأطفال اليمن هو أنه لم يعاملوا معاملة أولاد الأشكناز. كان يتم مراقبة الأطفال الأشكناز على مدار الساعة، كان الكيبوتس يموّل رعايتهم، وكانت ممرضات الكيبوتس يقمن بمناوبات، كانوا يأتون بوثائق الأطفال، وعندما يتعافون تتم إعادتهم إلى والديهم، لم يكن هناك وضع لا يمكن الاتصال فيه بالوالدين كما جرى مع أطفال المهاجرين".

وأظهرت إحدى الوثائق التي تم الكشف عنها أخيراً من أرشيف الدولة "شهادة خطية لطبيب أطفال أثارت شبهات بالتبني من دون إذن الوالدين".

أدت ملابسات هذه القضية إلى شعور يهود اليمن بمزيد من التمييز والعنصرية، وذكرتهم بقضايا سابقة شعروا خلالها بأنهم الحلقة الأضعف بين المهاجرين إلى إسرائيل، وبكيفية تعامل ممثلي الوكالة اليهودية معهم في مخيمات الهجرة، التي كان من نتائجها الإكراه المناهض للدين، المعاملة التمييزية على أساس الطائفة والعنصرية من جانب المؤسسات الحكومية والمجتمع. 

لكن الذي حدث بعد سنوات زاد الطين بلة، فقد تم إرسال أوامر تجنيد إلى عائلات الأطفال المفقودين، ليعود الأمر إلى صدارة الحوادث، وتم تقديمه كدليل إلى أنهم لا يزالون على قيد الحياة. وبعد تعرضها لضغط شعبي قررت الحكومة الإسرائيلية تشكيل لجنة تحقيق برلمانية غرفت بـ "بهلول - مينوفسكي عام 1967"، تبعها تشكيل لجنتين أخريين في ثمانينات القرن الماضي وعام 2001.

تم التركيز على ثلاث نظريات حول مصير الأطفال اليمنيين: الأولى أنها كانت عملية خطف منظم من "أعلى" لتوفير الأطفال لبعض الأزواج "الأشكناز" والمقيمين الأجانب، تمت دراسة إذا كانت هناك بالفعل حالات تبن غير قانوي من دون علم أي من الوالدين، وأظهرت أنها لم تكن منظمة مؤسساتياً بل ظاهرة تمت إدارتها من خلال قنوات موازية غلبت عليها اللامبالاة المؤسساتية واللامبالاة الثقافية، إذ إن هناك من رأى بطريقة التبني هذه مساعدة لطفل جاء من عائلة فقيرة ومتخلفة، أما النظرية الثانية فكانت أن الأطفال المفقودين نُقلوا إلى الخارج لإجراء تجارب طبية عليهم، فيما رأت النظرية الثالثة أن أياً من النظريتين السابقتين لم تحدث، وأن معظم الأطفال ماتوا بسبب الأمراض، باستثناء حالات قليلة نتيجة خطأ بشري، من الممكن أن يكون سبب الوفيات طريقة العلاج وأخطاء طبية، كما ذكرت أنه تم تشريح الجثث في الحمامات، هذا ما خلصت إليه لجان التحقيق الثلاث، ووجدت أن 69 حالة لم يُعثر فيها على دليل إلى وفاة الأطفال، لذلك فإنها تثير احتمالات عرضية للتبني.

في شباط (فبراير) عام 2021، قررت الحكومة الإسرائيلية الإعراب عن أسفها وتخصيص تعويضات بين 46 - 62 ألف دولار أميركي لعائلات الأطفال البالغ عددهم 1050 طفلاً، الذين قررت لجان التحقيق أنه لم يتم إبلاغ عائلاتهم بملابسات وفاتهم في الوقت الفعلي، كما لم يتم تحديد مكان دفنهم، من دون إعطاء تفسيرات واضحة ورسمية.

عن "النهار العربي"