مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

وكلاء الإرهاب الإيراني بعد مرور ربع قرن على تفجير أبراج الخُبر

2021/06/16 الساعة 10:44 صباحاً

في الساعة العاشرة من ليلة دافئة في المملكة العربية السعودية، انفجرت شاحنة محمّلة بما يعادل عشرة أطنان من المواد شديدة الانفجار في الظهران ليعبر دويها الحدود ويُسمع في البحرين. الهدف كان مجموعة أبنية سكنية يقطن فيها أفراد المجموعة القتالية 4044 التابعة لسلاح الجو الأميركي، والتفجير أدى لمقتل 19 شخصاً وإصابة أكثر من 500 آخرين. ولولا فطنة حرس المجمع السكني الذين لم يسمحوا للشاحنة بالدخول إلى مركز المجمع، لكان عدد الضحايا تعدى ذلك بكثير.

ربع قرن مضى على هذا التفجير الذي تأكد للحكومة الأميركية بالأدلة والبراهين أن إيران، وعبر وكيلها في السعودية المسمى حزب الله في الحجاز، هي المسؤولة عنه. ومع ذلك كان الرد الأميركي بالغ الضعف لسببين أساسين: الأول أن الجدل الداخلي حول الحادثة، خصوصاً في أروقة الكونغرس، قد تحول بسرعة إلى عراك سياسي حيث كانت الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات رئاسية. والثاني في العام التالي عند انتهاء التحقيقات، وقد بدت إدارة الرئيس الأميركي حينها، بيل كلينتون، مقتنعة أن الرئيس الإيراني الجديد محمد خاتمي لديه رغبة جادة وقدرة على الإصلاح وتغيير سياسات إيران الخارجية العدوانية.

الرد الأميركي الفعلي الوحيد جاء عبر المحاكم الأميركية التي أصدرت عدة أحكام ضد الحكومة الإيرانية بدفع تعويضات بمئات الملايين من الدولارات يستحيل تحصيلها. وهذا الرد لم يختلف كثيراً عن رد إدارة الرئيس رونالد ريغان بعد تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983.

لكن قدرة إيران على التهرب من المسؤولية بهذا الشكل ليست محض صدفة، بل نتيجة سياسات ممنهجة تعتمد على إنشاء وتغذية وكلاء خارج أراضيها يقومون بتنفيذ أجندات لا تستطيع إيران وقواتها النظامية القيام بها دون عقاب. ولهذه السياسة أبعاد إيجابية أخرى داخلية وخارجية، فالرأي العام داخل إيران لديه حساسية عالية تجاه الضحايا من المواطنين الإيرانيين لكنه لا يهتم كثيراً بضحايا اليمنيين الحوثيين على سبيل المثال. كما أن كلفة هؤلاء الوكلاء المالية أقل بكثير من كلفة تحريك جيوش أو بناء قواعد مؤقتة أو دائمة. وإيران تستطيع دوما إنكار علاقتها بهذه العمليات خصوصاً عند غياب الأدلة الملموسة. والأهم من ذلك كله أن هؤلاء الوكلاء المحليين يقومون بتنفيذ أجندات سياسية أيضاً، أبرزها تصدير أفكار الثورة الإيرانية والترويج لإيران.

وبالفعل امتدت أذرع حزب الله بعيداً خارج إيران وجوارها، فلحزب الله اليوم أفرع في أفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية، كما لديه وجود على الأرض داخل الولايات المتحدة الأميركية. ففي قضايا مختلفة في الأعوام 2006، 2009، و2017 تم القبض على عناصر من حزب الله داخل أميركا أثناء محاولاتهم تأمين مجموعة أسلحة بينها صواريخ مضادة للطائرات، واعترف هؤلاء العناصر فعلاً بأنهم تابعون مباشرة لحزب الله في لبنان.

هذا الانتشار الدولي لحزب الله يقلق الولايات المتحدة منذ سنوات خوفاً من عمليات قد تقوم بها تلك المجموعات ضد مصالح أميركا وحلفائها الغربيين على أراضيهم. ويظهر محضر اجتماع لجنة مكافحة الإرهاب في مجلس النواب الأميركي في السابع من يوليو 2011 حول وجود حزب الله قرب حدود الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية أنّ هناك اهتماما بهذا الخطر رغم ضعف التعامل معه. وفي محضر ذلك الاجتماع الذي سمّى حزب الله “إحدى أكثر المنظمات الإرهابية الدولية قدرة في العالم” تفنيد واضح لأثر حزب الله على الولايات المتحدة فهو “مسؤول عن أكبر عدد من ضحايا الإرهاب من الأميركيين بعد منظمة القاعدة”.

اغتيال قاسم سليماني، والذي أمر به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد يكون الرد الملموس والناجح الوحيد من الولايات المتحدة على سياسة الوكلاء الإيرانية. ومع أن هذا الرد أتى متأخراً عقوداً من الزمن، إلا أنه أوضح الارتباط الوثيق بين طهران وميليشياتها والاعتماد الكبير عليها، وحقيقة أن صلة الوصل بين الطرفين هي نقطة الضعف في هذه العلاقة. كما بيّن اغتيال سليماني ضرورة الرد المباشر على طهران عند قيام وكلائها بتنفيذ عمليات ضد أهداف ومصالح أميركية.

هنا تكمن ضرورة أن يشمل الاتفاق النووي الجديد المتوقع التوصل إليه على المدى القريب عقوبات رادعة على الأعمال العدوانية التي تنفذها الميليشيات التابعة لإيران تتعدى العقوبات الاقتصادية التقليدية التي لم تجدِ نفعاً في الماضي. فالاتفاق الجديد سيؤدي بلا شك إلى لجم قدرة الولايات المتحدة على الرد العسكري المباشر بما يشمل اغتيال الجنرالات أو ضرب أهداف تتمركز فيها قوات نظامية إيرانية في وقت تتعاظم فيه قدرات ومسؤوليات ميليشيات إيران في المنطقة والعالم.

* محلل سياسي أميركي - نقلا عن "العرب"