مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019
الرئيسية - المشهد الفني - الدراما اليمنيّة وفضائيات الحرب: مَن يستفيد مِن الآخر؟

الدراما اليمنيّة وفضائيات الحرب: مَن يستفيد مِن الآخر؟

فنانان يمنيان
الساعة 10:36 صباحاً (المشهد الخليجي - احمد الاغبري)

تُقدّم الدراما اليمنيّة، في رمضانِ هذا العام، ثمانية مُسلسلات، وفق ما تم الإعلان عنه حتى الآن، وهو عددٌ كبيرٌ مقارنة بما قدّمته في كل موسم رمضاني من مواسم سنين الحرب المستعرة هناك، والتي دخلت عامها السادس.

ويشهد اليمن منذ بدء الحرب تزايداً في عدد القنوات الفضائية استجابة لأهداف الحرب، ووصل عددها لنحو عشرين قناة، ونتيجة لذلك تشهد أعمال الدراما التلفزيونية الرمضانية تزايداً في كل عام استجابةً لتزايد عدد الفضائيات وتنافسها في الاستحواذ على نسبة مشاهدة محلية عالية، وهو التزايد الذي أسهم هذا العام في دخول مؤسستي إنتاج جديدتين بالإضافة إلى ما كان موجودا. كل ذلك نتجت عنه زيادة في عدد الأعمال، ووصل هذا العام إلى ثمانية مسلسلات، خمسة منها يتم تصويرها في صنعاء ومسلسل في عدن، ومسلسلين في الأردن، وهما “ليالي الجحملية” و”عيال قحطان”، وقد تعرضا لإيقاف أعمال التصوير نتيجة إجراءات العزل الخاصة بجائحة كورونا؛ لكنهما سيستأنفان تصويرهما قريباً وفق تقدير مصادر داخل العملين؛ وقد يترتب على ذلك فقط تأخراً في بثهما. وجميع هذه المسلسلات، بما فيها مسلسل “غربة البن” الذي كان يفترض تصوير معظمه في الهند تسببت الجائحة في تصويره في صنعاء، موزعة بين قنوات: اليمن (نسخة صنعاء)، المسيرة، الهُوية، السعيدة، يمن شباب، المهرية، وسهيل. بالإضافة إلى ما ستقدّمه قناتا “حضرموت” و”المهرة” وهو ما لم يتم الإعلان عنه حتى الآن، علاوة على ما ستقدّمه القنوات نفسها من أعمال درامية ضمن برامج سياسية موجهه للحرب، وهي أعمال يتم تصويرها في مناطق نفوذ كل طرف لصالح الطرف نفسه.

السؤال: مَن سيستفيد مِن الآخر: فضائيات الحرب أم الدراما التلفزيونية؟

بلاشك أن الدراما التلفزيونية استفادت وستستفيد أكثر من فضائيات الحرب (كمياً) من خلال إنتاج كم أكبر مما كان مُتاح رمضانياً في الفترة السابقة، وهذا يوفر فرص عمل لعددٍ لا بأس به من الكوادر الفنية، بمن فيهم مَن كانوا قد صاروا خارج الساحة الفنية، حيث تم استدعاء الكثير منهم هذا الموسم ومنهم نجوم مضى على انقطاعهم فترة طويلة.

لكن على صعيد النوعية فلن تتحقق، ولن تستطيع الدراما تحقيق خطوة واضحة للأمام تتجاوز واقعها السابق؛ وهو واقع الإغراق في التسطيح حد التهريج بهدف الإضحاك غير الهادف، وهي المشكلة التي غرقت فيها أقدام الدراما اليمنية في العقدين الأخيرين، وبدت واضحة منذ أزمة عام 2011 وما تلاها من أحداث وصولاً إلى الحرب الراهنة، التي أصبحت معها الدراما تتجنب الابتعاد كثيراً عن الهموم الراهنة للمجتمع إرضاءً لأطراف الصراع، ما بالك وهي اليوم تُنّتَج تحت ظروف حرب، ولك أن تتصور مستوى مسلسل يتم إنتاجه في صنعاء ووفق مقتضيات السلطة هناك بينما سيتم بثه في قناة في مناطق الطرف الآخر أو محسوبة عليه، بالتأكيد سيذهب بعيداً عن كل ما يثير حساسية هذا الطرف أو ذاك. هنا لن يبقى سوى الكوميديا الخالية من أي أسئلة تقترب من اليمن واليمنيين، إنها كوميديا لن يكون أمامها سوى الهروب من تحديات الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

ما معناه أن فضائيات الحرب ستستفيد من الدراما الرمضانية المحلية في الفوز بنسبة مشاهدة محلية أكبر تحرص على البقاء معها لمشاهدة برامج ومسلسلات أخرى تم إنتاجها في مناطق كل طرف لصالح الطرف نفسه، والتي ستخضع لتوجيه سياسي يخدم بشكل مباشر الحرب والإمعان في تمزيق النسيج الاجتماعي والوطني لليمن.

قبل 2011

هل كانت الدراما التلفزيونية اليمنيّة أفضل حالاً قبل 2011؟ هذا سؤال يقودنا لمرور سريع على المراحل التي قطعتها بدءاً من الثمانينات ومروراً بالتسعينيات في القرن العشرين، وخلال هذين العقدين، مقارنة بما كان عليه حالها لاحقاً في عصر القنوات الفضائية، قدّمت هذه الدراما أفضل الأعمال، وهذا لا يلغي أن ثمة أعمالا رائعة قدّمتها خلال العقد الأول من الألفية الراهنة، لكنها قليلة جداً، ولا يمكن مقارنتها بما قدّمه التلفزيون اليمني خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات على الرغم من أن البث حينها كان أرضياً محلياً، والسبب أن الدولة مع بداية الألفية الثالثة كانت قد بلغت من الترهل جراء استشراء الفساد في مراكز صناعة القرار مرحلة خسرت فيها الفنون كثيراً، نتيجة إمعان القرار السياسي في تجاهل العمل، في هذا المجال، من خلال رؤية إنتاجية فنية تنافسية تستغل عصر الفضائيات، وهي منافسة تنطلق من النوعية التي تخاصم التخلف وترنو نحو المستقبل، وتؤمن بالآخر، فخسر المسرح والسينما وتراجعت الدراما التلفزيونية، مع إصرار السياسي، خاصة منذ بدء التسعينيات وتجلت بوضوح مع بداية الألفية، على التحالف مع قوى التخلف والايمان بثقافة القوة، ونتيجة لذلك خسرت القوى الإبداعية الكثير. ويمكن استيضاح الصورة مع دخول عصر الفضائيات وإطلاق قنوات يمنية غير حكومية. فبينما كان يفترض أن يؤدي تنافس القنوات الحكومية وغير الحكومية لتقديم أعمال أفضل حصل العكس، وأصبح الجانبان يقدمان أعمالا بنفس المستوى تأطرت معظمها في الكوميديا غير المحكومة برؤية تنافسية نوعية، وهو ما يمكن قراءته بوضوح في مسلسل “كيني ميني” لقناة “السعيدة” غير الحكومية ومسلسل “همي همك” لقناة “اليمن” الحكومية، إذ لن يجد المشاهد فرقاً. فالعملان مارسا التهريج الفني والتسطيح الموضوعي وهي نتيجة طبيعية كونهما انطلقتا من قرار غير محكوم برؤية نوعية إنتاجية وإخراجية تنافسية، كمشكلة تعاني منها معظم أعمال الدراما اليمنيّة في العقدين الأخيرين، ونتيجة لذلك لن نجد عملا تم بيعه لقناة غير يمنيّة أو حتى تم بثه في قناة غير القناة التي أُنتج لصالحها.

الفنان يحيى إبراهيم، وهو أحد نجوم الدراما اليمنيّة، يقول لـ “القدس العربي” إن دخول منتجين جدد بإمكانات وتقنيات كبيرة وحديثة مع تزايد عدد الأعمال التي ستقدّمها الدراما اليمنية في هذا الموسم يُمثل، من وجهة نظره، رافداً للدراما في هذا البلد، وعاملاً إيجابياً ستستفيد منه هذه الدراما من خلال تقديم عددٍ أكبر من الأعمال ستفرض على الجميع الإيمان بالنوعية ولو تدريجيا.