قد لا يستوعب البعض قيمة اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم ولسانه، لكنهم قد ينبهرون حين يعلمون أنها كانت لغة الأكاديميين الأوروبيين في العصور الوسطى، وكانت يومها أداتهم للمعرفة والولوج للحداثة !
في مناسبة اليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف اليوم، يُستحب التشديد على أن اللغة كائن حي، وأن حياة العربية متضمنة في حياة العرب أنفسهم؛ أفراداً ومؤسسات ومجتمعات وأنظمة، ولا أظن أن مقولة : "العربية محفوظة بالقرآن" تمنحها الحياة التي تستحقها، وأزعم أن أبسط شروط حياتها أن تكون لغة العلوم والسياسة والإدارة.
لكن المكوث عند تكريس حقيقة أن العربية لغة القرآن وأنها محفوظة به ليس فيه اشتغال عليها أو خدمة لها، بل يشبه كثيراً مزاعم المستشرقين بأن العربي كائن ديني. بكلمات أخرى، يتطلب الأمر نزع صفة القداسة عن العربية؛ لأنها لغة حياة لا مجرد لغة تعبُّد، ومنحها القداسة قد يحمل بذور اندثارها وتقليل فرص بقاءها كلغة عالمية؛ والشاهد أن تمسك الكنيسة باللغة اللاتينية في قراءة ودراسة الكتاب المقدس وأداء الطقوس، انتهى بحصر اللاتينية في إطار أعمال المجامع المسكونية وخروجها من قائمة اللغات الحية !
وفي المقابل، الأمة الحية لها لغة حية، وفرضية كهذه تعني وجوداً فعلياً وحضوراً حقيقياً؛ والشاهد أن المشروع الصهيوني تطلب منذ البداية أمراً كهذا، من خلال تحويل اللغة العبرية من لغة ميتة فعلاً تستخدم في الصوامع إلى لغة حية ذات حضور وسطوة. صحيح أن ما فعله الصهاينة كان مدهشاً، غير أن الأكثر ادهاشاً اصرار العرب على اعتبار حفظ اللغة مساو لحياتها، أو أنه كاف لتأكيد حضورها !!