مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

هدنة اليمن تبشر بخير

2022/04/11 الساعة 11:59 صباحاً

لا‭ ‬يختلفُ‭ ‬أحدٌ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحربَ‭ ‬اليمنية‭ ‬أخذت‭ ‬بعدًا‭ ‬زمنيًّا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬جميعِ‭ ‬الأطراف‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬المباشرة‭ ‬بهذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مواقف‭ ‬الأطراف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬استمرار‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬فإن‭ ‬الخاسرَ‭ ‬الأكبرَ‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬الشعبُ‭ ‬اليمني‭ ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬الطرفُ‭ ‬الأكثر‭ ‬استفادة‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬مخرج‭ ‬وحل‭ ‬لوقف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وبالتالي‭ ‬تجنيب‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الشقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخسائر،‭ ‬وإطالة‭ ‬أمدها‭ ‬واستمرارها‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬وما‭ ‬خلفته‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية،‭ ‬أثر‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف،‭ ‬وهي‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬عبر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬والخطوات‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بنائها‭ ‬وبالتالي‭ ‬تسهيل‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭.‬

في‭ ‬اعتقادي‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬وقف‭ ‬الأعمال‭ ‬القتالية‭ (‬هدنة‭) ‬مدة‭ ‬شهرين،‭ ‬والذي‭ ‬دخل‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الجاري،‭ ‬وهو‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬التزمت‭ ‬به،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬حكيم‭ ‬وصائب‭ ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬الالتزام‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يهيئ‭ ‬الأرضية‭ ‬المناسبة،‭ ‬أولا‭ ‬لإطالة‭ ‬أمد‭ ‬هذه‭ ‬الهدنة‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬شامل‭ ‬للأعمال‭ ‬القتالية،‭ ‬وهي‭ ‬خطوة،‭ ‬إن‭ ‬تمت‭ ‬ونجحت‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬الإبقاء‭ ‬عليها،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬المفتاح‭ ‬الحقيقي‭ ‬لإغلاق‭ ‬ملف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬والأزمة‭ ‬اليمنية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تمكين‭ ‬الشعب‭ ‬اليمني‭ ‬بجميع‭ ‬فئاته‭ ‬من‭ ‬ترميم‭ ‬التصدعات‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الحادة‭.‬

قبول‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬بحالة‭ ‬الهدنة‭ ‬المعلنة‭ ‬والتزامهم‭ ‬بإسكات‭ ‬أصوات‭ ‬المدافع‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الشهرين‭ ‬المحددين،‭ ‬هو‭ ‬مؤشر‭ ‬في‭ ‬حدا‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬تحول‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬وتعاطيهم‭ ‬مع‭ ‬الخطوات‭ ‬والمبادرات‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬الإسكات‭ ‬التام‭ ‬والشامل‭ ‬لأصوات‭ ‬آلات‭ ‬التدمير‭ ‬والقتل،‭ ‬هذه‭ ‬الهدنة‭ ‬تمثل‭ ‬فرصة‭ ‬مهمة‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬تفويتها،‭ ‬بل‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬مؤثرة‭ ‬لتحقيق‭ ‬السلام‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬الشقيق،‭ ‬سلام‭ ‬يحفظ‭ ‬حقوق‭ ‬جميع‭ ‬أبنائه‭ ‬ويمنع‭ ‬تشظى‭ ‬الدولة‭ ‬اليمنية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬شبح‭ ‬التقسيم‭ ‬وانفراط‭ ‬عقد‭ ‬الوحدة‭ ‬اليمنية‭ ‬التي‭ ‬مضى‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ (‬إعلان‭ ‬الوحدة‭ ‬اليمنية‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬مايو‭ ‬1990‭).‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬اليمني‭ ‬الشقيق‭ ‬هو‭ ‬الخاسر‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬أيضا‭ ‬تتضرر‭ ‬من‭ ‬استمرارها،‭ ‬فهي‭ ‬أيضا‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬من‭ ‬تواصل‭ ‬الأعمال‭ ‬الحربية،‭ ‬والتي‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أطرافا‭ ‬أخرى‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إطالتها‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك،‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬لا‭ ‬تهمها‭ ‬مصالح‭ ‬الشعب‭ ‬اليمني‭ ‬ولا‭ ‬مصالح‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لن‭ ‬تعمل‭ ‬ولن‭ ‬تدعم،‭ ‬عمليا،‭ ‬أي‭ ‬جهود‭ ‬تستهدف،‭ ‬حقا‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬وعودة‭ ‬اليمن‭ ‬إلى‭ ‬وضعه‭ ‬الطبيعي‭ ‬دولة‭ ‬شقيقة‭ ‬يتمتع‭ ‬فيها‭ ‬جميع‭ ‬أبنائها‭ ‬بالحياة‭ ‬الكريمة‭.‬

يجب‭ ‬دعم،‭ ‬بل‭ ‬والتمسك‭ ‬بقرار‭ ‬الهدنة‭ ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬الأعمال‭ ‬العسكرية‭ ‬ورحبت‭ ‬به‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬وترجمت‭ ‬ذلك‭ ‬بالالتزام‭ ‬به،‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬استغلال‭ ‬الشهرين‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬هذا‭ ‬الوقف،‭ ‬لتحريك‭ ‬عجلة‭ ‬الحل‭ ‬السلمي‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬وبذل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تباين‭ ‬وجهات‭ ‬نظرها،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تناقضها،‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬أظهرت‭ ‬استعدادا‭ ‬وترحيبا‭ ‬بأية‭ ‬جهود‭ ‬مخلصة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬سلمي‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬مؤشر‭ ‬إيجابي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قناعة‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذه‭ ‬القناعة‭ ‬تؤكدها‭ ‬مواقف‭ ‬أطراف‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬قرار‭ ‬الهدنة‭ ‬العسكرية‭.‬

هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬التقاط‭ ‬أي‭ ‬مبادرة‭ ‬إيجابية‭ ‬وتسخيرها‭ ‬لتحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيسي،‭ ‬وهو‭ ‬وقف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لهذه‭ ‬المأساة‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬فيها،‭ ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬المبادرات‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬طرحت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬الهدف‭ ‬المطلوب،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يزرع‭ ‬الإحباط‭ ‬لدى‭ ‬الأطراف،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬أي‭ ‬مبادرة‭ ‬أو‭ ‬خطوة‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬جدا،‭ ‬بل‭ ‬والمطلوب‭ ‬أيضا،‭ ‬دعم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬أو‭ ‬المبادرات‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬كما‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬الهدنة‭ ‬المؤقتة،‭ ‬والتي‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬دائمة‭ ‬ونقطة‭ ‬النهاية‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭.‬

فإمكانية‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬شامل‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬اليمنية،‭ ‬ليس‭ ‬بالحل‭ ‬المستحيل‭ ‬تحقيقه،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬استحكمت‭ ‬وتعقدت‭ ‬بسبب‭ ‬إطالة‭ ‬أمدها‭ ‬التي‭ ‬تجاوزت‭ ‬السبع‭ ‬سنوات،‭ ‬وبأن‭ ‬ما‭ ‬خلفته‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬تعد‭ ‬خسائر‭ ‬جسيمة‭ ‬جدا‭ ‬ليس‭ ‬بمقدور‭ ‬الشعب‭ ‬اليمني‭ ‬تحمل‭ ‬استمرارها،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬خيار‭ ‬أمام‭ ‬الأطراف‭ ‬اليمنية،‭ ‬سوى‭ ‬الجلوس‭ ‬حول‭ ‬طاولة‭ ‬واحدة‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬المكاسب‭ ‬الفئوية،‭ ‬حزبية‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬قبلية،‭ ‬أو‭ ‬طائفية،‭ ‬فالخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نصيب‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخسائر،‭ ‬فمصلحة‭ ‬اليمن‭ ‬وشعبه‭ ‬فوق‭ ‬جميع‭ ‬المصالح‭ ‬الضيقة‭.‬

عن "أخبار الخليج" البحرينية