مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

خطوات هامة لفتح طريق السلام في اليمن!

2022/04/06 الساعة 11:00 صباحاً

مع قدوم شهر رمضان المبارك، أعاده الله على سائر الدول والشعوب العربية والإسلامية بالخير والسلام والاستقرار، تواترت أنباء خطوات هامة وطال انتظارها في الواقع بالنسبة للمواجهات المسلحة والحرب التي مضى عليها أكثر من سبع سنوات وترتبت عليها أوضاع كارثية ، إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا ، بالنسبة لحاضر الدولة والمجتمع اليمني ومستقبلهما بالطبع.

ويحدونا الأمل ككل أبناء اليمن ومحبيه في أن تنجح هذه الخطوات هذه المرة في فتح الطريق بشكل عملي وكاف لإنهاء الحرب والتوصل إلى حل سلمي يعيد لليمن ولشعبه الشقيق السلام والاستقرار ، ويحافظ على وحدته واستقلاله ، وبالرغم من أن الجهود لا تزال متواصلة ، يمنيا وإقليميا ودوليا ، للتهيئة للمرحلة القادمة فإنه يمكن الإشارة باختصار إلى عدد من الجوانب ، من أهمها ما يلي :

أولا : بعد مرور سبع سنوات كاملة على بدء عاصفة الحزم في مارس 2015 لاستعادة الشرعية في اليمن ، بعد استيلاء قوات جماعة أنصار الله على العاصمة اليمنية صنعاء في أواخر عام 2014 ، انطلقت المشاورات اليمنية اليمنية يوم الأربعاء الماضي في مقر مجلس التعاون بالرياض ، وتستمر حتى السابع من أبريل الجاري ويشارك فيها نحو ثمانمائة من الشخصيات اليمنية وممثلي الأحزاب والقوي السياسية والاجتماعية المدنية ومختلف أطياف الشعب اليمني المؤيدة للشرعية اليمنية ، وقد رفضت جماعة أنصار الله المشاركة في المشاورات الجارية . وبعد يومين من بدء المشاورات في الرياض ، أعلن المبعوث الدولي لليمن هانز جروندبيرج عن موافقة الأطراف اليمنية على هدنة تستمر شهرين بدءا من السابعة من مساء السبت الماضي بتوقيت اليمن ، وبموجبها يتم وقف جميع العمليات العسكرية بريا وبحريا وجويا داخل اليمن وعبر الحدود اليمنية ، إلى جانب موافقتهم " على السماح بدخول سفن الوقود إلى موانئ الحديدة ، وتسيير رحلات جوية تجارية من وإلى مطار صنعاء نحو وجهات محددة مسبقا ، والالتقاء تحت رعاية المبعوث الدولي لليمن للبحث في فتح الطرق بتعز والمحافظات اليمنية الأخرى " حسبما أعلن جروندبيرج في بيانه . وقد رحبت الحكومة الشرعية اليمنية ، وقوات التحالف في اليمن ، والولايات المتحدة وبريطانيا وكثير من الدول الأخرى بهذه الخطوات ، على أمل أن تؤدي إلى الدفع نحو السير على طريق الحل السلمي للأزمة ووقف القتال بشكل كامل ودائم واستعادة الاستقرار إلى اليمن تمهيدا لتضميد جراح الحرب ونتائجها المأساوية على الشعب والمجتمع والدولة اليمنية أيضا . وإذا كان من الطبيعي أن مثل هذه الخطوات لا تأتي فجأة ولا مصادفة ، ولكنها تتبلور وتستغرق الكثير من الجهد والتحركات والوقت ، من جانب المبعوث الدولي لليمن مع مختلف الأطراف اليمنية والدول الأخرى المعنية باليمن ، وكذلك من جانب الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية مع الأطراف اليمنية الداخلية ، والتنسيق في هذا مع الدول الأعضاء بالطبع ، فإن طبيعة الخطوات التي تم إعلانها ، والتصريحات التي صدرت من جانب المبعوث الدولي لليمن ومن جانب نايف الحجرف أمين عام مجلس التعاون ، تشير بوضوح إلى أن هناك ما يمكن الاستناد إليه في السير للتهيئة نحو الحل السلمي ، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار المواقف السابقة الرافضة لفتح مطار صنعاء ولفك الحصار عن موانئ الحديدة ، وتعثر مبادرات ومقترحات الهدنة بين "أنصار الله" وقوات التحالف . ولا يقلل من أهمية هذه الخطوات أنها تظل خطوات مبدئية ومحدودة ، و هو أمر طبيعي في بداية كل عملية لتجاوز الفجوات والتقريب بين الفرقاء وإبداء الاستعداد للتجاوب من جانب الأطراف المعنية . من جانب آخر فإن " التجاوب بإيجابية " مع اقتراح الأمم المتحدة لعقد هدنة في اليمن والالتزام بها ، يؤكد الرغبة في السير نحو طريق السلام أو على الأقل فتح نافذة فيه ، بغض النظر عن أية تصريحات علنية لتحسين موقف هذا الطرف أو ذاك . وهى ممارسات معروفة في مثل هذه الظروف . على أية حال فإن ترابط وتزامن الخطوات بين مجلس التعاون والأمم المتحدة والتأييد الإقليمي والدولي لها يؤكد جدية وأهمية ما تم وأن هناك ما يمكن ان يأتي بعده من خطوات..

ثانيا : أنه مع الوضع في الاعتبار أن جلسات المشاورات اليمنية في الرياض تحاكي ، في جانب منها على الأقل ، جلسات الحوار اليمني التي عقدت في عامي 2013 و2014 والتي وضعت مقترحات لمستقبل اليمن وأقاليمه الستة ، ثم نقضته جماعة أنصار الله قبيل تقدمها عسكريا في المحافظات الشرقية ثم استيلائها على صنعاء ، إذ من المنتظر أن تتوصل جلسات المشاورات اليمنية الجارية في الرياض إلى توصيات ومقترحات حول حاضر ومستقبل اليمن وكيفية مواجهة تحدياته في إطار الأسس الثلاثة للحل في اليمن والتي تم التوافق اليمني والإقليمي والدولي بشأنها . فإن ما يزيد من أهمية مشاورات الرياض ، التي لم تشارك فيها جماعة أنصار الله ، أنها تأتي على خلفية قناعة ورغبة قوية وحقيقية في وقف القتال ، خاصة من جانب التحالف الداعم للشرعية واستعداد للقبول بكل القوى الاجتماعية والسياسية اليمنية ، بشكل أو بآخر من ناحية ، ورغبة من جانب جماعة أنصار الله في وقف القتال والاعتراف بها كطرف ومكون سياسي يمني مؤثر من ناحية ثانية ، ولعل مما له دلالة في هذا المجال أن الأمين العام لمجلس التعاون أكد في كلمته في افتتاح جلسات المشاورات اليمنية في الرياض على أنه " لا حل إلا ما يقرره أبناء اليمن ، ولا مستقبل إلا ما يقرره أبناء اليمن وأن الحل يمني ولأجل اليمن ." وإذا كانت مشاورات الرياض تهدف إلى الانتقال باليمن " من الحرب وأهوالها إلى حالة السلم " فإن ذلك يقتضي بالضرورة مشاركة كل القوى اليمنية بما فيها جماعة أنصار الله بالطبع ، ويعيدنا ذلك في الواقع إلى الأسس التي انطلقت منها الجهود العمانية واستمرت عليها المساعي الحميدة لسلطنة عمان على مدى أكثر من ثماني سنوات وحتى الآن ، ومن أبرزها التعامل ومشاركة كل مكونات المجتمع اليمني في حل الأزمة وفي تحديد مصالح اليمن وأولوياته وسبل النهوض به ، دون إقصاء أو استئثار ، والحفاظ على وحدة واستقلال اليمن وعدم التدخل في شؤونه الداخلية من جانب أي قوى خارجية والعمل على بناء توافق بين اليمن وجيرانه لضمان أمن كل دول المنطقة والتصدي لأية تهديدات مشتركة بما فيها الإرهاب ، وتحظى هذه الأسس والمنطلقات العمانية بالالتقاء حولها والتوافق بشأنها بعد أن أثبتت المواجهات المسلحة أنه لا حل إلا الحل السلمي وعبر توافق كل القوى اليمنية وهوما يقره القانون الدولي أيضا . وتجدر الإشارة إلى أن مسقط احتضنت لقاءات عدة بين الأطراف المعنية باليمن ، أو بعضها ، ومن بينها جماعة أنصار الله أحيانا وقد امتد ذلك للخطوات الراهنة وبناء التوافق حولها.

ثالثا : إنه مع التأكيد على أهمية الهدنة ومشاورات الرياض إلا أن الأهمية تتعزز وتعطي هذه الخطوات نتائج أكثر إيجابية بمشاركة كل القوى اليمنية ومن ثم فإنه من المهم والضروري أن يشارك جماعة أنصار الله في الحوار وفي الالتزام الجاد والقوي بالهدنة والحفاظ عليها ، وإذا كان عدم مشاركتهم يعود إلى طبيعة وظروف الأوضاع العملياتية في المواجهة مع قوات التحالف ، أو يعود إلى شروط أعلنوها وينتظرون تجاوبا معها بشكل أو بآخر ،، أو يعود إلى رغبتهم في انتظار ما قد يسفر عنه حوار الرياض ومواقف قوات التحالف خلال الأيام الأولى للهدنة ، فإنه من غير الصحيح الربط الكامل - كما يفترض البعض ، بين الخطوات الأخيرة وإفساح الطريق أمام إمكانية نجاحها ، وبين مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي وما تواجهه من حالة شد وجذب بين واشنطن وطهران ، خاصة وأن "جماعة أنصار الله" يرغبون في إظهار استقلالية قرارهم بشكل أو بآخر . وأيا كان الأمر فإن مصلحة اليمن الوطنية تقتضي وضعها فوق كل اعتبار من جانب كل الأطراف اليمنية دون استثناء ، خاصة وأن تعاون وتوافق هذه الأطراف جميعها حول إنهاء الحرب وخريطة الانتقال إلى حالة السلام واستعادة الأمن والاستقرار هو أمر لا غنى عنه وتقع مسؤوليته على عاتقها جميعها . أما إذا عمدت بعض الأطراف إلى تحويل مشاورات الرياض إلى نوع من تكتيل القوى اليمنية الداعمة للشرعية ضد جماعة أنصار الله بشكل أو بآخر أو جعل ذلك سبيلا إلى حرب شاملة ضدهم - وهو ما عبر عنه بعض الكتاب اليمنيين ، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الكوارث والخسائر في اليمن وفي المحيط الإقليمي وللسلام والأمن والاستقرار في المنطقة ولذا فإنه ينبغي استغلال الفرصة الراهنة ومشاركة كل القوى اليمنية وبدعم إقليمي ودولي للسير نحو السلام وإعادة الاستقرار إلى اليمن الشقيق وبأسرع وقت ممكن..

عن "عمان اليوم"