اليوم الذكرى الرابعة لرحيله وقليلون من يعرفون أحمد قاسم دماج طيب الله ثراه، وخصوصا الأسماء الجديدة التي لم تجايله ولم تقرأ له ولم تتلمذ على يديه.
قبل عشرين عاما أخذني العزيز مروان دماج إلى مقيل والده وهناك كانت جلسة لا تنسى.
أنت أمام رجل وجهه ضامر وصدره يجيش، وصوته آسر وكلامه مرتب وطرحه يضع خلاصة الخلاصة.
يرمقك بعيني أب، ويواصل حزنه النبيل وإنصاته الجم، وفي المقيل ثمة فتيانٌ شدني عمق ثقافتهم وسعة إلمامهم وعظيم أدبهم.. إنهم أبناؤه وأبناء أخوته ومثقفون آخرون.. وهنا الشاهد في حديثي.
يعاب علينا كيمنيين أننا لا نحسن نقل الخبرة لأبنائنا، يصل المرؤ إلى أعالي الثقافة والخبرة وينصهر ببناء مجده الشخصي أو الهم العام، ويغترب عن أبنائه وإن كان يعيش معهم.
لذا ترى أحيانا فرقا كبيرا بين أقيال عباقرة أبحروا في عوالم التاريخ والأدب والدين واللغة وجاء أبناؤهم لا يعرفون من ذلك شيئا.
أحمد قاسم دماج، الرهينة التي جسدها الأديب الراحل زيد مطيع دماج في روايته "الرهينة"، وعرى بها ظلم الإمامة وفسق قصورها، أحمد قاسم دماج القيادي الريادي في اتحاد الأدباء الذي كسب بوطنيته وأخلاقه أدباء الجنوب والشمال.. أحمد قاسم دماج لم يكن مثل بقية اليمنيين يموت وتموت معه خبرته إلا ما دوّن على الورق، بل استطاع أن يصادق أبناءه وبناته ويشجعهم ويجعل منهم أدباء كبارا.
لم يورث لهم ثروة ولا عقارات ولا غيرها.. ورث لهم أخلاقه ووطنيته وخبرته وأنعم بها من تركة.
همدان ومروان ومطيع ومعن ووليد وهشام.. وغيرهم.. سواء أبناؤه أو أبناء أخوته.. كلهم نجوم. والأمر لا يقتصر على عائلته بل يمتد إلى أسماء عديدة في طول اليمن وعرضه تتلمذت على يده.
صدقوني.. نقل الخبرة الوطنية المعرفية للأبناء ليس أمرا سهلا، لهذا ينقطع التواتر وهذه مشكلة علينا التخلص منها كيمنيين.
قبل عام ونصف كنا في مقيل خارج اليمن، وفجأة طبّ علينا علي بن إبراهيم بن يحيى حميد الدين الذي لايزال يطلق نفسه لقب الأمير!
بمجرد قدومه أطلقت عليه وعلى الإمامة والأئمة قذائف من كل نوع، حتى ترجاني البعض أن أتوقف لأن الرجل على أعتاب الثمانين، وعنده سكر.
كان المهندس مطيع دماج في ركن المقيل واستلم الحديث، وقام بتفكيك الإمامة والانتصار للجمهورية بأسلوب مدهش لم يملك إزاءه حفيد الطغاة إلا أن قال: "ليت والله ومعي ابن مثلك".
مهم أيها الآباء.. مهم أيها المدركون معنى اليمن، مهم أن تخصصوا وقتا طويلا للجلوس مع أبنائكم وبناتكم للحديث عن اليمن والعروبة والأدب والأحرار وأيلول المجيد.
تعاملوا معهم كأصدقاء وثقوا بهم، واطلبوا منهم أن يقرأوا كتاب كذا وكذا، وأن يكتبوا وأن يرسموا. بعدها لن يخدعهم دجال جديد مهما كان.
رحم الله أحمد قاسم دماج، وكل أحرار اليمن الأفذاذ.