مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

القطرة التي أفاضت الكأس في اليمن

2022/03/30 الساعة 10:09 صباحاً

قد يغمرك الغيظ والغضب عندما تستمع لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى “ضبط النفس”، وهو الذي يعرف أن الضربات السعودية على مواقع الحوثي في الحديدة وصنعاء كانت مجرد رد على 16 هجوما شنتها هذه الجماعة، في يوم واحد، على عدة مواقع اقتصادية في السعودية.

ولقد كانت تلك الدعوة قطرة، ولكنها تكفي لكي تفيض بالكأس.

لو سألت أنطونيو غوتيريش ماذا يتعين على أي دولة أن تفعل عندما تتعرض لهجمات إرهابية منسقة ومتواصلة، فإنه لن يفعل سوى أن يحيل الأمر إلى أن الحرب في اليمن يجب أن تتوقف. ضمنيا، سوف يقصد أن فارق القوة بين التحالف العربي الذي تقوده السعودية وبين جماعة الحوثي، هو أحد جوانب المشكلة في اليمن.

يمكن للرياض أن تسلم له بذلك. يمكنها أيضا أن تنسحب من الحرب كلها. كما يمكن للتحالف العربي أن يكتفي بدعم قوات الشرعية، ويعزز الإدارة الذاتية لجنوب اليمن، كجزء من المشروع الفيدرالي أو اللامركزية الموسعة التي سبق لها أن كانت موضع توافق بين اليمنيين.

الحوثي عرض هدنة لثلاثة أيام بشروط، قبولها أسوأ من مواصلة الحرب، ولكن يمكن قبولها. يمكن ابتلاع الغصة. ليس من أجل أي منافع، بل من أجل الانسحاب أو التمهيد للانسحاب من الحرب كلها على بعضها.

لقد حقق التحالف العربي بتحرير جنوب اليمن، وببقاء الشرعية طرفا معترفا به، وبالمدن التي تم كسبها من أراضي الشمال، كل ما يحتاجه لكي يعتبر أنه حقق ما يكفي، وهو ما يسمح بأن يترك باقي المعركة لليمنيين أنفسهم. فارق القوة سيظل موجودا، إلا أنه يمكن أن يبقى فارقا بين اليمنيين أنفسهم.

المسألة ليست مسألة قبول بشروط عصابة، ولا بما تعتقده هذه العصابة في نفسها. ولا بما سوف تزعم أنه انتصارٌ لها على السعودية. هذا كله يمكن أن يذهب مع الغسيل. المسألة هي مسألة خفض مستوى الحرب.

يمكن للسعودية أن تنسحب من الحرب، تحت إقرار دولي صريح بأنها تمتلك حق الرد بالقوة المناسبة على أي اعتداء جديد، وبأن الحصار المفروض على هذه الجماعة الإرهابية يجب أن يستمر لكي لا تتزود بالمزيد من الأسلحة من إيران، وذلك بإقامة نظام رقابة صارم تشرف عليه قوة سلام دولية. هذه القوة، يمكنها أن تكون قوة فصل أيضا بين جبهتي القتال ريثما يتم التوصل إلى حل سياسي.

رد الحرب إلى مستواها المحلي، بين شرعية وعصابة إرهابية، يمكنه أن يعيد ترتيب أوراق المعركة.

في النهاية، فإن هذه العصابة لن تورث المناطق التي تسيطر عليها في شمال اليمن إلا الفقر والعوز والمرض. هذا هو حال كل “المناطق” (دول سابقا) التي امتدت إليها بركات الولي الفقيه ونعمته. منطقة لبنان شاهد، كما هي شاهدٌ منطقة سوريا التي ترفل بنعيم مزدوج. ولن يكون شمال اليمن أفضل حالا من أشقائه في مناطق التبعية لطهران.

لا شك أن تلك الجماعة سوف تقول إنها حققت انتصارا. بسيطة. يمكن القول: مبروك. ليأتي السؤال الأهم: وماذا بعد؟

بعض النصر هزيمة، وبعض الهزيمة نصر. يعتمد الأمر على ما تفعل من بعده.

تواجه الرياض انتقادات أوروبية وأميركية وأممية لا تلاحظ الحقيقة البسيطة، وهي أن السعودية تدافع عن نفسها، وأنها تتعرض لهجمات إرهابية لم يتمكن المنتقدون أنفسهم من وقفها، ولا هم قدموا شيئا يتعدى الإدانات التي لا قيمة لها. حتى القرار الدولي بتصنيف تنظيم الحوثي على أنه تنظيم إرهابي يتم تجاهله، فلا تُحمل هذه الجماعة على محمل الجماعات الإرهابية الأخرى.

سمِّ ذلك ما تشاء. اعتبره نفاقا. وقل إنه معايير مزدوجة. ولكنه ظل يتكرر بثبات ويطغى على الحقائق لكي يفرض تصورات لا يعرف اليمنيون ما هي. ولا كيف يمكن أن تؤدي إلى فتح الطريق نحو حل سياسي شامل.

ولقد امتلأ الكأس فعلا.

كان يمكن القول للسيد غوتيريش “تفضل حلها. أرنا شطارتك”. إلا أنه سوف يظل قادرا على البحث عن أعذار لفشله. ولن يكرر الناقدون الآخرون إلا الفشل نفسه كما كرروه غير مرة أصلا.

لقد قدمت السعودية الدليل تلو الآخر على رغبتها بوقف الحرب. وأعلنت لأجل ذلك عن حزمة مبادرات، ذهبت كلها مع الغسيل، الواحدة تلو الأخرى. وكلما واجهت اعتداء جديدا، اضطرت إلى الرد عليه بهجمات صاروخية وطائرات، لتتلقى من بعدها الدعوات إلى “ضبط النفس”.

يمكن للسعودية أن “تضبط النفس” إلى أبعد من مجرد عدم الرد على ما تتعرض له من اعتداءات، بأن تنسحب من الحرب، وتترك الأمر لليمنيين لكي يحلوا مشاكلهم بأنفسهم.

الحل الحقيقي، هو سحق الحوثي، كما تُسحق الحشرة. ولكن ماذا تفعل للذين لا يرون مخرجا من الأزمة إلا “ضبط النفس”؟

لقد حققت القوات الجنوبية التابعة للشرعية، وبعض قوات الشرعية نفسها نجاحات مهمة في القتال ضد هذه العصابة. ويمكن لهذه القوات أن تواصل المعركة، أو حتى أن تتوقف عند خطوط الجبهات الراهنة إذا ما تم فتح الطريق إلى مفاوضات ترعاها وتشرف عليها الأمم المتحدة، أو قوة سلام دولية، أو أي أحد يجد في نفسه القدرة على المساهمة في تحقيق السلام.

ولكن لا شيء يُملي على السعودية أن تذهب أبعد مما ذهبت إليه حتى الآن. الفارق الذي تم فرضه كحقيقة راسخة على الأرض، فارقٌ كافٍ، ويمكن البناء عليه بتعزيز قدرته على الدفاع عن النفس، وبدعمه سياسيا واقتصاديا.

إذا أدى ذلك إلى فتح الطريق بالفعل إلى حل سياسي شامل، كان خيرا. وإذا انتهى إلى فشل، فالمشكلة مشكلة اليمنيين التي يتعين أن يحلوها بأنفسهم حربا أو سلما. وإذا عادت الهجمات الإرهابية، فيمكن للحرب أن تُستأنف بعد أن يتم رد دعوات “ضبط النفس” إلى أفواه الذين لا يملكون إلا الكلام الفارغ، ويعجزون عن تقديم الحلول الفعلية.

 حتى البعوض يمكنه أن يدّعي نصرا، عندما يتمكن من إحراز قرصة. ولكنه يظل بعوضا.

الحوثي ليس أكثر من ذلك. مثله مثل أي تنظيم إرهابي آخر. بل وقد يمكن قبول شروطه للهدنة أيضا، وأن ينفتح الطريق إلى الحل السياسي بالطريقة التي يراها هو مناسبة.

لا شيء من هذا يمكن أن يزعزع ما تحقق على أرض المعركة. هناك خارطة سياسية وجغرافية وأهلية محلية كافية تفرض من الحقائق ما لا يمكن تجاهله، ولتذهب المفاوضات بين طرفي النزاع إلى حيثما شاءت أن تذهب.

اليمنيون، الجنوبيون منهم خاصة، ليسوا ناقصي عزيمة ولا قدرة للمحافظة على مكاسبهم.

انسحاب التحالف العربي من الحرب، وخفض مستواها إلى حرب أهلية محلية، يمكن أن ينأى بالسعودية عن الانتقادات المتعلقة بفارق القوة، ويُخرجها من دائرةِ صراعٍ لم يتبنّ “المجتمع الدولي” حيالها النظرة نفسها. إلا أن الانسحاب يمكن أن يساعد اليمنيين على أن يداووا جراحهم بأنفسهم.

خفضُ مستوى الحرب سوف يُملي البحثَ في استراتيجيات استقرار، وضمانات أمنية، بل وربما وضع خارطة سياسية جديدة تمنح الجنوب قدرا أكبر من الاستقلالية، وتسلم الشماليين ما حرروه من مناطقهم، إلا أن الهدف الأهم منه هو أن يُطلق يدهم أكثر في شق الطريق إلى حلول دائمة.

أسوأ ما في هذا الخيار، هو أن يعود اليمن إلى شطرين مستقلين. ولكن من قال إن هذا هو الأسوأ فعلا؟

جنوب مزدهر، ومنطقة في الشمال ترفل بنعيم الفقر والعوز والمرض كمناطق التبعية الأخرى لإيران، حل معقول، لأنه يُنقذ نصف اليمن على الأقل.

السؤال هو: لماذا يجب إنقاذه كله، وتحمل كل ما يجب تحمله من الانتقادات ودعوات “ضبط النفس”؟

عن "العرب"