إذا ظن البعض أن الغضب السعودي من حماس هو بسبب درع خشبية لا تساوي عشرين ريالاً -ربما هي من تبرعات أحد التلاميذ السعوديين- فهو مخطئ تماماً، فالغضب يتكئ على خيانات حمساوية متتالية بدأت بالتحالف مع الحوثيين وإعداد وتدريب المقاتلين والدعم اللوجستي وتحريض الشارع العربي وتبني الموقف الإيراني الحوثي المضاد للرياض.
لعل الكثير لا يعرف أن تأسيس حركة حماس، بدأت حينما قامت قيادات فلسطينية، وعلى رأسها الدكتور خيري الآغا بالدعوة لتأسيس حركة تختلف عن حركة فتح في توجهاتها الأيديولوجية، وتلبي الاندفاع الإخواني نحو بناء منظومة سياسية عسكرية في الأراضي المحتلة.
كانت السعودية المحطة الأبرز في تاريخ النضال الفلسطيني، فالدعم المالي وحملات التبرع الشعبية والغطاء الديني والسياسي، جعلت قضية فلسطين في المقدمة ويتم تجاوز كل خطاياها في حق السعودية.
نظر لها دائماً بتعاطف شديد، وتم التغافل عن الأنشطة السياسية والمالية غير المصرحة التي قام بها أعضاء حماس في السعودية، وتحول موسمي الحج والعمرة لمؤتمرات لقادة حماس يجتمعون فيهما بالكوادر والحلفاء.
لكن الأخطر في مسيرة حماس وهو أمر لم يكن منكشفاً من قبل أن التنظيمات الإسلامية في غزة، استطاعت منذ بداية الثمانينات الميلادية عقد صفقة مع المخابرات الإسرائيلية التي تعبت من إدارة القطاع. وقضى الاتفاق بإحلال حماس تدريجياً مكان فتح، والتخارج من القطاع الأكثر بؤساً وشقاء في العالم.
بنت حماس مؤسساتها ومنظومتها السياسية والعسكرية مستندة على العطاء السخي القادم من الخليج وفي أغلبه من السعوديين، وتلقت مليارات الدولارات من التبرعات، وعند اكتمال بنيتها العسكرية انقلبت حماس دمويا عام 2007 على السلطة الفلسطينية واستولت على الحكم في القطاع، ونجم عن الانقلاب دهس وسحل وقتل الآلاف من الفتحاويين وأعضاء الحكومة والأمن، وفرضت حماس سلطتها المطلقة.
بالرغم من أن الملك عبدالله جمع حماس والسلطة الفلسطينية في مكة المكرمة، ودعاهما لعقد مصالحة لخدمة قضيتهما، إلا أن حماس خبأت نيات الخيانة لتحصل على الدعم المالي أولا، وعندما وصل انقلبت على الجميع ونقضت العهد والوعد.
علاقة حماس مع السعوديين تأثرت كثيراً بانخراط حماس في المشاريع المعادية للرياض. لم تفهم حماس أن السعوديين لا يقبلون الكاذبين والمخادعين، وأن الاتفاق تحت أستار الكعبة الذي نقضته حماس من أجل مصالح ضيقة واستجابة لضغوط حلفائها «الصغار جداً»، كان خطأ فادحاً في حق القيادة السعودية التي آلت على نفسها الإصلاح بين المتخاصمين الفلسطينيين.
كان من المحتم على حماس الحفاظ على صنائع المعروف السعودية، أو في الأقل البقاء على الحياد عند أي مشروع مضاد للمملكة، وهي التي سمحت لها بالحياة والإمداد المالي من أكثر الشعوب سخاء.
في عام 2009 عندما بدأ الهجوم الحوثي الأول على الأراضي السعودية بالنيابة عن طهران، كان موقف قيادة حماس ملتبساً وغير واضح، وهو ما انفضح أخيراً في تصرفات وتعليقات الحمساويين.
وفي عام 2011 انضمت حماس للمشروع الثوري المضاد للدول المستقرة في العالم العربي (مصر والسعودية)، لقد تركت قضيتها الأساسية في النضال من أجل تحرير أراضيها -كما تدعي- وتحولت إلى مقاول من الباطن، لتنخرط في الاحتجاجات المصرية بشكل فج، مرسلة مقاتليها لمساندة جماعة الإخوان، وتسببت في عمليات قنص وقتل لصالح الجماعة الأم داخل الميادين المصرية، كما ساهمت في تفجير السجون وإخراج صقور الجماعة وكوادرها الإرهابية.
بعد ذلك تحولت إلى قاعدة خلفية لتنظيمات داعش والقاعدة والإخوان الذين شنوا عمليات عسكرية دموية ضد الجيش والأمن المصري في سيناء. كانت المتفجرات والمقاتلون يخرجون من غزة عبر الأنفاق لقتل العشرات من جنود الجيش المصري.
حماس بتكريم رئيس العصابة الحوثية خلال الأسبوع الماضي لم يكن عملاً فردياً قام به ممثلها في صنعاء، بل هي سياسة حمساوية تعلن بكل وضوح الانحياز الكامل للمشروع الإيراني المعادي للسعودية، الذي دشنته طهران بدءًا من عام 1980، وتطور إلى حرب مكشوفة عام 2005 إثر اغتيال رفيق الحريري في لبنان، ونشوء ما يسمى بحلف الممانعة الذي ضم (إيران، سوريا، حزب الله، حماس، الجهاد الإسلامي، الإخوان المسلمين بتنظيماتها المحلية والعالمية) قبل أن تخرج سوريا من هذا المحور بسبب تداعيات احتجاجات 2011 وما تلاها من إعادة تموضع على الخارطة السورية لبعض حلفائها السابقين.
لعل أخطر ما يفعله الفلسطينيون أنهم أفضل أعداء قضيتهم، وبالأخص عند انخراطهم في القضايا والتجاذبات العربية، فخلال الأزمة الأخيرة وقفت حماس ضد السعودية، وخلال الاحتجاجات السورية انقسمت إلى مجموعتين؛ واحدة تقاتل ضد النظام والأخرى انضوت تحت الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن قتل مئات الآلاف من السوريين الأبرياء.
قضية حماس وفتح وبقية التنظيمات الفلسطينية ليست في الرياض والخبر وبقيق وخميس مشيط التي تنهمر التبريكات الفلسطينية على الحوثيين عند استهدافها، بل في تحرير وطنهم -إذا كانوا صادقين-، وبناء غزة ورام الله أفضل من التطلع لريالات السعوديين.
حماس تعتقد أنها الابن المدلل في المنطقة أو يجب أن تكون كذلك، تفعل ما يحلو لها تحت ثياب المناضلين، فتسرق الأموال وتغسلها وتمررها عبر العواصم وتبني المؤسسات التجارية والأبراج السكنية في المدن العربية، وتختبئ تحت أسماء محلية، وفي الوقت نفسه تخون الدول التي وقفت بجانبها وعلى رأسها السعودية، محاولة المرور على طرف السيف، ولا مانع لديها من تنفيذ الجرائم السياسية والأمنية في حق السعوديين مع الحفاظ على ضغط شعبي يمنع الرياض من الرد، لكن الرياض فاجأت حماس ورفعت الغطاء عنها.
وإذا كانت حماس تعتقد أن لها محرمات لا تتم دون رضاها، فإن المحرمات السعودية هي: التحالف مع طهران، وحزب الله، والحوثيين، والانضمام لأي محور معادٍ للمملكة، فخطوطنا الحمراء أهم من خطوطكم، وحياتنا لا تقل أهمية عن حياتكم، بل نحن أهم.
نقلا عن "عكاظ"