لا أصلح كزوج، حياتي صاخبة مجنونة بالمغامرات والخطورة والجدل، أشفق على من ترتبط بي، تتزوج جحيم متنقل، صراعات فكرية وسياسية ودينية تنتج مخاطر أمنية، كما أني لست رومانسيًا، ولا أستطيع التعبير عن الحب بالكلمات، بل بالمواقف والاهتمام بالآخر ومستقبله وتأمين حياته، ليعش مرفهًا آمنًا مستقرًا في حياتي وبعد موتي، الذي سيكون حتمًا على يد أحد المتطرفين، بطعنة خنجر أو طلقة رصاص من مسدس كاتم للصوت في الرأس تنثر عقلي المجنون في الشارع، وتحاط جثتي بشريط أمني مكتوب عليه ( مسرح جريمة ممنوع الاقتراب)، فليس لائقًا بي أن أموت بجلطة على فراشي أو بصدمة باص لندني أحمر من دورين، وأوصي من الآن بعدم اعدام هذا المتطرف، بل بسجنه حتى يتغير -لكي لا يقتل غيري- ومن ثم يطلق سراحه، لأني أراه الضحية الثانية بعدي، ضحية مدارس وحكومات ومناهج تصنع الإرهاب والتطرف، بما في ذلك بعض المدارس الإسلامية في الدول الغربية.
أنا فاشل كزوج، كحبيب، فاشل كشريك لإنسان آخر لا يحب الظهور مطلقًا، ولا أدري كيف جمعنا القدر، وهل اجتماع النقيضين إيجابي ليغطي كل منا نقص الآخر، لتكتمل أركان الأسرة، أحدهم بصخبه وجنونه ونشاطه التجاري المبكر والسياسي المتأخر استطاع اخراج أسرته من دولة متخلفة يحكمها الإسلام السياسي ويذبحها صراع الطوائف وتعصف بها الحروب والأزمات منذ قرون، ولا أمل قريب في استقرارها، وايصالهم عبر طائرة ورحلة خمسة نجوم لدولة حديثة وآمنة ومنزل واسع لكل فرد غرفته الخاصة في قلب لندن التي ترهق أسعارها حتى بعض الأغنياء، والحياة فيها مستقرة وواضحة لدرجة الملل لعدم وجود مفاجآت، وسيحصلون على جنسيتها قريبًا ليشعروا بأمان دائم افتقدوه منذ لحظة ولادتهم، ولتنتهي مسيرة طويلة من الترحال ونقل البيت بين عدة مدن يمنية ودول عربية، وتغير مدارسهم وأصدقائهم كل سنتين تقريبًا، والآخر (الزوجة) بهدوئه يربي الأولاد ويقوم برعاية الأسرة ومتابعة احتياجاتهم اليومية ويعيش معهم لحظة بلحظة، ما يمنح كل فرد شعور بالاستقرار الذي افتقدناه بسبب كثرة التنقل، فخلال عقدين من الزمن لم يكن لنا وطن مستقر، كانت تهاني البخيتي زوجتي ورفيقة دربي هي وطننا المتنقل.
لا أدري، هل اضحك على نفسي بتلك التبريرات أم هي فعلًا ميزات، لكني مقتنع بها، فلو ارتبطت بمجنونة مثلي، لكانت زميلتي في السجون والمعتقلات، ولا أتصور أننا تمكنا من بناء أسرة من ثمانية أفراد، زوجين وخمسة ابناء بيلوجيين وبنت متبناه، كلهم في المسار الصحيح الآن، من تعليم وتربيه ومستقبل مشرق، ليس بفضلي، بل بفضلها هي، التي لا يعرفها أحد عدى الأقارب، هي من تغمر البيت بحبها وروحها ودفئها وتربية ومتابعة الأولاد في تعليمهم ومدارسهم، وأنا أغمره بالمال والعقل وتقبيل الصغيرة ديانا، وكثيرًا من الصخب والجنون، وأكثر ما يسمعوه مني (صمت المايك) أثناء نقاشاتي في مساحات تويتر.
يعيش البيت في طوارئ بسبب نقاشاتي في مساحات والبث المباشر في تيك توك، عشر ساعات في كثير من الأيام، وأحيانًا أكثر، ولذلك ابحث عن مكان خاص كمكتب لأمارس جنوني فيه بعيدًا عن الأسرة، وهذا هو حالي دائمًا، يكون لي مكتب مستقل خارج المنزل، منذ ان كنت في ذمار وصنعاء وبيروت وعمان والشطر الأول من حياتي في لندن، لم أخالف القاعدة إلا في سنتي الأخيرة، وها أنا سأعود لعادتي.
لتهاني زوجتي وروحي: أنا مدين لك بالكثير، ولولاك لما كنت أنا، الأب المحب لأولاده الفخور بهم، ويمكن أني الآن مجنون أو مضطرب نفسي بسبب صخب حياته والمشاكل التي يدخل فيها عن قصد، فدفئ الأسرة، ورؤية أولادي يكبرون أمامي، ويتقدمون في حياتهم، وكلهم رائعين، مع أن عددهم كبير لكن لم يخيب أحد منهم ظننا فيه، ووجود طفل في بيتي كل اربع إلى خمس سنوات، يمنحني حب جديد في حياتي، فهذه السنوات الأربع غمرتني ديانا بكل شيء، هي من تجعل الحياة جميلة ولها معنى، وقريبًا سيكون لي احفاد، مع أني لا أنصح ابنائي بالانجاب إلا طفل واحد أو طفلين كحد أعلى، وذلك بعد أن يستقروا ويشعروا أن لديهم قدرة على تربيتهم وتأمين حياتهم، لأني أرى أن الانجاب مسؤولية، فإذا لم يكن لك القدرة على ضمان مستقبل زاهر لأبناءك وقدرة على اخراجهم لمكان آمن عن الضرورة ومستوى معيشة متوسط على الأقل فلا تنجبهم ليكونوا من الطبقة الفقيرة الكادحة، ليس لأني لا أحب الكادحين، لكن لأني اشعر بالأسى عليهم وكيف يتم استغلالهم من الطبقات الأعلى، ولا أريد لأي أحد من أحفادي -ولا من غيرهم- أن يكون ضعيفًا عاجزًا مستَغَلًا من الأكثر غنى منه، أفضل أن يكون حيوانات منوية ترمى في كوندوم في سلة المهملات على أن ارميه في حياة الفقر والقلق والاستغلال والمعاناة، فالانجاب الغير محسوب أخطر أنواع التصرفات أنانية، تأتي بطفل ليغمر حياتك بالسعادة لبضع سنين ثم تتركه فريسة سهلة لحياة المكابدة والاستغلال والتحرش والاستعباد الحديث ونهش الأغنياء وأصحاب رأس المال والشركات والجماعات الدينية والأنظمة السياسية المستبدة.
هذه المقالة اعتذار لزوجتي تهاني بشكل رئيسي ولأولادي بدرجة أقل، عن كل ما كابدته برفقة مجنون لعشرين عامًا، كل عام وهو في حزب مختلف وفكر مختلف وتحالفات مختلفة ودول مختلفة، بإمكانك أن تطلقيني، وتقولي لي ارحل عن حياتي كزوج، ولنبقى أصدقاء نربي أبناءنا معًا، لكني لست مستعدة أن أبقى مع جنونك.
ولن أغضب منك، فأنت على حق، وسبق وقلت لأولادي أني أتسبب بمعاناة كبيرة لوالدتكم بل ولكم، لكن هذه هي الحياة، وهذا هو مقابل ما أنتم فيه من استقرار وأمان وبلد رائع كبريطانيا التي ستحملون جنسيتها قريبًا، فلو كنت هادئ ومستقر على عصبية ما، سياسية أو فكرية أو طائفية، أني الآن في ذمار أو صنعاء، أصارع وتصارعون معي جماعة الكهف، وزعيمها المعتوه عبدالملك، وتحتفلون جبرًا بمولد محمد النبي، وتلطخون منزلنا باللون الأخضر، وقد يكون ابني الكبير يرقد الآن في احدى المقابر التي افتتحها عمه (محمد البخيتي) في ذمار لمن يسمونهم "الشهداء"، فالمقابر هي المشاريع الوحيدة التي بنجح الحوثيون في افتتاحها.
أما وقد أوصلتكم لمملكة العظيمة اليزابيث، بإمكانكم أن تطلقوني جميعًا، وليعش كل طرف منا في منزل مستقل، ولنتزاور في الاجازات الاسبوعية، وننضم رحلات سياحية معًا في الاجازات الصيفية، وقد تصبح حياتنا أفضل هكذا، فليس قدركم العيش مع مجنون للأبد، ولن تكونوا أنانيين إن طلبتم مني ذلك، فأنانيتي من أتت بكم للحياة، ومن حقكم أن تعيشوا في أمان وسلام ما تبقى من حياتكم، بعيدًا عن كل هذه الصراعات.
واتركوني أعيش شغفي الخاص، أنا أحب المشاكل، الصراعات، النقاشات، الجدل، إذا انتهيت من جهة بحثت عن مشكلة مع جهة أخرى، الاستقرار يقتلني، يصيب حياتي بالملل، الأمن يقلقني، أحب أن أمشي على حافة الخطر وأرقص على حبل السراط المستقيم -عبر عن ذلك الكاتب السعودي مجاهد عبدالمتعالي في مقالته عني في صحيفة الوطن السعودية بعنوان "علي البخيتي ومغامرة فيليب بوتي" من أراد قراءتها ليبحث عنها- لأقع في جهنم عن عمد، بجانب الشيطان وأبو لهب وأبو جهل، لا أريد أن أكون مع بلال ولا مع أبو موسى الأشعري وغيرهم من البلداء، أنا مغرم بتلك الشخصيات، أحدهم (الشيطان العظيم) وقف أمام الله وقال له (صمت المايك) هذا دوري في الكلام ورفض امره بالسجود لآدم، وقال أنا حر ولن أقبل بالسجود لأحد حتى لو أمرتني وأنت خالقي، والثاني والثالث قالا لمحمد: اضحك لك على البسطاء والمساكين أما نحن فندرك أنا قرآنك خرافات وأساطير الأولين.