مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

حماة الأعراض الطاعنون فيها

2022/06/26 الساعة 10:29 صباحاً

مفارقة عجيبة في التعاطي مع الأعْراض؛ إذ نُغرق ونَغرق في حالة الإنقاذ، نغرق في التنظير لحرمة الأعراض، وتأصيل ذلك دينًا وعرفًا وقانونًا، ونفيض في التحذير من خطورة الاقتراب منها، وبيان أثر ذلك في استقرار الفرد والمجتمع، وحشد النصوص التي تسند ذلك، ومنها أن من مات دون عرضه فهو شهيد (مع رفع الصوت ومده وتكراره عند الخطابة أو الوعظ)، وأن العرض أحد الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها، وأن من يحاول خلسة الاطلاع على الأعراض وكشف سترها الممنوح لها أصبح هدرًا؛ لكون اجتاز مكانًا محظورًا، ودخل في مربع يمس الأمن العام، ويزعزع كيان الحياة؛ وكل ذلك تأكيد واضح على مكانة الأعراض وما تحظى به من إحاطة وسياج قداسة.

وفجأة نندفع لنخرق تلك القداسة، ونسقط من أعلى شاهق بنيناه ونظرنا له، ونرتطم بالأرض ونصاب بإعاقات تصيب جسد القيم، وبسببها ندبُّ في الأرض مشوِّهين صورة الإسلام بحجة الدفاع عنه.

بإعاقاتنا الطارئة نندفع للدفاع عن الأعراض، حرصًا وغيرة، ولكن، بتأمل يسير ندرك جنايتنا على الأعراض، وأننا نطعن فيها من حيث لا نشعر؛ لكوننا واقعين تحت وطأة تخدير الاندفاع بلا خطام؛ ولذا قد نتسبب في فكفكة الأسر التي يتسرَّب إليها الشك المنبعث من حماسنا وغيرتنا المنفلتة من قيود النصوص السابقة، ومن غير أن ندرك أننا كنا سببًا في نزع الثقة من أفرادها، وفتحنا أبوابًا من فضاء الأسئلة التي لا تتوقف عند بعض أرباب الأسر- مع التأكيد أن هناك أسرًا لا تخترقها الرصاصات الطائشة ولا يفت عضد كيانها الكلمات غير المسؤولة-، وأحدثنا صراعًا داخليًا يفيض بـ (كيف؟ وماذا؟ ولماذا؟ ولو؟) (ولا، ويمكنـ ولا يمكن، وأكيد، وربما، ولا يعقل)، وكلها تساؤلات وإجابات تزعزع استقرار الأسر.
أيها الغيور على الأعراض، فقط عليك أن تعرف أوَّلا ما للأعراض من مكانة قبل الصياح والصراخ والعويل، وإن كنت تعرفها فعليك ألا تسقط في المحك العملي، وتصبح النصوص وبالًا عليك، وتجعلنا نرسم لك صورة مطابقة لمن يحمل النصوص ولا يفيد منها، ولا أظنك تجهل تلك الصورة؟
على رسلك أيها الغيور، والراغب في طُهر المجتمع فذلك مقصد نبيل وغايتنا جميعًا، لكن الأفعال والأقوال غير المنضبطة بقيم الشريعة ومقاصدها قد تجعلك تطعن فيما أردت حمايته والذود عنه، وتهلك المجتمع بفِعالك ومقالك، ومن قال (هلك الناس فهو أَهْلَكَهم أو أهلَكُهم).
لا تخرقوا حياة المجتمع، ولا تقدسوا الأعراض ثم تنجِّسوها بسوء أفعال أو أقوال، ولا تعلوا من شأنها –وهي العالية- ثم تحطُّوا من مكانتها، في مشهد يحكي ما نعيشه من مفارقة وتناقض في حياتنا، وحالة التيهان وفقدان البوصلة.
مشهد لا يحتاج إلى تأكيد، ويكفي لمعرفة تلك المفارقة أخذ جولة فضائية في صفحات التواصل لتروا صورتنا وكيف نخرق مبادئنا ونناقض أنفسنا، مع التنبيه على ضرورة سد الأنوف عند المرور ببعضها، وغض الأبصار تارة إشفاقًا على الغيور الواقع تحت تأثير الموجة والناقل لما لا يعي أحيانًا من صور مخجلة حقيقية أو مصنوعة، متناسيًا أن لهذه وتلك ولهن أسر يتابعون ما يكتب ولهم مشاعرهم وأحاسيسهم. 
واقع يطفح بالمشاهد المفبركة للنيل من الأعراض، والتجاوزات المربكة للحياة، في إخلال واضح بمنظومة القيم التي نزهم الانتماء إليها، وكل ذلك بدافع حماية الأعراض وصونها.

قفوا، إنها الأعراض، يمنع الاقتراب منها، يسعكم أن تتحدثوا عن بناء الثقة في أفراد الأسرة، ليصبحوا حملة لقيمنا ورسلًا لصناعة الصورة المشرقة عن ديننا، ويسعكم أن تتحدَّثوا عن خطورة المشاريع التي تستهدف المجتمعات من غير أن تتحولوا إلى أداة من أدواتها من حيث لا تشعرون.

قفوا، إنها البيوت والأسر