على رغم أن الرئيس جو بايدن رجح أن تكون الأجسام_الطائرة المجهولة الثلاثة التي أسقطتها الطائرات_المقاتلة_الأميركية أخيراً هي مناطيد أبحاث علمية أو للطقس، ولا تنتمي للصين أو أي دولة أخرى، إلا أنه نفى معرفة طبيعة هذه الأشياء، ولم يحدد ما إذا كانت بقاياها قد التقطت لتحليلها، الأمر الذي يثير التكهنات حول ما تخفيه أجهزة الاستخبارات الأميركية، ويبقى الغموض حول مسألة تقلق الشعب الأميركي، وتعيد إلى ذاكرته الأسرار التي ظلت تحوم حول "المنطقة-51"، والتي لا تزال تخفي الكثير حول ما يجري بداخلها، فما هي هذه المنطقة الغامضة؟ ولماذا ظلت سرية على مدى عقود؟ وما الذي تخفيه حتى الآن؟
المنطقة اللغز
منذ عام 1955 ظلت "المنطقة-51" لغزاً مثيراً لملايين الأميركيين، ليس فقط بسبب اسمها المثير للفضول، أو لأنها ظلت غير موجودة رسمياً ولم تظهر على أي خرائط حكومية أميركية عامة لعشرات السنين، وإنما أيضاً لارتباطها بكثير من القصص والروايات حول مشاهدة سكان محليين كائنات فضائية وأجساماً طائرة مجهولة تحلق حولها، مثل تلك التي شغلت العالم هذا الشهر بتحليقها على ارتفاعات كبيرة فوق الأراضي الأميركية والكندية والتي لا تزال مجهولة الهوية والمصدر حتى الآن، على رغم التوضيحات التي يحاول الرئيس بايدن وكبار مسؤولي إدارته، تهدئة المخاوف بشأنها.
وفي كل عام، تجذب أساطير "المنطقة-51" السياح من جميع أنحاء العالم، الذين يتدفقون إليها على أمل إلقاء نظرة على مركبات فضائية من عالم آخر، لكنهم مع ذلك، لا يسمح لهم بالاقتراب من هذا المكان الحساس ولا يرون شيئاً، وقبل أربعة أعوام تدفق نحو ستة آلاف شخص من الرجال والنساء المهووسين بقصص الكائنات الفضائية والأجسام الطائرة المجهولة على هذه المنطقة استجابة لدعوة انتشرت عبر "فيسبوك" لاقتحام المكان، في 20 سبتمبر (أيلول) عام 2019، بهدف العثور على كائنات فضائية أو أي دليل يثبت وجود أجهزة أو مواد من خارج كوكب الأرض، بدعوى أن قوات الأمن التي تحرس المنطقة لن تتمكن من التصدي لهذا العدد الهائل، لكن بعد كثير من الترقب والضجة الإعلامية التي رافقت الحشد، انتهى الأمر بمشهد احتفالي وصور لكائنات فضائية ورسوم خيالية، استغلتها بعض المنتجات الأميركية في الدعاية والترويج.
أين "منطقة-51"؟
تقع هذه المنطقة في أرض منعزلة بصحراء ولاية نيفادا على بعد حوالى 120 ميلاً (197 كيلومتراً) شمال غربي مدينة لاس فيغاس، وبشكل أكثر تحديداً فإنها تتمركز في مكان ما بين علامتي 29 و30 على طول الطريق السريع للولاية رقم 375، حيث يمتد طريق ترابي لا توجد عليه أية علامات، وعلى رغم عدم وجود مبانٍ مرئية من الإسفلت، فإن المسار يؤدي إلى بحيرة غروم أو مطار هومي، كما يطلق عليه في خرائط الطيران المدني.
وبالنسبة لأولئك الذين زاروا المنطقة من قبل، يؤدي هذا الطريق إلى قاعدة عسكرية تحمل العديد من الأسماء غير الرسمية التي لا يعرف مصدرها الحقيقي أو ما الذي ترمز إليه، ما يزيد من الغموض والحيرة، لكن يعتقد أن وكالة الاستخبارات الأميركية كانت تطلق أسماء كودية للمواقع التي تريد أن تبقيها سرية، ومن بين هذه الأسماء بحسب موقع "ناشيونال جيوغرافيك": مزرعة الجنة، مدينة المياه، منتجع أرض الأحلام، المربع الأحمر، الصندوق، المزرعة، نطاق الاختبار والتدريب في نيفادا، "المفرزة-3"، مركز اختبار الطيران بالقوات الجوية، و"المنطقة-51".
من أين جاء الاسم؟
وبحسب وكالة الاستخبارات الأميركية، فإن تصنيف هذه المنطقة برقم 51، يعود إلى رسوم بيانية من حقبة الستينيات تشير إليها بهذا الرقم الذي استخدمته لجنة الطاقة الذرية الأميركية التي تم حلها الآن في نظام لتحديد مساحات على الأرض قرب قاعدة "نيليس" الجوية، التي أجرت تجارب سلامة محددة ومرقمة بحسب المناطق على الأرض.
وفي عام 1958، وبموجب أمر عام لتخصيص الأراضي رقم 1662، تم سحب 38400 فدان (حوالى 153.6 كيلومتر مربع) من الاستخدام العام من قبل هيئة الطاقة الذرية الأميركية، التي حلت محلها وزارة الطاقة الأميركية، وكان من بينها "المنطقة-51" التي يمنع الجمهور من دخولها ولديها حراس مسلحون يقومون بدوريات في محيطها، كما أنه من المستحيل أيضاً دخول المجال الجوي أعلى المنطقة من دون إذن من مراقبة الحركة الجوية، ولهذا ظلت المنطقة لعقود أسطورة لمنظري المؤامرة وعشاق الظواهر الخارقة الذين يعتقدون أنها المكان الذي تخزن فيه الحكومة الأميركية اسرارها وتخفي الكائنات الفضائية التي اصطدمت بالأرض وأطباقها الطائرة.
نقل طبق "روزويل"
غير أن البداية الحقيقية لأسطورة "المنطقة-51" نشأت عام 1947 مع انتشار أشهر قصص مؤامرات الأجسام الطائرة المجهولة، والتي تمثلت في سقوط طبق طائر في بلدة روزويل بولاية نيو مكسيكو، وإحضار بقايا الطبق الطائر وأجساد الكائنات الفضائية إلى "المنطقة-51" لإجراء تجارب هندسية من أجل تكرار إنتاج المركبة الفضائية من قبل الولايات المتحدة.
ووفقاً لمجلة "سميثسونيان"، نشرت صحيفة "روزويل ديلي ريكورد" خبراً عن طبق طائر، في الثامن من يوليو (تموز) عام 1947، ما جعل الجمهور مفتوناً ليس فقط باحتمال تحطم الطبق الطائر الذي قادته كائنات فضائية في روزويل، ولكن أيضاً بفكرة أن الجيش الأميركي جمع حطام المركبة الفضائية لإجراء تجارب غريبة عليها وأنه أخفى وجودها عن الشعب الأميركي.
وبينما لم تكن روزويل قريبة من "المنطقة-51"، والتي لم تشهد أي نشاط معروف حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، فإن هاتين المنطقتين ترتبطان بشكل وثيق بسبب علاقتهما الواضحة بالأنشطة الغريبة ذات العلاقة بالفضاء.
سبب انتشار الإشاعة
ونظراً للطبيعة السرية للغاية للاختبارات العسكرية التي كانت الولايات المتحدة تجريها في هذه المنطقة، لم تكن الحكومة الأميركية مهتمة بكشف حقيقة الإشاعات حول الأجسام الطائرة المجهولة، التي انتشرت بسرعة فائقة واستمرت تلهب خيال الكثيرين في أميركا والعالم لعقود عدة حتى أن استطلاعاً للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف" في يونيو (حزيران) عام 2019، وجد أن 54 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة يعتقدون أنه من المحتمل أن تعرف الحكومة أكثر مما تخبرهم عن الأجسام الطائرة المجهولة.
ويقول روجر لونيوس الأمين السابق لمتحف سميشونيان الوطني للطيران والفضاء، لموقع "ميليتاري تايمز"، إنه كان من الأفضل من وجهة نظر القوات الجوية الأميركية أن تنتشر إشاعة تحطم مركبة فضائية من خارج الأرض، بدلاً من قول الحقيقة حول ما كان يحدث بالفعل في روزويل والذي كان شيئاً يسمى "مشروع موغل".
وكان الغرض من "مشروع موغل" هو البحث في الغلاف الجوي العلوي عن علامات الارتدادات التي تصدر عن انفجارات التجارب النووية السوفياتية، من خلال استخدام مناطيد عالية الارتفاع مزودة بأجهزة استشعار ومجسات رادارية حساسة، وهو ما أكده تقرير لوكالة الأمن القومي الأميركية صدر عام 1994، وأوضح ان "حادثة روزويل" كانت مرتبطة بالفعل بمشروع "موغل"، وليس بهدف التغطية على وجود عناصر من جيش الفضائيين، ولم يشر التقرير إلى وجود أية أجسام لكائنات فضائية جاءت من خارج كوكب الأرض.
لماذا قاعدة سرية في الصحراء؟
وعندما بدأت وكالة الاستخبارات المركزية في تطوير طائرات استطلاع تجسس خلال الحرب الباردة، أدرك ريتشارد بيسيل مدير الوكالة آنذاك أن هناك حاجة لإنشاء قاعدة خاصة لبناء واختبار النماذج الأولية من طائرات تجسس تمتلك قدرات متفوقة على الاتحاد السوفياتي، وفي عام 1955، اختار هو ومصمم الطائرات في شركة "لوكهيد" مارتن كيلي جونسون مطاراً منعزلاً في بحيرة "غروم" بولاية نيفادا ليكون مقراً لهذه التجارب التي يجب أن تتمتع بأقصى درجات السرية.
وفي غضون ثمانية أشهر، طور المهندسون طائرة "يو-2"، والتي يمكن أن تحلق على ارتفاع 70000 قدم (21300 متر) وهو أعلى بكثير من أي طائرة أخرى في ذلك الوقت، ما سمح للطيارين بالتحليق فوق صواريخ وطائرات العدو السوفياتي، ولكن بعد أن أسقط السوفيات طائرة "يو-2" بصاروخ جديد مضاد للطائرات في عام 1960، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تطوير الجيل التالي من طائرات التجسس في "المنطقة-51"، والتي أطلق عليها اسم طائرة "إيه-12" المصنوعة من التيتانيوم حتى لا يمكن للرادار اكتشافها تقريباً.
ومع مزيد من التجارب على هذه الطائرة، أصبح بوسعها أن تطير عبر أراضي الولايات المتحدة القارية في 70 دقيقة بسرعة 2200 ميل (3600 كيلومتر في الساعة)، كما تم تجهيزها بكاميرات يمكنها، من ارتفاع 90 ألف قدم (حوالى 27432 متراً)، تصوير الأشياء التي يبلغ طولها قدماً واحدة فقط على الأرض.
المشاهدات الغريبة
وأصبحت "المنطقة-51" مرتبطة إلى الأبد بالكائنات الفضائية، مع تعزيز رؤية المشاهدات الغريبة لطائرات ذات سرعات فائقة تحدث أصواتاً غير مألوفة وتحلق على ارتفاعات غير مسبوقة، لكن ما أسهم أكثر في ترسيخ الارتباط بالكائنات الفضائية، ما أعلنه روبرت لازار عام 1989 في مقابلة مع محطة إخبارية في لاس فيغاس، حيث ادعى أنه عمل في "المنطقة-51" التي قال إنها تضم مركبات فضائية وإن وظيفته كانت إعادة إنشاء التكنولوجيا الخاصة بها بهدف الاستخدام العسكري.
لكن القصة فقدت مصداقيتها حينما اتضح بعد ذلك، أن لازار لم يذهب أبداً إلى معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا أو معهد "كاليفورنيا" للتكنولوجيا بحسب ما ادعى في حديثه، ومع ذلك، فإن الحقيقة في ذلك الوقت، هي أن المهندسين في هذه المنطقة كانوا يدرسون ويعيدون إنشاء الطائرات المتقدمة التي تم الحصول عليها من دول أخرى، وليس من الفضاء الخارجي.
ومع ذلك، تسببت جميع الرحلات الجوية عالية التقنية من "المنطقة-51" بما في ذلك أكثر من 2850 إقلاعاً من طائرة "إيه-12" في انتشار تقارير عن الأجسام الطائرة المجهولة التي ارتفعت في المنطقة، غير أن الصحافية آني جاكوبسن نقلت في كتابها الصادر عام 2011 عن مصادر عسكرية أميركية في هذه المنطقة أن جسم الطائرة "إيه-12" المصنوع من التيتانيوم، الذي يتحرك بسرعة الرصاصة، يمكن أن يعكس أشعة الشمس بطريقة يمكن أن تجعل أي شخص يظن أنه يرى جسماً غامضاً أو طبقاً طائراً.
أين الحقيقة الآن؟
ما جعل إشاعات الأجسام الطائرة المجهولة أسوأ هو رفض الحكومة الأميركية الاعتراف بوجود "المنطقة-51" على الإطلاق حتى عام 2013، عندما نشر أرشيف الأمن القومي في جامعة جورج واشنطن عبر الانترنت، وثائق من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية رفعت عنها السرية، من دون ذكر أي اسم رسمي للموقع لكنها نشرت وثائق حول تطوير طائرات التجسس السريعة والمتفوقة، بعدما كان السكان المحليون يعرفون أن شيئاً غريباً يحدث في الصحراء، بينما كانت التفاصيل نادرة ويصعب التحقق منها.
وعلى رغم كل الأدلة، لا يزال الكثيرون يعتقدون أن "المنطقة-51" هي مرتع للنشاط الفضائي من خارج كوكب الأرض، والذي يعود في جزء كبير منه إلى أن الأمن العسكري المكثف حول القاعدة خلق جواً من الجاذبية، ما جعل أعين المتطفلين تتساءل، ما الذي لا تريدون لنا أن نراه، وحينما اندفع آلاف من المهووسين بالكائنات الفضائية، ذكرت القوات الجوية الأميركية، التي تولت قيادة هذه المنطقة من وكالة الاستخبارات المركزية عام 1978، أنها اضطرت لعدم مقاومة الضغط الهائل من الناس، عام 2019، الذين اقتربوا من المنطقة.
وبحسب القوات الجوية، فإن المتسللين لن يجدوا أي دليل على وجود كائنات من خارج الأرض في منشآت القاعدة، لأن ميدان الاختبار والتدريب في قاعدة "نيليس" الجوية المعروفة باسم "المنطقة-51" كانت منطقة يختبر فيها سلاح الجو الطائرات المقاتلة ويدرب الطيارين فيها، وكتب مسؤول الشؤون العامة في القاعدة الذي وجه تساؤلات بشأن استخدام القوة المميتة ضد المتسللين، أنه من الناحية العملية، لا تجري مناقشة إجراءات أمنية محددة، لكن أي محاولة للوصول بشكل غير قانوني إلى منشآت أو مناطق تدريب عسكرية هو أمر خطير لا ينبغي السماح به.
أسرار مستمرة
وحتى الآن، لا تزال هذه المنطقة قاعدة نشطة، لكن الغرض الذي خدمته منذ السبعينيات هو لغز شديد السرية، وسوف تمر بضعة عقود أخرى على الأقل، حتى يتم رفع السرية عن العمل الحالي الذي يجري بها وإتاحته للجمهور، وسوف تظل المنطقة مرتعاً للمؤمنين والمشككين الذين يترددون على الطريق الصغير المؤدي إليها والمزدهر بالمتاحف والمطاعم والموتيلات والاستعراضات والمهرجانات ذات الطابع الفضائي، على أمل اكتشاف الحقيقة المخفية.