مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

اليمن ... خيار المفاوضات يفرض نفسه!

2022/04/12 الساعة 03:38 صباحاً

ليس من المبالغة في شيء القول إن يومي الخميس والجمعة الماضيين (7 و8 أبريل الجاري) كانا يومين على جانب كبير من الأهمية بالنسبة لحاضر ومستقبل التطورات على الساحة اليمنية وبالنسبة للآمال المتعلقة بالتهيئة للسير على طريق السلام وإنهاء المواجهات المسلحة بشكل تام، والدخول في مفاوضات جادة للتوصل إلى حل سلمي يعيد الأمن والاستقرار إلى اليمن الشقيق ويحافظ على وحدته واستقلاله وتماسكه الاجتماعي والوطني.

ففي يوم الخميس الماضي انتهت مشاورات الرياض التي عقدت برعاية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأصدرت بيانها، الذي رحب بالقرار الذي أصدره الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونقل كامل صلاحياته كرئيس إلى المجلس المكون من سبعة أعضاء برئاسة الدكتور رشاد العليمي، وقد صدر القرار يوم الخميس قبيل إعلان البيان الختامي لمشاورات الرياض وفي اليوم نفسه استقبل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني، إذ إنهم كانوا يشاركون في مشاورات الرياض. وفي فجر الجمعة شنت جماعة أنصار الله هجوما عسكريا في مأرب، وردت عليه قوات الجيش اليمني المؤيد للشرعية، وهو ما دعا المبعوث الأممي إلى اليمن هانز جروندبرج إلى الدعوة للحفاظ على هدنة الشهرين في اليمن واعتبارها «فرصة ثمينة» ينبغي أن تتعاون كل الأطراف لتحويلها إلى هدنة دائمة، كما أعرب عن القلق من بعض خروقات الهدنة. وفي يوم الجمعة تحدث رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي عن مهمات المجلس وتطلعاته، وذلك في أول حديث له من موقعه الجديد.

وأمام هذه الخطوات المترابطة فإنه يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب، من أهمها ما يلي: أولا : إنه من المؤكد أن هذه الخطوات المتتابعة والمترابطة لم تأت فجأة، ولكنها كانت نتيجة تفكير وإعداد ومشاورات واتصالات، أدت إلى الوصول إلى قرارات بالعمل من أجل التهيئة لحل سلمي ولإنهاء المواجهات المسلحة في اليمن، وهي تحسب للمملكة العربية السعودية ولكل الأطراف التي شجعت وساهمت في بلورة هذه الخطوات المهمة والتي تحمل في جوهرها قناعة ملموسة بأهمية وضرورة التخلي عن الأسلوب العسكري والانتقال إلى الأسلوب السياسي والدبلوماسي للعمل من أجل التجاوب مع التطلعات المشروعة لأبناء الشعب اليمني الشقيق وفي مقدمتها استعادة الأمن والسلام والاستقرار وتمكين مؤسسات الدولة اليمنية واستعادة قدرتها على القيام بواجبها وأداء دورها لصالح كل أبناء اليمن. جدير بالذكر أنه برغم مخاوف وقلق المبعوث الأممي بشأن استمرار هدنة الشهرين، فإنه من الواضح، حتى الآن على الأقل، أن قوات التحالف في اليمن وقوات جماعة أنصار الله تميل إلى تخفيف المواجهات المسلحة، ولا يقلل من ذلك حدوث بعض الاشتباكات في بعض مناطق التماس، خاصة وأنها اشتباكات تظل محدودة وغير قادرة على تغيير مواقف الأطراف المتقاتلة على الأرض، ومن ثم فإنها تدخل ضمن تكتيكات الاختبارات المتبادلة لقدرة ويقظة الأطراف على التمسك بمواقعها والدفاع عنها، وبينما أعلنت قوات التحالف عن رصدها الخروقات التي قامت بها قوات جماعة أنصار الله في الأيام الماضية، فإن الحديث عن الخروقات المتبادلة للهدنة هو أمر مألوف حتى تفسح الأطراف مساحة أكبر ووقتا أطول للاتصالات فيما بينها لبناء الثقة وللسير على طريق السلام.

وبالرغم من أن جماعة أنصار الله لا تزال متحفظة حيال الخطوات المشار إليها، حيث لم تشارك في مشاورات الرياض ولم ترحب بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، إلا أنه من المأمول أن تزداد قناعتها وتجاوبها مع التهيئة للمفاوضات بين الأطراف اليمنية، أي بينها -جماعة أنصار الله- وبين مجلس القيادة اليمني، في إطار يمني يجمع كل الأطراف اليمنية دون تمييز وهنا تحديدا تبرز أهمية وضرورة وقيمة المساعي الحميدة، خاصة تلك التي تقوم بها سلطنة عمان، بحكم علاقاتها الوثيقة مع مختلف الأطراف اليمنية والخليجية والإقليمية وما تحظى به من ثقة من جانبها جميعها، لتجاوز الشكوك والعقبات والعراقيل التي يمكن أن تعطل إيجاد أفضل مناخ ممكن للتواصل بين الأطراف اليمنية والأطراف المعنية باليمن تمهيدا لمفاوضات أثبتت السنوات الثماني الماضية أنها السبيل الأفضل والذي لا غنى عنه للتوصل إلى توافق بشأن الحل السلمي الشامل والدائم في اليمن وإنهاء معاناة الشعب اليمني الشقيق. وهنا تحديدا فإن مما له دلالة عميقة، أن الاتصالات العمانية مستمرة ومتواصلة مع كل الأطراف المعنية بما في ذلك البيت الأبيض وأطراف دولية محددة. يضاف إلى ذلك أن سلطنة عمان أعربت في بيانها بشأن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن أملها في أن يسهم إعلان إنشاء المجلس «في دعم الجهود القائمة لمعالجة الأوضاع الإنسانية وإيجاد تسوية سياسية شاملة تحافظ على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله، تشارك فيها جميع الأطراف اليمنية بما يلبي تطلعات الشعب اليمني الشقيق في الأمن والاستقرار».

ثانيا: إن استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لرئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني فور الإعلان عن تشكيله يشير بوضوح إلى نقطتين أساسيتين، أولهما اهتمام المملكة العربية السعودية بالمجلس القيادي وبدعم خطواته المقبلة ماديا وسياسيا، وهو ما تجسد في استقبال الأمير محمد بن سلمان للمجلس، وفي الدعم المادي الذي قدمته المملكة ودولة الإمارات (ثلاثة مليارات دولار مناصفة بينهما لدعم الاقتصاد اليمني، بالإضافة إلى 300 مليون دولار قدمتها السعودية للاستجابة الإنسانية في اليمن التي تقوم بها الأمم المتحدة). والنقطة الثانية هي أن ولي العهد السعودي أعرب خلال استقباله لرئيس وأعضاء المجلس عن «تطلعه في أن يسهم تأسيسه في بداية صفحة جديدة في اليمن تنقله من الحرب للسلام والتنمية»، كما أعرب عن حرص السعودية على أن ينعم اليمن بالأمن والاستقرار، حسبما أعلنت وكالة الأنباء السعودية. وإذا كانت كلمات ولي العهد السعودي واضحة المعنى والدلالة فيما يتصل بالرغبة في «بداية صفحة جديدة في اليمن»، فإن بيان مشاورات الرياض من ناحية، وقرار الرئيس اليمني بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي وتحديد مهماته من ناحية ثانية قد أكدا على أهمية وضرورة التفاوض بين المكونات اليمنية جميعها من أجل العمل لوقف القتال والتوصل إلى حل سلمي لصالح اليمن بمكوناته المختلفة وبما يحافظ على وحدته واستقلاله. ومن ثم يكون هناك توافق واضح بين الرياض ومجلس القيادة الرئاسي اليمني والقوى اليمنية التي شاركت في مشاورات الرياض على التوجه للتفاوض وصولا إلى حل سلمي في اليمن. وهو ما يعني في جانب منه إلقاء الكرة في ملعب جماعة أنصار الله، بعد الخطوات المشار إليها والتي تمثل ضغطا على جماعة أنصار الله، سواء داخل اليمن أو على المستوى الإقليمي والدولي.

ثالثا: إنه مع الوضع في الاعتبار أن هدنة الشهرين الحالية في اليمن، حتى لو نجحت، لا تعني انتهاء القتال تماما، حتى الآن على الأقل، لأن ذلك يقتضي اتفاقا واضحا بين الطرفين برعاية الأمم المتحدة وبمباركة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية باليمن، ومعنى ذلك أنه من المهم اتخاذ خطوات أخرى لا تشكل اعتراضا من جانب جماعة أنصار الله على ما تم اتخاذه من خطوات تم إعلانها، لفتح الطريق للتلاقي والتوافق على سبل وكيفية وخطوات بناء الثقة والتمهيد للمفاوضات خاصة وأن القوات على الأرض لا تزال في مواقعها، ولا تزال احتمالية حدوث اشتباكات متفرقة قائمة، وهو ما يهز هدنة الشهرين واستمرارها في حالة اتساع تلك الاشتباكات لأية أسباب. وفي ضوء ذلك أشار رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني في أول حديث له من موقعه الجديد إلى أن المجلس سيعمل على «تحقيق مطالب اليمنيين دون استثناء أو تمييز» وأن المجلس هو «مجلس سلام لا مجلس حرب إلا أنه أيضا مجلس دفاع وقوة ووحدة صف مهمته الذود عن سيادة الوطن وحماية المواطنين»، كما دعا العليمي كافة القوى الوطنية للالتفاف حول مشروع استعادة الدولة وتوجيه كافة الجهود لاستعادة الدولة ومؤسساتها وبينما حيا العليمي كل من يقف في وجه الانقلاب والمشروع الإيراني على حد قوله، فإن رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك قال يوم الجمعة الماضي إن اليمن «يدخل مرحلة جديدة وأن السلام يعتمد على مدى ارتباط جامعة أنصار الله بأجندة إيران»، ومع إدراك معنى ودلالات هذه التصريحات، خاصة في الظروف الراهنة، فإنه من المأمول أن تنجح الجهود والمساعي العمانية ومن جانب الأطراف المخلصة الأخرى في البدء في صفحة جديدة في اليمن والتغلب على الشكوك والمخاوف والحسابات التي أثبتت عدم صحتها من أجل يمن مستقر وآمن وذلك عبر المفاوضات والتوافق اليمني والإقليمي والدولي لأن الاستقطاب الحاد في اليمن يضر كل الأطراف.

عن "عمان"