بقلم: محمود شحره: زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس يرُكّز على ملف اليمن
X : @shehrah_mahmoud
دفعت هجماتُ الحوثيين على السفن في البحر الأحمر البلدانَ الأوروبية إلى تشكيل تحالفات لحماية الشحن البحري، ما أدّى فعلياً إلى عسكرة أحد أهم طرق التجارة في العالم. ولكن إذا كان ثمّة من درسٍ نستقيه من التاريخ عن الحوثيين، فهو أنّ الجماعة لا تستجيب لأنصاف التهديدات أو "اللعب الخفيف". ولذلك فإنّ الإجراءات الانتقامية من قبيلِ الضربات الجوية الأخيرة التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في اليمن، وكذلك الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة بتصنيف الحوثيين كياناً إرهابياً عالمياً مصنَّفاً تصنيفاً خاصّاً (SDGT)، ليست سوى خطوات ضئيلة جاءت بعد فوات الأوان. إذْ لن تُغيّر هذه الإجراءات من سلوك الجماعة ولن تكون كافية لردع هجماتها في المستقبل. ويلزم أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءات أقوى لتحقيق هذه الأهداف. ومن الأهمية بمكان أن يعمد صانعو السياسة الدوليّون إلى تنفيذ تدابير تنسيقٍ صارمة، وفرض المزيد من العقوبات، وانتهاجِ استراتيجية شاملة تركِّز على تغيير السلوك، ما من شأنه أن يدفع الحوثيين في نهاية المطاف إلى الالتزام بالسلام.
في كانون الثاني/ ديسمبر 2018، واجه الحوثيون ضغطاً عسكرياً كبيراً من قوّات الحكومة اليمنية المتمركزة في محيط مدينة الحُدَيدة الساحلية على البحر الأحمر، وبعدَ أشهُرٍ من رفضهم إرسال وفد للتفاوض من خلال جهود السلام والوساطة التي تقودها الأمم المتحدة، وافقت الجماعة في نهاية المطاف على حضور محادثات السلام في السويد. ووافقت الجماعةُ على تقاسم إيرادات ميناء الحديدة مع الحكومة اليمنية، والسماح بفتح الطرق في تعز، والامتثال لإجراءات تخفيف التصعيد الأخرى. ولكن بمجرَّد أن أصبحت لهم اليد العليا في ساحة المعركة في الحُدَيدة، تراجَعَ الحوثيون عن الالتزامات التي تعهّدوا بها سابقاً في إطار الاتفاق الذي جرى التوصّل إليه برعاية الأمم المتحدة.
ولئِن كان من غير المتوقع أن تُغيّر الضربات الجوية التي تشنّها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد أهداف الحوثيين قواعد اللعبة، إلا أنه قد يكون من الممكن اتخاذ إجراءات عسكرية أخرى لتغيير سلوك الجماعة واستعادة الأمن في البحر الأحمر. والأهم من ذلك أنّ أيّ خطة عسكرية ستتطلب من الحلفاء الإقليميين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تبادل المعلومات الاستخباريّة وتنسيق العمل العسكري وممارسة الضغط السياسي على الحوثيين. كما أنه من الضروري التنسيق مع قوات الحكومة اليمنمية ودعمها، فهي على الرغم من وضعها الغير متماسك ، في وضعٍ أفضل للضغط على الحوثيين على الأرض.
وعلاوةً على ذلك، من المهم إعادة تطبيق آليات تفتيشٍ صارمة للسفن المتجهة إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، لمنعها من تلقّي الأسلحة المهرّبة من إيران. إذْ يستورد الحوثيون قطع الغيار التي يجري تجميعها في وُرَشٍ يشرف عليها خبراء إيرانيون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ومن شأن تعزيز بروتوكولات التفتيش أن يساعد في منع تهريب الأسلحة من إيران. وفي الوقت نفسه، ينبغي للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها من الأطراف الفاعلة ممارسة الضغط على طهران لوقف إرسال الأسلحة إلى الحوثيين. من الضروري السماح بمرور المواد الغذائية والوقود فقط، لأنّ بمقدور الحوثيين استخدامُ الواردات الأخرى غير العسكرية، مثل التبغ، كمصدر دخل لتأجيج الصراع.
ومن التدابير الأخرى التي يجب على المجتمع الدولي النظر فيها فرضُ "خطوط حمراء" منسَّقة لمنع الحوثيين من حَرفِ مسارِ المساعدات الإنسانية عن المستفيدين المقصودين، ما يُشكّل انتهاكاً للمبادئ الإنسانية. على مدى سنوات من الصراع الأهلي، سمح الحوثيون بإيصال المساعدات إلى عائلات مؤيديهم وحرموا أولئك الذين لا يخضعون لتعاليمهم العقائدية من تلقّيها – حتى أنهم رفضوا تنفيذ نظام تحديد الهوية البيومترية لتوزيع المساعدات الغذائية لبرنامج الأغذية العالمي في المناطق التي يسيطرون عليها. ولم يبدأ الحوثيون في السماح لمنظمات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى بالعمل بمستوى معيَّن من الاستقلالية إلّا بعد أن جمَّد برنامج الأغذية العالمي أنشطته مؤقتاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في شمال اليمن.
إنّ الضغط على الحوثيين يُجدي نفعاً عندما لا يفتقر إلى الجِدِّية أو التنسيق. في الأيام الأخيرة من عهده الرئاسيّ في عام 2021، صنّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحوثيين منظَّمةً إرهابيةً أجنبية. آنذاك، كنتُ حلقةَ الوصل بين الحكومة اليمنية ومكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن. ولم يسبق أن رأيتُ الحوثيين يتصرفون بطريقة متعاونة ومساومة كما حدث خلال الأسابيع التي أبقت فيها إدارة ترامب على التصنيف. وخلال تلك الفترة، جرى الإفراج عن مئات اليمنيين الذين احتجزهم الحوثيون تعسُّفيّاً من دون إبلاغهم بالتهم الموجهة إليهم. وعندما رفع الرئيس الأميركي جو بايدن التصنيف في وقتٍ لاحق، ويرجع ذلك في جانبٍ منه إلى ضغوط المنظمات الإنسانية، عاد الحوثيون على الفور إلى ممارساتهم السابقة وبدأوا عمليات عسكرية جديدة في جميع أنحاء اليمن. حتى أنه في الأيام التي تلت سحب التصنيف، توقَّفَ القادة الحوثيون عن الرد على المكالمات الهاتفية من مسؤولي الأمم المتحدة.
ينبغي ألّا تقتصر العقوبات على قادةٍ حوثيين محدَّدين، مثلما كان الحال مع الحزمة الأخيرة الصادرة عن المملكة المتحدة. بل ينبغي توجيهها إلى المجموعة ككل واستهداف الشبكات والاستثمارات المالية الحوثية في دول مثل عمان وتركيا والمملكة العربية السعودية وماليزيا وغيرها. ويتعيّنُ أن تهدف حزم العقوبات أيضاً إلى إضعاف المصالح التجارية للحوثيين في شبكات الوقود والصيرَفة الآخذة بالتوسع وبالتالي فهي عُرضة للضغوط.
كما يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن ينظر بالمِثل في فرض عقوبات على الحوثيين وإدراجهم ضمن تصنيفٍ رسميّ، فالدول الأوروبية الأعضاء والأعمال التجارية تعاني أيضاً من انعدام الأمن في البحر الأحمر.
للمجتمع الدولي بشكل عام مصلحة في التصدّي لتهديد الحوثيين لحركة الشحن في البحر الأحمر، بالنظر إلى تداعياته على الاقتصاد العالمي والوضع الإنساني في اليمن. وما لم يتصرف صانعو السياسة الدوليّون الآن وبحزم، فإنهم سيواصِلون إرسال الإشارات الخاطئة للحوثيين بأنّ بإمكانهم عرقلة التجارة العالمية والإفلات من العقاب. وبالتالي، من أجل دفع عجلة السلام في اليمن وتأمينِ البحر الأحمر، يجب ضرب الحوثيين بقوة – ويجب أن يحدث ذلك بسرعة. ثمّة حاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزماً تتجاوز أنصاف الإجراءات الحالية غير الكافية.
* ترجمة التقرير الذي نشره شاتم هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدوليه )