مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

عدن.. دعوة الرئيس العليمي.. ما الذي يحدث في المعاشيق؟

2022/06/10 الساعة 06:05 صباحاً

١٣عاما كانت هي المدة الفاصلة بين آخر زيارة لي لمدينة عدن وهذه الزيارة..
أعود إليها هذه المرة بدعوة كريمة من الرئيس الدكتور رشاد العليمي.

وكانت عدن، المدينة الساحرة، مزارنا المتكرر، وبين فترة قصيرة وأخرى تلحظ المدينة ناهضةً بحركة تنموية لاتتوقف وانتعاشة اقتصادية وسياحية لافتة.. كان ذلك قبل أن ندخل في سنوات الفوضى والحرب..

ما إن تصل إلى المطار هذه المرة،ثم تنساب في أروقة المدينة حتى يلفحك وقع الحرب والمعاناة وغياب الدولة عن عدن التي كانت حاضرة التمدن والسابقة إلى التطور في كل تاريخ الجزيرة العربية..

الأسى يلف المدينة، تبدو شاحبة منهكة، بالكاد تشعر أنها بدأت تستعيد أنفاسها، وأهلها الصابرون يكابدون الحياة بسماحتهم المعهودة، وطيبتهم، وتراهم يسيحون في شوارعها الملتهبة بتؤدة وأمل قليل..

صعدنا إلى قصر المعاشيق، حيث تقيم السلطة الجديدة، المجلس الرئاسي، والحكومة بطواقمها المختلفة .. آثار الحرب امتدت إلى هذا المكان الحصين أيضاً، والمعاشيق منطقة جبلية ساحرة هي آخر نقطة يابسة في الجزيرة العربية تستلقي بكبرياء على خليج عدن..

هناك التقينا رئيس مجلس القيادة الرئاسي ومساعديه، استقبلنا بحفاوة بالغة وتواضع، ودار الحديث في شئون المرحلة الراهنة وتعقيداتها، وهموم الناس الآنية وآمالهم، والتحديات الكبيرة المستحقة.. 

في الحقيقة؛ ربما تكون هذه السلطة الوحيدة في العالم غير المحسودة، ما أن تستمع إلى التحديات والمشكلات والمهام المطلوبة وما ينتظره الناس الذين تطحنهم المعاناة وحالة غياب أداء الدولة، كل ذلك يشكل ثقلاً كالجبال على هذا المجلس الرئاسي المتنوع والحكومة المؤتلفة..

 تستمع إلى حديث الرئيس المزدحم بالهم والمسئولية والتصميم أيضاً.. وتلمح في آنٍ من وراء شباك القصر هموم الناس المتراكبة وتطلعاتهم المستعجلة وآلامهم وصبرهم، وتحاول أن تقارب بين رغبة التحدي والإصرار على النجاح ومشكلات الناس التي تثقل حتى البحر الممتد أمام ناظريك..

طاف بنا الرئيس في التحديات الرئيسية الكبرى والثانوية، وخططه الاستراتيجية لمعالجة الأولويات الملحة، وتحدث عن تفاصيل وشواهد كثيرة، لكن المبشر هنا أنك أمام رئيس يدرك تماماً تفاصيل معاناة الناس كاملة، وما الذي يريدونه في هذه المرحلة تحديداً، وهذه نقطة مهمة في علاقة السلطة بالشعب، حين تتصل دون حجب لابد أن تُحدث نفعاً.

إذ تأتي عودة الخدمات الأساسية للناس في عدن خصوصاً، وبقية المحافظات وبشكل عاجل، على رأس الأولويات، واستمعنا إلى تفاصيل كثيرة في المعالجات التي تشوبها كتلة كبيرة من التعقيدات وعرقلة أصحاب المنافع، ومعها تأتي ضرورة عودة الدولة بكامل أجهزتها وسلطاتها، لأجل تطبيع حياة الناس وخدمتهم، وإنهاء حالة الانقسام والتشظي  في المؤسسات المختلفة والجيش والأمن وغيرها، وصرف رواتب الناس بانتظام، وإنعاش الحياة من جديد لخلق فرص العمل وتحريك عجلة التنمية، والتركيز على استقطاب الدعم الخارجي بطرق شفافة ومثالية وبأوعية مستدامة، للمساعدة في ردم فجوة الاقتصاد المنهار وإنعاشه، ومحاربة الفساد بحزم والتفلت والفوضى، التي أصبحت ظواهر طبيعية في السنوات الماضية.
 واستمعنا لأمثلة عن معالجات كثيرة في هذه الجوانب.. ما يدعو إلى تفاؤل مصحوب بالكثير من الرجاء أن تستمر وتيرة الانسجام والتآلف، وأن تتصاعد مستويات العمل على هذه الملفات بشكل أسرع.. 

صحيح أن الناس لم يلمسوا حتى الآن الكثير من آثار هذه الخطوات.. لكن أثرها سيصل حتماً إذا ما استمر هذا الأداء، وربما يتضاعف مع إعادة ترتيب الدولة لنفسها وهياكلها وضبط أدائها يوماً بعد يوم .. وطبيعي أن تأخذ كل هذه المعالجات أوقاتاً ومدد لأنها تمر بتعقيدات كثيرة جراء تعطل الدولة وتشظيها ..

هذه مهمات مستعجلة يقوم بها الرئيس ومعه المجلس الرئاسي ويتفانى مساعدوه في العمل عليها بشكل مستمر ..

أما على الصعيد السياسي فيمكن اختصار مادار، في أن الرئيس ومعه أعضاء المجلس يمضون وفقاً لمهمة استعادة الدولة سلماً أو حرباً كما أُعلن منذ أول يوم للمجلس، وكررها لنا الرئيس بتفاصيل مهمة وليس مجرد شعار رُفع، ما يدعوني للقول هنا أن كثيرًا من الأخبار التي يلوكها الإعلام من كل جهة لاتبدو لها علاقة بما يدور في المعاشيق، فكثير من الإعلام يختلق الصراعات والأزمات ويرسم الخيبات ويبث الأسى من العدم، بينما وجدنا الأمر مختلفاً لدى السلطة، ويدعو للتفاؤل الواقعي، وإلى ضرورة الوقوف مع هذه السلطة وإسنادها والتخلي عن النزعات والأحقاد، طالما مضت هذه السلطة في صالح الناس ولأجل خدمتهم ورفع معاناتهم، وإن قصّرت فليكن موقف الناس واضحاً أيضاً في نقدها ومحاسبتها حتى ..
ينبغي أن تكون العلاقة هكذا واضحة دون مبالغة في التزلف أو المبالغة في السخط غير المبرر سواء بسواء ..

لم يغفل الرئيس، وهو أول رئيس أكاديمي لليمن بهذه الدرجة العلمية، والمتخصص في علم الاجتماع المهم من جامعة عريقة كعين شمس، التي أشرُفُ بتخرجي فيها أيضا ومن ذات الكلية "الآداب"؛ لم يغفل أن يُطعم حديثه الشامل بالمقارنات التاريخية، والمقاربات العلمية لكثير من الظواهر السياسية وحركة الأحداث، بوعي علمي لطبيعة المرحلة الراهنة اليمنية ومعالجاتها، وهو صاحب كتاب أساليب حل النزاعات في اليمن !
 وربما خضنا في بعض التفاصيل التاريخية، التي كانت تستدعيها الأحداث، وسررتُ حين أهديته كتابين لي، طالعهما باهتمام وأثار بعض الأسئلة، ووجدته مطلعاً على حركة النشر والتأليف المحلية بالأخص، وبدا متحسراً على الوقت الذي لن يستطيع استقطاعه حالياً للقراءة المحببة لديه..

قبل أن تجمعنا مائدة صغيرة ومتواضعة للغداء، أشار إلى المطبخ الصغير الذي صمم على إنشائه بديلاً عن مكان للمقيل، حيث لم يكن هناك مطبخ في هذا القصر الصغير، كما لو أنه لم يكن صالحاً للبقاء سابقاً.. وكانت هذه إشارة مهمة إلى أنه وسلطته باقون في الوطن بلا مغادرة، وقد وطنوا انفسهم على ذلك.

قبل انصرافنا طلب منا أن نزور أحياء عدن ونتمشى في أزقتها ونستمع للناس وحاجاتهم، وننقل له كل هذه الآراء وما نراه من توصيات..

عند اللقاء الثاني بعد أيام؛ كان أول سؤال هو عن هذه المهمة، قلتُ: إن الناس يعيشون في وضع بائس وفي صعوبات جمة، وهم في حالة من الحذر حتى من التفاؤل، ولايمكن القول إن هذا التغيير في السلطة قد حرك ثقة اليمنيين للأمام، فقد أصاب ثقة اليمنيين وتفاؤلهم عدد كبير من الصدمات والخيبات، أضف حالة الحرب التي طحنت كل الآمال ومعها تناسجت الخطابات والمشاريع والمواقف السياسية، فبات الشارع اليمني في حالة من اللامبالاة أو التغافل المتعمد مع حالة من اليأس المصاحبة نتيجة سنوات من الضياع والمعاناة..
وصار اليمنيون الآن كما لو أنهم لم يعودوا يقدموا مشاعرهم أو عاطفتهم قبل أن يلمسوا الحقائق لمساً، ربما تعطلت لديهم حاسة الأمل مؤقتاً بفعل الضرر النفسي الكبير.. وعلى الرئيس والسلطات المعنية كي يكسبوا ثقة الناس ويعيدوا لهم الأمل؛ أن يحققوا للناس أولى الأولويات بشكل عاجل ..الكهرباء والخدمات والرواتب والأمن وفرص العمل، إذ لا يعني الناس مايدور في السياسة بقدر مايريدون حاجتهم..... فأكد الرئيس على هذا الكلام وقال هذه هي المهمات المستعجلة، وهذا هو التحدي الكبير، وهم مصممون على خدمة الناس وتحقيق تطلعاتهم بكل السبل، ولابد من الصبر أيضاً إذ لايمكن أن تتحسسن الأمور بين ليلة وضحاها، وهذا أمله بالناس .. 

وبدا الرئيس متحمساً وراغباً في إدارة للدولة بأساليب حديثة، بعيدة عن حالة الإدارة القبلية التي عهدناها، وهو الخبير والأكاديمي الذي عمل في الدولة في مناصب رفيعة من قبل، ومهمات عديدة من الأمن وليس انتهاءً بالاقتصاد.. وبات يدرك مكامن الخلل وكيف يتعامل مع الناس ومع ضغوطهم الشخصية وطلباتهم الذاتية التي تنهال عليه، وكيف يتعامل مع عشوائية الإدارة، والمبالغات في صرف المال العام وإهداره، وأمثلة ذلك سمعتها منه، ولاحظتها أثناء سؤالي عن كيف ستعمل اللجان التي تتشكل اليوم، وعقدتنا الأزلية في اليمن والمنطقة هي اللجان التي تقتل كل مهمة، فقال إنه يتخذ سياسة التزمين والمتابعة وإلزام كل لجنة أو كل قطاع بخطة زمنية مقيدة، مع الحرص أيضا أن يضغط الوقت لصالح الإنجاز حتى قبل الاستحقاق الزمني الفعلي، وأشار إلى تجربة مصر اللافتة في هذه المسألة ..

المبهج أيضاً .. أن الرئيس ومعاونيه، مدير مكتبه الدكتور يحيى الشعيبي وسكرتيره اللواء صالح المقالح ومن معهم، لا يتناولون القات بالمطلق، وبالتالي فأوقاتهم مملوءة بالعمل والمتابعة، اجتماعات وانشطة لاتتوقف من الصباح الباكر حتى فترة العصر، ثم متابعات وأعمال ومهام مسائية مستمرة..

"ربما تكون هذه فرصتنا الأخيرة كيمنيين ولاخيار إلا أن ننجح وسننجح"، كانت هذه العبارة هي الأهم التي تختزل رؤية وأداء الرئيس ومن معه، قالها في تلافيف حديثه الشخصي بعد سؤالي له، ووقفت عندها بأمل كبير.. 

بدورنا ندعو لهم بالتوفيق، وسنؤازر كل من يسعى لخدمة الوطن بإخلاص، ولن تمنعنا أي علاقات عن قول ما ينبغي قوله عند تقصير أو خذلان .. أو هكذا ينبغي أن تكون مواقفنا جميعاً !