مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019
الرئيسية - منوعات - سيرة ابو بكر الصديق ..رافق رسول الله وقد ميزه الله بخصال لم تكن الإفيه

سيرة ابو بكر الصديق ..رافق رسول الله وقد ميزه الله بخصال لم تكن الإفيه

الساعة 05:56 صباحاً (المشهد الخليجي)

لا يُعرف اسم نال من الاحتفاء في تاريخ الإسلام ولا من التقدير بعد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما ناله صديقه وخليله أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد كان هذا الرجل الصفحة الثانية في كتاب الإسلام الذي افتتحه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بدعوة سرية، كان أول من أجابها من الرجال عبد الله بن عثمان الشهير بأبي بكر، والمعزز لقبه بكلمة الصديق، لما وقر في قلبه من نور الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وخالط فؤاده من شغف المحبة التي جعلته معتقِدا تمام اعتقاد الإيمان والمحبة بأن كل ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومن تلك العقيدة الراسخة والحب الإيماني الرقراق، تضوعت أفنان سيرة إيمانية عطرة، دخلت كل بيت، ورفرفت في كل شغاف، ودوّت صيحة إيمان ونشيد هدى في أفئدة الزمان وحقائب الأيام، وأكباد الملل والنحل الإسلامية.

كان مقام الصديق من النبي صلى الله عليه وسلم مقام الشمال من اليمين، واليد من الفؤاد، بل كان مقام يوشع بن نون من سيدنا موسى عليه السلام، فكان خليلا وصديقا وأخا وصهرا ورفيق حياة وخليفة عقيدة.

 

ينتمي أبو بكر الصديق إلى بطن تيم من قريش، فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو التيمي. وتيم هي إحدى فصائل قريش ذات الإباء والأنفة والمجد، بل هي إحدى الأركان الثابتة والدعائم الخالدة في البيت القرشي الذي يدور عزه حول البيت المعمور ورقراق زمزم. فمنذ أمد بعيد كان جيران الحرم، وحراس الكعبة القرشيون سادة العرب، بما اقتربوا من آثار إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وما خصتهم به الأقدار من المجد الحرمي

 

.وفي البيت التيمي من الصميم ولد أبو بكر الصديق لزوجين ابني عمومة، فأبوه أبو قحافة عثمان بن عامر وأمه سلمى بنت صخر بن عامر، وقد شاء الله أن يكون بيته بيت إيمان، حيث أسلمت أمه سريعا وطال بأبيه العمر حتى أسلم يوم الفتح، وأسلم بنوه وبناته، وولد بعضهم في الإسلام، فكان بيت الصديق بيت النخبة والمصطفين الأخيار.

تنسم الفتى التيمي عبق الحياة بعد عام الفيل، عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى خلاف بين العلماء المسلمين الذين تباينت نقولهم، هل كان ذلك الميلاد بعد سنتين أو ثلاث أو ستة أشهر فقط من ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أكثر الأقوال شهرة أنه ولد في حدود 573 ميلادية أي بعد سنة واحدة فقط من ميلاد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

رافقت الصديق في جاهليته -التي لم تدنس بخمر ولا عبادة صنم- قيمٌ أصيلة كالصدق والأمانة والكرم، فأهّلته لأن يكون محور الثقة في قريش، فكانت مواقفه وآراؤه وتصرفاته محل إجماع قريش ومحط تقديرهم، بل قيل إنه كان أحد عشرة من قريش انتهى إليهم شرف المكانة وفضل المحتد ونبل القيم وصواب الرأي، ومنهم العباس بن عبد المطلب، وعثمان بن طلحة، وأبو سفيان بن حرب، وخالد بن الوليد، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وصفوان بن أمية.

وقد رسّخت قيمَ أبي بكر الصديق ما عرف به من خبرة دقيقة في حياة المجتمع العربي، ومن معرفة عميقة بأنساب القبائل الفرعية وتفرعات البطون والأسر، وكانت ميزته بين النسّابة أنه لم يكن يذكر معايب الناس ولا ينتقص من أنسابهم.

وإلى جانب تلك الشخصية الهادئة المرنة، كان أبو بكر رجل أعمال ناجحا ذا علاقات واسعة في المجتمعات العربية المتعددة، وكانت أسر كثيرة وبيوتات قرشية متعددة تنتظر عودة قافلة أبي بكر لتنعم بوفير العطاء وميسور المتاجرة، ولذلك وصفه ابن كثير بقوله: “وكان رجلا تاجرا ذا خلق، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه وتجارته وحسن مجالسته”.

 

وبالجملة فقد كان الصديق منتدى أخلاق سامية ومجتمع فضائل عالية، فقد جمع في الجاهلية خصالا نادرة، فكان من بين قلة أقل من أصابع اليد تركوا شرب الخمر، وتعففوا عن الفحشاء والعلاقات المنحرفة، وقد وصفته ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: “حرّم أبو بكر الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا في إسلام، وكان يقول إن من شرب الخمر كان مضيِّعا لعرضه ومروءته”.

وكما حمى الصديق عقله ومروءته من أن تذهب بهم لواعب الصهباء، فقد أكرم وجدانه وجنانه أن ينحني ساجدا لغير الله. فقد رُوي أن أبا بكر رضي الله عنه لم يسجد لصنم قط، حيث اختبر هذه الأصنام وهو في ميعة الصبا وشبيبة الفتوة، فلم تجب له سؤالا، ولم ترد له خطابا، فعلم أنها حجارة لا تنفع ولا تضر.

ويروي الصديق قصته مع العزوف عن الأصنام فيقول: “ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: هذه آلهتك الشمّ العوالي، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني، فلم يجبني، فقلت: إني عار فاكسني، فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه”.

من رحم العفاف والمروءة والقطيعة الوجدانية مع الوثنية، تفتق غراس التوحيد في فؤاد الصديق، وفاح عبيره بآفاق الانتظار، وهو يرنو إلى منبلج الضياء الإيماني الجديد الذي قذف بعضَ بشائره تأويلُ رؤيا خامرت فؤاد الصديق ذات ليلة، فرواها لراهب من رهبان الشام وهو في رحلة تجارة عابرة، فعبرها له بأنه مبعث نبي، وإن صدقت الرؤيا فستكون أول أصحابه، وخليفته من بعده.

ويحدّث الصديق في رواية أخرى عن بدايته مع إرهاصات النبوة وبشائر البعثة المقدسة، فيقول: “كنت جالسا بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعدا، فمر أمية بن أبي الصلت، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟، قال: بخير، قال: وهل وجدت؟ قال: لا، ولم آل من طلب، فقال:

كل دين يوم القيامة إلا
ما مضى في الحنيفية بورُ

يقول أبو بكر: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي يُنتظر ويُبعث، فخرجت أريد ورقة بن نوفل، وكان كثير النظر إلى السماء كثير همهمة الصدر، فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، فقال: “نعم يا ابن أخي، إنا أهلُ الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي يُنتظر من أوسط العرب نسبا -ولي علم بالنسب- وقومك أوسط العرب نسبا”، قلت: “يا عم، وما يقول النبي؟”، قال: “يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم ولا يظلم ولا يظالم”، فلما بُعث رسول الله ﷺ آمنت به وصدقته.