مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

ولاية علي بن أبي طالب بين تزوير الإمامة والحقيقة التاريخية (الحلقة الأولى) 

2022/07/16 الساعة 08:11 مساءً

مقدمة
كان وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- حدثاً مزلزلاً بالنسبة للمسلمين أربك كل أوراقهم، حتى إن بعض كبار الصحابة لم يسلم بموت النبي - صلى الله عليه وسلم- وإنما ذهب لمناجاة ربه كما فعل موسى بن عمران، وعلى هذا الموقف كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تركت وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- فراغاً روحياً وقيادياً، وفراغاً في السلطة لم يحسب له المسلمون حساباً بعد وفاته، ووجد الصحابة والمسلمون أنفسهم أمام معضلة حقيقية في إدارة المسلمين ودولة الإسلام؛ فالذي كان يديرهم ويرعاهم وينظم شؤونهم وأمورهم ودولتهم نبي مرسل مؤيد بوحي من السماء، يتلقى كل صغيرة وكبيرة في تنظيم وتشريع حياة الناس، فكان على من سيأتي بعده لا بد أن يكون أقرب إلى مكانة النبي وأكثر الناس التصاقاً به، بما يعرف اليوم بالرجل الثاني في المكانة.
غير أن الوحدة الاجتماعية للمسلمين كانت مكونة من جناحين رئيسين يحلق بهما المسلمون على الدوام قبل وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهما جناحا المهاجرين والأنصار، وفجأة يجد المسلمون من هذين الجناحين أمام معضلة إدارة المسلمين ومصالحهم.
كان الأنصار يرون لأنفسهم الحق في إدارة هذا الأمر، وتولي أمور المسلمين؛ كونهم أصحاب الأرض وأصحاب النصرة والقوة والغلبة والرعاية واستضافة النبي وأصحابه المهاجرين، وهذا سينعكس في خطابهم للترشح للخلافة.
سارع المسلمون لتلافي هذه المعضلة، فانقسم الناس إلى فريقين ومكونين في الترشيح وليس للأشخاص؛ مهاجرين وأنصاراً.
سارع الطرفان لحسم الأمر قبل أن يتحول إلى صراعٍ دامٍ يودي بالأمة إلى الهلاك المبين، حتى إن المعضلة الكبيرة في طريقها إلى التكون والظهور، وهي الردة عن الإسلام من معظم القبائل التي كانت دخلت الإسلام، واعتبرت أنها في حلٍ من أمرِها بعد وفاة النبي.
تعارك الناس في المواقف، وتصارعوا بالحجج والمواقف وبعض الألفاظ، والتلويح من قبل بعض الأنصار باستخدام السيف، كما فعل الحباب بن المنذر، ولهذا السبب تحديداً قال عمر بن الخطاب: "كانت فلتة وقى الله المؤمنين شرها"( ).
بدأ الجميع يعرض حجته ومصالح الناس، وكان البرهان هو سيد الموقف؛ إذا اقتنع الناس بالحجة والمنطق بحسب ظروف اللحظة سلم أحد الطرفين للآخر بحكم التربية الإيمانية لجيل صنعه النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من السماء.
في هذه اللحظات لم يكن علي ولا غيره مرشحين، وكان من الاستحالة بمكان – حسب ظروف اللحظة وفقه الصحابة- أن يتقدم علي بن أبي طالب على أبي بكر، وهو الذي رفض مقترح عمه العباس بن عبد المطلب أن يذهبا للنبي لجعل الولاية فيهم كأقرباء له، فأبى علي حتى لا يجد صداً من النبي تكون حجة على بني هاشم أبد الدهر، ففضل أن يبقى الأمر مفتوحاً، فلم يجمعوا عليه والميدان خالٍ له بعد مقتل عثمان دون منافس، وقبل عثمان، فكيف به في عهد أبي بكر وعمر!
سنجد هذا الأمر لاحقاً عند ظهور الشيعة بعد استشهاد علي - رضي الله عنه- بقرن من الزمان، وظهور وتكوين نظريتهم السياسية الشيعية، كنظرية ثقافية فكرية وسياسية عسكرية (الإمامة) تقسم الأمة إلى فريقين؛ فريق السنة وفريق الشيعة، وتدعي أن الحق للبطنين، وتفرز الناس والحقوق على هذا الأساس، وستدور فيها معارك دامية لن تستقر الأمة من خلالها حتى قيام الساعة، وكل فريق يرى الأحقية لنفسه.
دفعت بلادنا – اليمن - الأثمان الباهظة جراء هذا الانقسام والادعاء الإمامي عبر التاريخ، وجعل الأئمة بلادنا مرتعاً لكل متسلق على النسب الهاشمي، دعي للإمامة، ومسرحاً لكل الأحداث الدامية، حتى دمروا وطننا وجعلوه في ذيل القائمة العربية، وهو الوطن الذي كان قبل دخول الإمامة اليمن قائد الحضارة الإنسانية العالمية، ويعتبر من الدول العالمية العظمى يومها، كان له النصيب الأكبر في التأثير في الحضارة الإنسانية وصنعها من الصفر؛ فقد كان الإنسان اليمني أول من ابتكر الأبجدية العالمية (الخط)، وأول من عرف النظام الاقتصادي والتجارة العالمية وقنن لها، وشرع للإنسان في حياته الدينية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية.
من يراجع النصوص اليمنية في النقوش المسندية سيجد أن التشريع الإسلامي ارتكز في كل مجالاته على الحضارة اليمنية، وجاء الإسلام مقتفياً لكل الإيجابيات العالمية التي نظمها الإنسان اليمني الأول، وهو ما صدقه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
لا يدرك مدى الجريمة والنكبة التي أحدثتها الإمامة في اليمن إلا من قرأ التاريخ اليمني ووعاه وفقهه وحفظه عن ظهر قلب، أين كان اليمن وأين صار اليوم بسببها، لذلك ألمنا كمؤرخين وباحثين ليس هيناً أبداً من قبل هذه الشرذمة الطارئة الدعية.
نحن هنا في هذا البحث إنما نفكك هذه الحلقات ونفندها منذ ظهورها في بداياتها الأولى، في سلسلة أبحاث متتابعة – إن شاء الله-، ليعلم الناس متى تأسست هذه النظرية، وهل كان الحق لعلي أم لغيره، ومدى ادعاءات الشيعة بوصاية النبي لعلي في الحديث أو ما يتم تأوله في القرآن من قبلهم في تزوير مبين.
وبمناسبة يوم الولاية التي تحتفل بها الشيعة، وعلى وجه الخصوص الحوثية الإمامية عندنا في اليمن في كل عام، وهي يوم الغدير (غدير خم ) الذي يصادف الثامن عشر من ذي الحجة من كل عام، أردنا أن نبين هذا الأمر بالدراسة والتمحيص، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
أولاً: بيعة السقيفة.. نظرة في الخلافة والترشيح
يذهب بعض الكتاب اليوم، بطريقة عاطفية، وبعيداً عن العوامل الموضوعية وظروف اللحظة التي تمت في بيعة السقيفة عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن بيعة السقيفة تمت بشكل مستعجل استخدمت فيها الحيل لانتزاع حق الخلافة من الأنصار وعلي بن أبي طالب يومها.
يلتقي أصحاب هذا الرأي مع آراء الشيعة المتعصبين لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه- دون أن يذهب الجميع إلى التدقيق في الحادثة والنظر إليها بظروفها تلك في ذلك الزمن لا بظروف اللحظة اليوم وعوامل اليوم.
لقد كانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أمراً جللاً وحدثاً مزلزلاً حتى أن بعض الصحابة لم يصدق وفات