تتربص باليمن عدة مشاريع، ويتم حبك أكثر من مخطط لها خلف الكواليس، تفضي في نهايتها إلى تسليم اليمن للحوثي وإعادة الإمامة، كأمر واقع، ولكن بطرق أكثر واقعية غير صادمة شعبياً حتى لا تواجه بثورة داخلية أو مقاومة شرسة كما جرى بعد الانقلاب، بما يسمى التمرير الهادئ.
الرئيس العليمي أكثر الشخصيات المسؤولة الموجودة اليوم في السلطة يعلم ويدرك مخاطر عودة الإمامة بثوبها الإيراني الحديث، بما أنه رجل أمن سابق وأستاذ جامعي له باعه في المعرفة الاجتماعية والتركيبة اليمنية بمختلف طبقاتها.
أخاطب كل موظف في الدولة، كل مسؤول، كل مؤيد للشرعية، كل معارض لعودة الإمامة، كل من اكتوى بنار الإرهاب الحوثي، كل القوى المبعثرة في الوطن والتي يلتهمها الغول الإيراني واحدة بعد الأخرى، أن لا خلاص لكم إلا بتوحيد الجهود تحت قيادة موحدة جامعة مدركة ما يجري في كواليس الملعوب الدولي في المنطقة، وما يراد تمريره لليمن.
لا نقول هذا الكلام تطبيلاً أو تزلفاً له، وإنما الواقع الكارثي الذي نعيشه، والذي يمكن أن نعايشه مستقبلاً، هو ما يحتم علينا الالتفاف حول الرئيس وتوجيه مثل هذه النداءات نظراً لفقه الواقع.
لقد جربنا مهاجمتنا لبعض، وتشفت كل الأطراف المبعثرة ببعضها، والضبع الإيراني يشاهد ويتربص، يضحك ويحيك ألاعيبه المختلفة، وينقض علينا فريسة بعد أخرى في استفراد مبين، ويقتضم من الوطن جزءاً كل يوم، وما زلنا لا نفقه مصالحنا، ولا ندرك مصير بلادنا بعد، ولسان حال الكثير المهم نتشفى ببعض وليذهب الوطن للجحيم!
لن نخلص على المستوى الشخصي أو المناطقي أو الشللي؛ حزبي قبلي فئوي، من الجحيم الحوثي الإمامي الإيراني إلا بتوحيد الصفوف، ولملمة الجبهات، وتكاتف الجهود، ومساندة بعضنا لبعض على الأرض في سبيل واحد هو استعادة دولتنا، وتقوية جيشنا، وبناء وطننا، وإلا سنبكي عليه بكاء الملك أبي عبدالله الصغير، بكاء النساء على الوطن ولات فائدة من بكاء أو عويل، والكل سيفقد مصالحه الشخصية والجمعية والفئوية.
لقد كانت الحملات التفتيتية الإعلامية التحريضية ضد بعضنا البعض، وضد القوى الفاعلة ميدانياً وجبهات المقاومة، والشخصيات القوية في الشرعية والجيش؛ كانت جزءاً مخططاً للتخلص من الشخصيات القوية المواجهة للمشروع الإمامي، علينا أن لا نكررها ضد الرئيس العليمي كآخر الشخصيات المعتبرة في الدولة والقيادة المؤمل بها قيادة المرحلة الحالية للخروج باليمن من أزمتها وكبوتها، وحتى لا يترك الميدان فارغاً قد تملؤه شخصيات عابثة لا تحظى بأي سند شعبي ولا رصيد نضالي إلا من فرض دولي سلم البلاد برمتها للحوثي وهو يدعمه منذ عام 2004 وحتى اليوم على حساب اليمن واليمنيين، يراد له مزيداً من التفتيت والإضعاف.
لننظر حولنا وأحوالنا جيداً كيف بتنا مشردين خارج الوطن، ولا طاقة لنا بتشريد آخر فوق التشريد الأول، والبدء من الصفر مجدداً، ولنأخذ العظات والعبر من الدروس السابقة، وكفى بها دروساً مستلهمة يتعلم منها الجاهل فضلاً عن العاقل.
تستحضرني هنا المقولة المأثورة للدكتور عبدالكريم الإرياني –رحمة الله تغشاه- وهو يشخص الوضع تشخيص الحكيم العارف "لو كانت الشرعية مجرد عصا في الزاوية لوقفت بجانبها"، فلا ينبغي أن نسلم تلك العصا أو نكسرها ليستفرد الحوثي ببقية البلاد.
القوى، أو الفئات التي ترى أنه يمكنها مواجهة المليشيا الحوثية لوحدها أو تنتصر عليها مستفردة هي في غاية الغباء المركب، عليها أن تستفيق من سباتها وأحلامها الوردية، فلن تبقى منطقة أو محافظة أو فئة دون اجتياح الإرهاب الحوثي سواء في الشمال أو الجنوب، وسيكون أشد وأنكى مما سبقه إذا لم يتم الانتصار عليه اليوم.
قد يرى الجميع الأضواء البراقة من موضوع السلام مع المليشيا الحوثية أنها في صالح اليمن واليمنيين، وأنها يمكن أن تكون حلاً ناجعاً لأزمة البلاد، لكن تلك الأضواء تخفي خلفها سواداً حالكاً من الغدر الحوثي الإمامي الإيراني التي لا تلتزم بعهد ولا تفي بوعد مهما كان لصالحها، وما اتفاق السلم والشراكة واستكهولم عنا ببعيد!
إن فرض أي مشروع قادم على الشرعية أو اليمن لن يتوقف عند حدود اليمن وحسب، بل سيعم المنطقة عموماً، وما اليمن إلا بوابة عبور لا أكثر، وهذا ما يراد للمنطقة عموماً، وقد رأينا تلك التجربة منذ عام 2004 مع الحوثية وهي لا تزال في كهوف مران، كيف كان يتم تمريرها ودعمها بهدوء حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، وسيتم تكرار نفس السيناريو مجدداً في المنطقة، خاصة وقد رأينا مسرحياتهم في البحر الأحمر وإيران وإسرائيل!
المليشيا الحوثية تبدو راضخة إلى حدٍ ما لمشروع التسوية القادمة، لكنه رضوخ بغير ضمانات، وهو مجرد انحناء حوثي للعاصفة تشتري به الوقت ريثما تستكمل بناء قوتها بشرياً وتسليحياً واقتصادياً.
وتعد المراكز الصيفية الحوثية معسكرات تدريب وتأهيل ومن ثم الإعداد والتحشيد للقادم، يصاحبه حفر أنفاق جبلية مختلفة، وتوريد ترسانة من الأسلحة عبر ميناء الحديدة الذي فتح لها مجاناً على مصراعيه ضمن ملعوب دولي تتكشف نتائجه يوماً بعد آخر، وما كل ذلك إلا تهيئة لملعب الحرب القادمة التي أراها رأي العين وعين اليقين.
من جانب آخر، نعول على الرئيس الدكتور رشاد العليمي أن يري الشعب والجماهير المساندة له من نفسه قوة، يستطيع المواطنون إدراك أن لهم قيادة شرعية قوية يمكنهم الاستناد إليها ودعمها، خاصة المواطنين في مناطق الحوثية ليكون عامل جذب وهجرة إليه، واستثارة النفوس فيهم للمرحلة القادمة، حتى لا يرضخ المواطنون ويستسلمون للإرهاب الحوثي بسبب عدم تقديم نموذج متميز للشرعية في مناطقها.