مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

مؤتمر الرياض اليمني… غطاء!

2022/04/03 الساعة 09:34 صباحاً

لا يمكن إلاّ الترحيب بالمشاورات بين اليمنين التي تستضيفها الرياض بغطاء من مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة الذي لا يفوت مناسبة من أجل تأكيد مدى الحرص على عودة اليمن إلى وضعه الطبيعي. لكنّ ذلك لا يمنع طرح أسئلة من نوع مدى تأثير المجتمعين في العاصمة السعودية على تقرير مجريات الأمور في أرض اليمن، وهو بلد تشظّى. اليمن تشظّى بكلّ معنى الكلمة، هذا إذا كان على المراقب للأحداث استخدام عبارة لطيفة لوصف ما حدث فعلا في أفقر البلدان العربيّة، ولكن من بين أكثرها أهمّية استراتيجية.

لا يستطيع الذين يلتقون حاليا في الرياض تقديم مساهمة في إحداث أي تغيير من أيّ نوع على الأرض اليمنيّة. يعود ذلك إلى أن الطرف الأساسي في المعادلة اليمنية، أي الطرف الحوثي، قرّر التغيب عن المؤتمر المنعقد في العاصمة السعوديّة. ليس الطرف الغائب، أو المُغيّب، طرفا يمنيّا بمقدار ما أنّه طرف إيراني يريد إثبات كلّ يوم أن القرار اليمني في يد “الجمهوريّة الإسلاميّة” وليس في يد أحد آخر.

من هذا المنطلق، في استطاعة الموجودين في الرياض وعددهم نحو 500 تمضية فترة تزيد على المدة المحددة للمؤتمر في نقاشات لا طائل منها. حدث ذلك سابقا في الكويت في العام 2016 حيث أمضى اليمنيون أسابيع عدّة في حوارات تستهدف إيجاد صيغة لحلّ. تميّز اللقاء، الذي انعقد وقتذاك في الكويت، بحضور الحوثيين. في أثناء انعقاد مؤتمر الكويت، ذهب وفد حوثي إلى السعوديّة وفاوض وتوصّل إلى اتفاق مع المعنيين بالموضوع اليمني في المملكة. تبيّن في النتيجة أنّه، في ما يخصّ الحوثيين، من يقرّر هو “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ولا أحد غيرها. يؤكّد ذلك أن مجرّد رفض إيران الاتفاق الذي توصّل إليه الوفد الحوثي، في حينه مع مفاوضين سعوديين، كان كافيا لانتهاء المؤتمر الذي انعقد في الكويت من دون نتيجة.

ليس إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة من الأراضي اليمنيّة في اتجاه السعوديّة والإمارات سوى تعبير عن سياسة عدوانية تنتهجها إيران في المنطقة كلّها.

من الكويت إلى الرياض، من العام 2016 إلى العام 2022 لا يزال السؤال المطروح نفسه: هل تسعى إيران لتسهيل التوصّل إلى تسوية في اليمن تؤدي في أحسن الأحوال إلى حلّ مؤقت تهدأ فيه الحرب الدائرة منذ العام 2015، وهي حرب ذات طابع دفاعي لجأ إليها التحالف العربي؟

الجواب أن أمورا غريبة تدور حاليا في المنطقة كلّها من جهة، وأنّ المؤتمر المنعقد في الرياض يمكن أن يشكّل غطاء لشيء ما سيحدث على الصعيد اليمني من جهة أخرى.

ثمّة كلام، سيظهر في الأيّام القليلة المقبلة مدى صحته، عن مفاوضات سعوديّة – إيرانيّة تجري في مكان مّا، قد يكون مسقط. هذه المفاوضات تتمة لتلك التي بدأت بين الجانبين في بغداد وما لبثت أن توقفت من دون أن تتوقف الوساطة العراقيّة. رشح أن هذه المفاوضات يمكن أن تكون بداية حلحلة في اليمن، أقلّه في مجال التوصّل إلى توقف العمليات العسكريّة لمدة شهرين… على أن يترافق ذلك مع إعادة فتح مطار صنعاء جزئيا لعدد من الرحلات الأسبوعيّة.

كشف مؤتمر الرياض أمرين في غاية الأهمّية. أولهما مدى ارتباط القرار الحوثي بإيران. رسالة إيران واضحة كلّ الوضوح وهي تتلخّص بعبارة واحدة: الأمر لي في اليمن. وهذا ما لا يريد المبعوثان الأميركي والأممي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ وهانس غروندبرغ استيعابه، عن قصد أو عن غير قصد. أمّا الأمر الثاني المهمّ، فهو يتمثّل في أن لا فائدة تذكر من “الشرعيّة” القائمة التي على رأسها الرئيس المؤقت عبدربّه منصور هادي ونائبه علي محسن صالح الأحمر. في حال لم يُعد مؤتمر الرياض إعادة تشكيل مثل هذه “الشرعيّة” التي فشلت في كل مجال وعلى كلّ صعيد، منذ العام 2012، سيظل مطروحا لماذا كان انعقاد مثل هذا المؤتمر وما الفكرة وراء دعوة مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة 500 شخصيّة يمنيّة إلى العاصمة السعوديّة؟

هل تغيّر شيء، منذ انعقاد مؤتمر الكويت، كي يصبح ممكنا الحديث عن انفراجات في اليمن في أيّامنا هذه؟ في النهاية، على “الشرعيّة” اليمنيّة إثبات أنّها تصلح لشيء، ذلك أن لا فائدة من رئيس مؤقت عاجز عن الذهاب إلى اليمن، بل إلى مسقط رأسه في أبين. ليس كافيا حديث كبار المسؤولين في “الشرعيّة” عن “الخطر الإيراني” كي يكون بقاء هؤلاء في مواقعهم مبرّرا.

بمؤتمر الرياض ومن دون مؤتمر الرياض، ثمّة حاجة إلى إعادة تشكيل “الشرعيّة”، لا لشيء سوى لأنّ الحوثيين، الذين تسيّرهم إيران، لن يتراجعوا عن الرغبة في إقامة كيان خاص بهم. يريدون من هذا الكيان أن يكون قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة إيرانيّة في اليمن لا أكثر.

من “شرعيّة” لا تفيد في شيء، صرفت عليها المليارات من الدولارات… إلى “شرعيّة” قادرة على إيجاد فارق على الأرض، يوجد فارق كبير وذلك بغض النظر عمّا يمكن أن يحصل من تفاهمات بين السعوديّة وإيران.

ستظلّ مثل هذه التفاهمات، في حال التوصّل إليها، مجرّد مسكنات تستخدم في معالجة موضوع كبير وخطير في آن. موضوع اليمن كبير وخطير لأسباب عدّة من بينها أن شمال اليمن تحوّل إلى موطئ قدم لإيران في شبه الجزيرة العربيّة وبات يشكلّ تهديدا لكلّ دولة خليجيّة في إطار لعبة تمارسها إيران لإثبات أنّها القوّة المهيمنة في المنطقة كلّها. ليس إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة من الأراضي اليمنيّة في اتجاه السعوديّة والإمارات سوى تعبير عن سياسة عدوانية تنتهجها إيران في المنطقة كلّها. تحتاج هذه السياسة الإيرانيّة إلى علاج جذري يتجاوز أيّ اتفاقات صغيرة، خصوصا أن السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا، في ظلّ أي مؤتمر سينعقد، أكان ذلك في الرياض أو غير الرياض: ما الذي تريده إيران في اليمن غير تعميق المأساة التي يعيش في ظلّها الشعب اليمني في غياب أيّ صيغة حل قابل للحياة في الأفق. هل مطلوب استمرار الانسداد السياسي في اليمن فيما تطمح “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى صفقة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي وفي غياب “شرعيّة” عاجزة عن أيّ تغيير في موازين القوى العسكريّة على الأرض؟

نقلا عن "العرب"