مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

اتفاقات اليمن.. السفر نحو المجهول

2020/04/30 الساعة 11:17 صباحاً

بعد حوالي ستة أشهر من توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، عاد التوتر مجدداً للمشهد اليمني داخل معسكر المناوئين للانقلاب الحوثي، وهو أمر ليس مستغرباً في تاريخ اليمن السياسي المعاصر، حيث لا يؤمن الفرقاء بجدوى الحوار ونجاعة الاتفاقات، بقدر إيمانهم بمفهوم الحسم وفرض سياسة الأمر الواقع.

وقد حدث ذلك مراراً وتكراراً في محطات حاسمة من تاريخ اليمن، وكانت لغة المنطق وحسن النوايا وتقديم التنازلات المتبادلة فيها كفيلة بوقف دورات العنف التي تولد عنفاً مضاداً، تهيئ المشهد لجولات جديدة من الصراع والاحتراب، قبل أن يدرك الخصوم أن كلفة الحوار كانت أيسر بكثير من كلفة الدمار، الذي خلَّفته الحروب في بنية الدولة الهشة، وجسد النسيج الاجتماعي المهترئ، وذاكرة الأجيال المنهكة.

ففي يناير من عام 1994، وقّع الطرفان الشريكان في اتفاقية الوحدة بين شطرَي اليمن التي أُبرمت في 22 مايو 1990، على وثيقة سياسية لإصلاح مسار الوحدة ومعالجة الأخطاء، التي وقع فيها ساسة شمال اليمن وجنوبه، لكن هذه الوثيقة التي كانت كفيلة بوقف سلسلة من الحروب والأزمات السياسية، لفظت أنفاسها في صيف ذات العام، حين اندلعت حرب شاملة، انتهت باجتياح عدن، وهنا بدأت المشكلة الحقيقية التي اعتقد البعض أنها انتهت إلى الأبد.

لم تكن وثيقة العهد والاتفاق أيقونة الفشل الوحيدة في مسلسل الحوارات والاتفاقات اليمنية، التي تفضي عادة إلى حروب ونزاعات، فقد شهدت الفترة من 1994 وحتى 2011، العشرات من جولات الحوار بين السلطة والمعارضة في اليمن، كلها باءت بالفشل، وتمخَّضت في نهاية المطاف جبال من الأحقاد السياسية.

وفي عام 2011، تكرر المشهد مع توقيع الفرقاء على المبادرة الخليجية التي انتقلت بموجبها السلطة، وظن اليمنيون أنها أخرجتهم من نفق الصراعات السياسية المظلمة، وهو ذات الشعور الذي تبادر إلى عقول اليمنيين بعد توافق القوى والمكونات السياسية على وثيقة الحوار الوطني الشامل في عام 2013، لكن هذا الحوار انتهى كذلك بانقلاب حوثي، واجتياح مسلح لمؤسسات ومرافق الدولة في العام التالي، وترافق ذلك مع التوقيع على اتفاق السلم والشراكة الذي انقلب عليه الحوثيون قبل أن يجف حبره.

وبالرغم من الكلفة الباهظة للصراع السياسي في اليمن والآثار المدمرة للحرب التي أكلت الأخضر واليابس، ما تزال الشخصيات ذاتها ومراكز القوى المشاركة في كل محطات الإخفاق منذ 1994 وحتى اليوم، تمارس السياسة بالذهنية نفسها، والتكتيكات ذاتها، التي تخلو من حس المسؤولية تجاه شعب أنهكه السفر نحو المجهول.