مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

سنان أبو لحوم... وداع للقبيلة في اليمن

2021/01/16 الساعة 01:34 مساءً

بغياب الشيخ سنان أبو لحوم، أبرز مشايخ بكيل، كبرى القبائل اليمنية وأوسعها انتشاراً، يغيب أحد آخر رموز التركيبة القبلية اليمنية التي ميّزت هذا البلد لسنوات طويلة. شيئاً فشيئاً، انتقل المجتمع اليمني، خصوصاً في الشمال، من مجتمع تتحكم به القبيلة إلى مجتمع منقسم أيديولوجيا، كما عليه الحال الآن بين الاخوان المسلمين الذين استطاعوا السيطرة على حزب التجمّع اليمني للإصلاح من جهة والحوثيين، الذين تزداد سيطرة إيران عليهم، بما في ذلك مذهبياً، من جهة أخرى.

من أبرز التطورات التي شهدها اليمن، على الصعيد الداخلي، منذ العام 1974، تاريخ تولي إبراهيم الحمدي الرئاسة، وصولاٍ إلى عهد علي عبدالله صالح وما تلاه، يأتي تلاشي دور القبيلة تدريجاً. جاء غياب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ حاشد، في نهاية العام 2007 ليكرّس تحوّل التجمع اليمني للإصلاح من حزب قبلي - إسلامي، الى تنظيم اخواني بحت.


خرج الشيخ سنان، الذي توفي في القاهرة عن عمر تجاوز المئة عام، من السياسة اليمنية منذ فترة طويلة، لكنه ظلّ يمتلك حضوراً معنوياً بفضل شخصيته الاستثنائية من جهة وعائلته الكبيرة ذات الوجود القوي في المجتمع اليمني من جهة أخرى.

كان للعائلة حضورها داخل المؤسسة العسكرية كما ضمّت عدداً من المثقفين الذين تلقوا تعليمهم في مدارس وجامعات خارج اليمن وتخرّجوا منها. كان أبناء أبولحوم من أبناء العائلات اليمنية القليلة الذين درسوا الى في لبنان ومصر ودول أخرى مثل الولايات المتحدة.

يعود الفضل في ذلك الى حد كبير، الى الذهن المنفتح الذي ميّز سنان أبو لحوم مقارنة بغيره من كبار الرموز القبلية. بالمقاييس اليمنية، كان رجلاً متحرّراً، بما في ذلك في مجال دور المرأة في المجتمع. كانت شقيقته عزيزة، زوجة محسن العيني، رئيس الوزراء السابق والسفير في واشنطن لفترة طويلة، أوّل امرأة تقود سيارة في صنعاء.

حتّى العام 2010 وطوال ربع القرن، كنت أزور اليمن ثلاث أو أربع مرات، على الأقلّ، في السنة. تعرّفت الى عائلات كثيرة وشخصيات من طبقات اجتماعية ومناطق مختلفة. تعرّفت على قبليين وعلى ممثلي العائلات الهاشمية العريقة، مثل آل المتوكل، وعلى تجار من تعز وجوارها وعلى جنوبيين من مشارب مختلفة لعبوا أدواراً سياسية قبل الوحدة وبعدها في العام 1990.

كان هناك في اليمن مجتمع غني ومتنوع يضمّ مشايخ بارزين من بكيل. على رأس هؤلاء سنان أبو لحّوم وأخواه الشيخ علي والشيخ محمّد. كانت صنعاء مدينة تتوسّع باستمرار وتنفتح ببطء على ثقافة الحياة.

كان واضحا منذ البداية، أقلّه بالنسبة اليّ، أنّ الرئيس علي عبدالله صالح لم يكن يكنّ ودّا لآل أبو لحوم ولبكيل بشكل عام، علما أن أحد مساعديه أصرّ على أنّه بدأ عهده الرئاسي الطويل ( 1978 - 2012) بعلاقة ودّية مع الشيخ سنان وذلك قبل أن يتوجه الى التحالف مع الشيخ عبدالله الأحمر الذي قدّمه لي الرئيس نفسه مرّة بقوله: «هذا شيخي».

لعب إبراهيم الحمدي بين 1974 و1977، تاريخ اغتياله، دوراً في ضرب التركيبة القبلية اليمنية، علماً أن الشيخ سنان نفسه ساهم في ايصاله الى الرئاسة خلفاً للقاضي عبدالرحمن الارياني.

فضّل الارياني الانكفاء وترك اليمن إثر خلافه مع الشيخ سنان وغيره من الساسة. اعتبر سنان أبو لحوم لاحقاً، بعد الصدام المباشر بين القبائل والحمدي، أنّه قد يكون الشخص الوحيد الذي «نفّذ انقلاباً على نفسه»...

بعد اغتيال الحمدي وخليفته أحمد حسين الغشمي، جاء علي عبدالله صالح الذي امتلك طريقته الخاصة في التعاطي مع القبائل. بدل الصدام المباشر، لجأ الى ربطها بمصالح تجارية وما شابه ذلك... وحتّى الى افسادها. كان يعرف تماما مدى قابلية القبائل لدخول لعبة الفساد. كان واضحا في مراعاته لشيوخ معينين من قبائل مختلفة وتفضيله الشيخ عبدالله الأحمر على الشيخ سنان وافراد عائلته تحديداً.

في الطريق الطويل الى تراجع دور القبائل، هناك محطات يمنية كثيرة. من بين المحطات القديمة مجزرة بيحان في فبراير 1972 التي ارتكبها الحكم اليساري في الجنوب اليمني. كان أهل النظام في الجنوب يطمحون الى توحيد البلد ولكن من منطلق ما يؤمنون به انطلاقاً من تجربة خاصة بهم.

وجّه النظام دعوة الى مجموعة من مشايخ الشمال، خصوصاً من قبيلة خولان، التي تضمّ مقاتلين شرسين. لدى وصول هؤلاء الى بيحان في محافظة شبوة، نُصب للمشايخ مكمن، بشكل حقل الغام، قتل فيه 74 قبلياً معظمهم من المشايخ. كان من بين أبرز الضحايا الشيخ ناجي الغادر.

ما بدأ بمحاولة جنوبية لجعل نظام «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية» يعمّ اليمن كلّه، انتهى بضرب النظام القبلي لمصلحة تفتيت اليمن. يحصل ذلك الآن في ظلّ التجاذب بين طرفين يوجد تحالف ضمني، بل تواطؤ بينهما، من تحت الطاولة أحيانا ومن فوقها في أحيان اخرى.

نجح الحوثيون في الشمال بجعل التركيبة القبلية تصبّ في خدمتهم... من منطلق أيديولوجي. في طريقهم الى صنعاء صيف العام 2014 استطاع الحوثيون تجييش مقاتلين من بكيل وحاشد في هجماتهم على معاقل آل الأحمر، زعماء حاشد، في محافظة عمران. بعدما احتلوا صنعاء ابتداء من 21 سبتمبر 2014، اشركوا قبليين في مؤسسات السلطة. هناك، على سبيل المثال صادق أبو شوارب، من حاشد، الموجود في ما يسمّى المجلس السياسي التابع للحوثيين. امّا نائب رئيس الوزراء وزير المال في الحكومة الحوثية فهو شخص يدعى رشيد أبو لحوم! ما يبدو جديراً بالملاحظة مع وفاة الشيخ سنان أبو لحوم، الذي سمح الحوثيون بالاتيان بجثمانه الى صنعاء ليوارى في أرض اليمن، ان كلّ ما في البلد تغيّر. صار على جثمان الشيخ سنان او "عمّي سنان" كما كان يناديه الكبار والصغار، أخذ إذن من عبدالملك الحوثي للعودة الى صنعاء. قد يكون مثل هذا الإذن الذي احتاج إليه جثمان سنان أبو لحوم بمثابة وداعا للقبلية في اليمن...

هناك يمن جديد يبحث عن صيغة جديدة. من أبرز ما في هذا اليمن الجديد انفراط التركيبة القبلية للمجتمع، بحسناتها وسيئاتها. كان الشيخ القبلي الحكَم بين الناس. لم يعد في اليمن من يمارس دور الحكَم. لا وجود سوى للفراغ، وهو فراغ على كلّ المستويات يشغله الحوثيون في الشمال والإخوان المسلمون في أماكن أخرى وليس في كل الأماكن بعد...