مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

اليمن امتحان لإيران ونياتها

2023/03/29 الساعة 02:16 مساءً

ليس مستغرباً التصعيد الحوثي في اليمن بعيد توقيع البيان الثلاثي السعودي – الصيني – الإيراني. يهيّئ الحوثيون، وهم ليسوا سوى أداة إيرانية تعمل تحت تسمية "جماعة أنصار الله"، لتعزيز مواقعهم في المناطق اليمنيّة التي يسيطرون عليها من جهة وإعداد نفسهم لمرحلة المفاوضات المحتملة مع المملكة العربيّة السعودية للتوصل إلى تسوية شاملة في ذلك البلد من جهة أخرى.
 
كان لافتاً، قبل أيّام، نجاة وزير الدفاع اليمني محسن الداعري ورئيس أركان الجيش صغير بن عزيز من هجوم شنته ميليشيا الحوثي بطائرة مسيّرة استهدفت موكبهما في منطقة الكدحة جنوب مدينة تعز. كذلك، نجا محافظ تعز نبيل شمسان الذي كان في الموكب نفسه مع وزير الدفاع ورئيس الأركان المشهود له بكفاءاته العسكريّة.
 
كان الموكب المستهدف قادماً من مدينة المخا في الساحل الغربي لمحافظة تعز إلى مدينة تعز نفسها التي تحاصرها ميليشيات الحوثي جزئياً منذ سنوات عدّة. تزامن الهجوم على موكب وزير الدفاع مع قصف جوي آخر لميليشيات الحوثي استهدف مواقع القوات الحكومية غرب مدينة تعز.
 
قبل ساعات من محاولة إغتيال وزير الدفاع ورئيس الأركان ومحافظ تعز، عُقد اجتماعٌ ذو طابع عسكري في مدينة المخا، وفيها ميناء مهمّ، بل استراتيجي، على البحر الأحمر يتحكّم بمضيق باب المندب. خصص الاجتماع للبحث في الوسائل المناسبة للتعامل مع التصعيد العسكري لميليشيا الحوثي، الذي يشمل أيضاً محافظتي مأرب وشبوة.
 
تكشف محاولة الاغتيال وجود اختراقات حوثيّة لـ"الشرعيّة" التي تظهر يومياً غياب أي فعاليّة لها. ثمة معلومات دقيقة سمحت للحوثيين باستهداف الموكب مع تركيز خاص على سيّارة محافظ تعز الذي لا يكنّ لـ"الإخوان المسلمون" ودّاً له. ما الذي تريده "جماعة أنصار الله" من خلال التصعيد في هذا التوقيت بالذات، بعد أسبوعين من صدور البيان الثلاثي؟
 
الواضح أنّ ايران تستعد لمرحلة ما بعد إعادة العلاقات الدبلوماسيّة مع السعوديّة واحتمال التوصل إلى تسوية ما في اليمن تكرّس وقفاً لإطلاق النار. الأهمّ من ذلك كلّه أنّها تريد فرض أمر واقع في اليمن. من يستعرض، وإن سريعاً، كيف تحرّك الحوثيون في اليمن منذ الانقلاب الذي نفذه "الإخوان المسلمون" على علي عبدالله صالح في العام 2011، يكتشف أنّ هؤلاء استغلوا دائماً كل الفرص التي اتيحت لهم أفضل إستغلال وصولاً إلى وضع اليد على صنعاء في 21  أيلول (سبتمبر) 2014. حدث ذلك بفضل الرئيس السابق عبد ربّه منصور هادي، وهو رجل ساذج لا علاقة له بالسياسة من قريب أو بعيد.
 
في كلّ ما قام به الحوثيون، كان "الإخوان المسلمون" حليفهم الأوّل من تحت الطاولة أو من فوقها. ليس سرّاً أنّه كان لدى "الإخوان"، في العام 2014، عشرات آلاف المقاتلين في صنعاء. لماذا لم يواجهوا الحوثيين في العاصمة اليمنيّة وفضلوا الانسحاب منها وقتذاك؟ قد يفسّر ذلك كلام لقيادي إخواني يمني قال إنّنا لسنا "بوفاس"، وهو مرهم هندي يستخدمه اليمنيون في معالجة كلّ أنواع الآلام التي تصيب الجسد!
 
لم تكن "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران بعيدة يوماً من التحالفات التي أقامها الحوثيون. يدلّ إلى ذلك وجود "حماس" في صنعاء. لا تمرّ مناسبة مهمّة إلّا ويكون ممثل "حماس" حاضراً. يشغل ممثل "حماس"، الذي يعتبره الحوثيون "سفير فلسطين"، المنزل الذي كان يقيم فيه ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، في أثناء زياراته لليمن. واضح أنّ لحضور ممثل "حماس" معنى خاصاً. إنّه يؤكد عمق العلاقة بين "جماعة أنصار الله" من جهة و"الإخوان المسلمين" من جهة أخرى.  
 
كان الكلام المتداول، مباشرة بعد توقيع البيان السعودي – الصيني – الإيراني في بيجينغ في السادس من آذار (مارس) الجاري، على أنّ الاهتمام سيكون في البداية على اليمن. هذا الملفّ يهمّ الرياض قبل أي ملفّ آخر. كلّ ما يمكن قوله، في ضوء التصعيد الحوثي، إنّ هذا الملفّ شائك إلى أبعد حدود وإنّ "الجمهوريّة الإسلاميّة"، على خلاف ما كان سائداً، غير مستعدة لتقديم تنازلات في اليمن. تريد فرض شروطها في أي تسويّة يمكن التوصل اليها مستقبلاً. في الحسابات الإيرانية، تمثّل المناطق اليمنية التي تسيطر عليها "جماعة أنصار الله" كياناً مستقلّاً تحت سيطرة "الجمهوريّة الإسلاميّة" لا مجال للتخلي عنه. لا يشبه الكيان الحوثي في اليمن سوى الكيان الذي أقامته "حماس" في قطاع غزّة، منذ منتصف العام 2007، وهو كيان يشكل قاسماً مشتركاً بين "الحرس الثوري" الإيراني والتنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمين".
 
سيكون اليمن الامتحان الأول لمدى صدق إيران في تعاطيها مع المملكة العربيّة السعوديّة، عبر الصين. كذلك سيكون امتحاناً للصين نفسها ومدى جدّيتها وأهمّية دورها. هل التصعيد الحوثي أمر تكتيكي أم أنّه جزء من استراتيجيّة إيرانيّة تتجاوز اليمن وتصل إلى الوجود العسكري الأميركي في سوريا، على سبيل المثال وليس الحصر؟
في النهاية، هل من دور للصين في لجم إيران ومشروعها التوسّعي؟
 
من هنا أهمّية اليمن في معرفة نيات "الجمهوريّة الإسلامية" ومدى التزامها ما ورد في البيان الثلاثي عن "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخليّة".
 

عن "النهار العربي"