مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

سنان أبولحوم: كلمة وفاء واجبة عن حكيم اليمن

2021/01/10 الساعة 04:02 مساءً

انتقل إلى رحمة الله يوم السبت الموافق 9 يناير2021 في القاهرة الشيخ سنان أبولحوم عن عمر زاد عن المائة عام.أول من نطق بإسم الشيخ سنان  أمامي كان الشهيد إسماعيل محمد الكبسي القائد الطلابي في المدرسة الأحمدية بمدينة تعزقبل ثورة سبتمبر 1962 وأحد مقاتلي الجبهة الوطنية الديمقر اطية اليمنية  حتى استشهاده عام 1973الذي فر مع رفيقه محمد حسين مرغم إلى عدن عقب إغلاق الإمام أحمد للمدرسة قبيل الثورة بشهرين تقريبا عقابا لطلبتها على قيامهم بأول إضراب سياسي في اليمن ضد سلطته.سعى إسماعيل مع رفيق عمره مرغم للقاء الشيخ المعارض للإمام مثلهما عندما كان في الجنوب  في ضيافة سلطان لحج  ولم يفلحا . كان أول لقاء لي بالشيخ سنان أبو لحوم في الحديدة  في عيد ثورة سبتمبر عام 1974 وهو محافظها الذي أحدث فيها تغييرات تنموية كبيرة تليق بها وبمينائها الذي وصفه  هارولد جيكوب مؤلف كتاب ” ملوك العرب”  ب” بوابة صنعاء”.وقابلته في مقيل بمنزل السفير أحمد محمد المتوكل ويومها حكى لنا عن انبهاره بما شاهده في امريكا وقابلته  للمرة الثالثة في براغ عام 1985على مأدبة غداء  وفي كل اللقاءات لم يتغيررأيي فيه كشيخ تختلف حوله الأراء لأنه لم نتبادل أي حديث. لاشك أن تلك اللقاءات الصامتة حفظت صورتي في مخيلته ،ومن ناحية أخرى فإن المشائخ في اليمن وهم الذين حكموا البلاد بعد انقلاب نوفمبر عام 1967يسألون عادة عن هذا وذاك من الناس  وصنعاء الصغيرة والأنيقة  وقتها لم تكن تُخف الكثيرعن كل من يريد أن يسأل. توطدت علاقتي بالفقيد في القاهرة وترددت عليه كثيرا في سكنه المطل على النيل في حي الدقي.كان الشيخ بسيطا وعفويا  وصادقا ومضيافا سخيا .وبصحبتي زاره في منزله الدبلوماسي البريطاني نِول بِريهوني أحد أهم الخبراء في شؤن اليمن لاستيضاحه عن أمور تهمه قبل إصدار كتابه اليمن المقسم  Divided Yemen” ” وهذا العنوان اختاره الناشر وليس المؤلف لجذب القراء لأن اليمن في رأي الناشر لاتعني الكثير للبريطانيين. سنان من السياسيين القلائل الذين دونوا مذكراتهم  بالتفصيل وبالوثائق وقد  حملت مذكراته عنوان” اليمن..حقائق ووثائق عشتها” وهي  خمسة مجلدات غطت الفترة من 1943 وحتى عام 2008 وهي بالقطع مذكرات ثرية ومرجعا سياسيا مهما لهذه الفترة الطويلة التي تزيد عن الستة عقود ويزيد من قيمتها أنها مدعومة بالوثائق وفيها مثلا يتبين القارئ التحول السياسي لبعض المشايخ كمجاهد أبو شوراب المُتهم علي عبد الله صالح باغتياله في نوفمبر 2004 من الفكر القبلي  الضيق والمحافظ إلى الأفق الوطني الرحب.في الأغلفة الخمسة لمذكرات سنان وضعت خارطة اليمن الطبيعية وليست السياسية ولهذا مغزاه. وفي اليمن للمشايخ علاقة خاصة بالسعودية عابرة للدولة اليمنية ومستعلية على مؤسساتها ومنتهكة لقوانينها ولدستورها  وتجورعلى سيادتها وتهين استقلالها ولم يكن سنان من بين هؤلاء.هذه العلاقة  الشاذة قال عنها الدكتور عبد الكريم الإرياني “كل الدول تمر علاقاتها بوزارات الخارجية إلا اليمن الذي تمرعلاقاته مع السعودية عبر اللجنة الخاصة”..
سنان المعارض: كانت معارضة سنان لعلي عبد الله صالح مبدئية ولم يستخدمها كالبعض لابتزازه ماليا أو لأي منفعة أخرى وكان صالح يدرك قيمة سنان ونفوذه في قبيلته وخارجها وتعبيرا عن احترامه له كان يناديه “عم سنان” ولم يجعله يواجه مصير معارضين تخلص منهم بالاغتيال رغم أنه حاول ولكن للترهيب فقط وبعد إحداها اعتذر له صالح تحت وطأة لوم سنان ومصارحته له بأنه المُدبّر والفاعل.أخذ صالح على سنان وقوفه مع الحزب الاشتراكي اليمني بعد الوحدة وحتى حرب 1994. كان موقف سنان هذا خال من  النفعية ومن الإيديولوجيا وكان مفعما بقناعة راسخة هي أنه يجب أن يوجد توازن في المصالح في سلطة دولة الوحدة بين الشمال والجنوب وأن الوحدة يجب أن تحقق مصالح كل اليمنيين وليس أقلية ضئيلة منهم واعترض على تهميش الحزب الاشتراكي الذي  قال سنان لصالح  أنه يجب أن يراعي أنه  تنازل عن دولة.كان سنان ببعد نظره يرى أن ذلك هو السبيل الوحيد للحفاظ على الوحدة وقد اعترض سنان على حرب صالح ضد الحزب الاشتراكي عام 1994.لم يكن النصح يجدي مع صالح  الذي فوق عدائه لشريكه في الوحدة عادى شعب الجنوب كله ولم يراع مصالحه وتطلعاته وتعامل معه كغاز من حقه النهب والسلب.سنان كان أيضا ضد انفراد قبيلة حاشد ومعها سنحان بصنع القرار..كان سنان متابعا لتطورات اليمن وكثير الانتقاد لصالح ، لتقويمه وليس لتقويض سلطانه.قلت له في إحدى المرات أنك تبعث فيّ الوطنية عند زيارتي لك ، ولم أكن مجاملا لأنه لم يكن يطرق أي موضوع سوى موضوع اليمن وفساد نظام صالح وانحرافه.وفي هذا الصدد لم يكن ككثير من المشايخ والسياسيين بوجهين أو بشريحتين يمالئ صالح ويتملقه  في وجهه ثم يهجوه في الخفاء.كان سنان يعلن رأيه  عن صالح ونظامه بصراحة في مقابلات صحفية وتلفيزيونية وأحيانا وجها لوجه.مثلا قال له في انتخابات 2006 لماذا تجريها ويخس البلد عشرات المليارات من الريالات في انتخابات معلومة نتائجها سلفا وأنت الفائز فيها. وكان سنان ضد توريث السلطة لإبن علي صالح وضد هيمنة أسرته على مفاصل الدولة. عندما بلغ اليأس بسنان من إصلاح صالح لجأ إلى الرئيس حسني مبارك والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ليشكوه عندهما وكتب لهما رسالتين لازلت احتفظ بمسوديتهما شرح فيها تدهور الأحوال اليمن وحثهما على  نصح صالح ليصلح اعوجاجه ويخفف من سلطته المطلقة.انفتح سنان عليّ ووثق بي  وقد سألني أكثر من مرة بعد تقاعدي عن العمل عن مصدر رزقي وكنت في كل مرة أطمئنه  وأقول له بأن لايقلق. ونتج عن هذه الثقة أن سنان وضعني مع آخرين من الشمال ومن الجنوب مع من وصفهم ب”الرجال”  وأذكر منهم فقط من توفوا وهم جار الله عمر ود.عبد القدوس المضواحي وأخوه محمد أبو لحوم. قبل سفري إلى صنعاء في إحدى السنوات اقترح أن يكون بيننا شفرة للتراسل ليبقى على اطلاع على أوضاع البلاد التي كانت تزداد تدهورا وعند عودتي إلى أحد كتبه وجدت أن شفرة مماثلة  كانت بينه وبين الشيخين مجاهد أبوشوارب وأحمد علي المطري. سنان فقيد كل اليمن وقد رثاه الأستاذ زيد محمد يحي الذاري بقوله” على مدى مايقرب من سبعين عاما وهو في عين الأحداث وفي قلب عواصفها .عمر حافل بالعطاء والأدوار المحورية .عاصر كل العهود وهندس بذكاء لكثير من التحولات والتحالفات التي أسهمت إما بإنشاء مراحل أو تكريس أخرى وخلخلتها.لعله تميز وتفرد بين رموز القبيلة ومشائخها بذهنيته المتفتحة وتنوع تجاربه وانفتاحه وطموحاته غير التقليدية وبديناميته وقدراته المتعددة وتنوع تجاربه وانفتاحه على مختلف الفاعلين، قوى وشخصيات ، دولا وزعامات. لم يكن رجل قبيلة تقليدي بل كان ذو رأي وثقافة وإدراك حداثي متجدد”.