لا يختلفُ أحدٌ على أن الحربَ اليمنية أخذت بعدًا زمنيًّا لم يكن يخطر على بال جميعِ الأطراف ذات الصلة المباشرة بهذه الحرب، وغيرها من الأطراف الإقليمية والدولية، وبغض النظر عن مواقف الأطراف الإقليمية والدولية التي لها مصلحة سياسية واقتصادية من وراء استمرار هذه الحرب، فإن الخاسرَ الأكبرَ فيها هو الشعبُ اليمني وهو أيضا الطرفُ الأكثر استفادة من إيجاد مخرج وحل لوقف هذه الحرب وبالتالي تجنيب أبناء الشعب الشقيق المزيد من الخسائر، وإطالة أمدها واستمرارها لأكثر من سبع سنوات وما خلفته حتى الآن من خسائر بشرية ومادية، أثر بلا شك على حالة الثقة بين الأطراف، وهي الحالة التي بحاجة إلى معالجة عبر العديد من الإجراءات والخطوات العملية التي تسهم في إعادة بنائها وبالتالي تسهيل التوصل إلى إنهاء الحرب.
في اعتقادي أن قرار وقف الأعمال القتالية (هدنة) مدة شهرين، والذي دخل حيز التنفيذ منذ مطلع شهر رمضان الجاري، وهو القرار الذي التزمت به، حتى الآن، جميع الأطراف، هو قرار حكيم وصائب ومن شأن الالتزام به أن يهيئ الأرضية المناسبة، أولا لإطالة أمد هذه الهدنة وتحويلها إلى وقف شامل للأعمال القتالية، وهي خطوة، إن تمت ونجحت جميع الأطراف في الإبقاء عليها، من شأنها أن تشكل المفتاح الحقيقي لإغلاق ملف هذه الحرب، والأزمة اليمنية، وبالتالي العمل على تمكين الشعب اليمني بجميع فئاته من ترميم التصدعات التي نشأت بعد هذه الأزمة الحادة.
قبول جميع الأطراف بحالة الهدنة المعلنة والتزامهم بإسكات أصوات المدافع خلال فترة الشهرين المحددين، هو مؤشر في حدا ذاته على وجود تحول إيجابي في مواقف هذه الأطراف وتعاطيهم مع الخطوات والمبادرات الهادفة إلى تحقيق هدف الإسكات التام والشامل لأصوات آلات التدمير والقتل، هذه الهدنة تمثل فرصة مهمة يجب عدم تفويتها، بل تحويلها إلى أداة مؤثرة لتحقيق السلام الشامل في اليمن الشقيق، سلام يحفظ حقوق جميع أبنائه ويمنع تشظى الدولة اليمنية التي تواجه شبح التقسيم وانفراط عقد الوحدة اليمنية التي مضى عليها حتى الآن أكثر من ثلاثة عقود (إعلان الوحدة اليمنية تم في 22 مايو 1990).
صحيح أن الشعب اليمني الشقيق هو الخاسر الأكبر من هذه الحرب، إلا أن دول المنطقة أيضا تتضرر من استمرارها، فهي أيضا ليس لها مصلحة من تواصل الأعمال الحربية، والتي ثبت أن هناك أطرافا أخرى تعمل على إطالتها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من وراء ذلك، هذه الأطراف لا تهمها مصالح الشعب اليمني ولا مصالح شعوب المنطقة، وبالتالي لن تعمل ولن تدعم، عمليا، أي جهود تستهدف، حقا وضع حد لهذه الحرب وعودة اليمن إلى وضعه الطبيعي دولة شقيقة يتمتع فيها جميع أبنائها بالحياة الكريمة.
يجب دعم، بل والتمسك بقرار الهدنة الذي نجح في وقف الأعمال العسكرية ورحبت به جميع الأطراف وترجمت ذلك بالالتزام به، ومن المهم استغلال الشهرين من عمر هذا الوقف، لتحريك عجلة الحل السلمي لهذه الأزمة وبذل المزيد من الجهود من أجل ذلك، خاصة وأن جميع الأطراف، وبغض النظر عن تباين وجهات نظرها، أو حتى تناقضها، هذه الأطراف أظهرت استعدادا وترحيبا بأية جهود مخلصة من أجل إيجاد حل سلمي لهذه الأزمة، وهذا في حد ذاته مؤشر إيجابي على أن هناك قناعة في إمكانية تحقيق ذلك، وهذه القناعة تؤكدها مواقف أطراف الأزمة من قرار الهدنة العسكرية.
هذه الأزمة تتطلب من جميع الأطراف التقاط أي مبادرة إيجابية وتسخيرها لتحقيق الهدف الرئيسي، وهو وقف هذه الحرب ووضع حد لهذه المأساة التي تسببت فيها، فإن كانت المبادرات السابقة التي طرحت من أجل ذلك لم تحقق الهدف المطلوب، فإن ذلك لا يجب أن يزرع الإحباط لدى الأطراف، ولا يجب التقليل من قيمة أي مبادرة أو خطوة جديدة، بل على العكس من ذلك، فإن من المهم جدا، بل والمطلوب أيضا، دعم مثل هذه الخطوات أو المبادرات وتحويلها إلى فعل على أرض الواقع، كما يجري الآن مع الهدنة المؤقتة، والتي نتمنى أن تتحول إلى دائمة ونقطة النهاية لهذه الحرب.
فإمكانية الوصول إلى حل سياسي شامل بين الأطراف اليمنية، ليس بالحل المستحيل تحقيقه، صحيح أن هذه الأزمة استحكمت وتعقدت بسبب إطالة أمدها التي تجاوزت السبع سنوات، وبأن ما خلفته من خسائر بشرية واقتصادية، تعد خسائر جسيمة جدا ليس بمقدور الشعب اليمني تحمل استمرارها، رغم ذلك، فإنه لا خيار أمام الأطراف اليمنية، سوى الجلوس حول طاولة واحدة والتخلي عن فكرة المكاسب الفئوية، حزبية كانت أم قبلية، أو طائفية، فالخسائر البشرية والاقتصادية وقعت على رؤوس جميع الأطراف، بغض النظر عن نصيب هذا أو ذاك من هذه الخسائر، فمصلحة اليمن وشعبه فوق جميع المصالح الضيقة.
عن "أخبار الخليج" البحرينية