مع تعيين الأمم المتحدة السويدي هانز غروندبيرغ مبعوثاً لها في اليمن، تُثار تساؤلات حول إمكانية اختراق الأزمة الممتدة منذ عقد من الزمن، وتحقيق تسوية سياسية دائمة، وما هي التحديات التي تواجه تحقيق ذلك الهدف.
والواقع أن المبعوثين السابقين للأمم المتحدة في اليمن، وهم المغربي جمال بن عمر، والموريتاني ولد الشيخ، والبريطاني مارتن جريفيث، لم ينجحوا في إحداث اختراق حقيقي وملموس في الأزمة التي تفاقمت، خاصة في جانبها الإنساني مع تصاعد المجاعة والفقر والأمراض في البلاد.
الفشل في تحقيق السلام يعود لعدة أسباب:
أولها: منهج ميليشيات الحوثي التي ترفض مبادرات السلام الواحدة تلو الأخرى، ومنها المبادرة السعودية الأخيرة، حيث تراهن تلك الميليشيات على الحل العسكري وتغيير موازين القوى على الأرض، وذلك لفرض منطقها في محادثات السلام، وتضع العراقيل المستمرة أمام تحقيق سلام شامل في البلاد، كما أن تلك الميليشيات لديها مشروع سياسي ديني وأجندات خاصة تستهدف تغيير هوية اليمن، إضافة إلى أنها لا تمتلك شيئاً في اتخاذ القرار، حيث تنفذ القرارات الصادرة لها من إحدى القوى الإقليمية المتحالفة معها، وهي إيران، التي تزودها بالسلاح والعتاد والخبراء والطائرات المسيّرة التي استهدفت بها الشعب اليمني، وكذلك الأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية في انتهاك سافر للقانون الدولي.
ثانيها: أصبحت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي جزءاً من المشكلة وليس الحل في اليمن، خاصة المبعوثين الدوليين. فمن ناحية، فإن هناك تغاضياً من جانب المجتمع الدولي والأمم المتحدة عن الجرائم التي ترتكبها ميليشيات الحوثي ضد الشعب اليمني من قمع كل من يعارضها أو لا يتفق مع أجندتها، وانتهاكها للحقوق والحريات وتجنيد الأطفال، دون أن يتخذ المجتمع الدولي بحقها أية إجراءات.
ازدواجية «أممية»
ومن ناحية ثانية، فإن منهجية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تتسم بالازدواجية في التعاطي مع الأزمة اليمنية، عندما تساوي بين الشرعية اليمنية الممثلة في الحكومة اليمنية ومعها التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، وبين ميليشيات قامت بالانقلاب على الشرعية واستولت على العاصمة صنعاء بقوة السلاح، وسعت إلى فرض الأمر الواقع، ولم تتجاوب مع مبادرات السلام، وبالتالي هذا التعاطي في التعامل مع الحوثي من منطلق سلطة الأمر الواقع، ساعد ميليشيات الحوثي على تحديها للمجتمع الدولي ورفض مبادرات السلام. ومن ناحية ثالثة، فإن تدخل الأمم المتحدة ومبعوثيها في الأزمة سعى إلى تجاوز المرجعيات الأساسية للحل، وهي المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار اليمني، وقرار مجلس الأمن 2216 الذي ينص على مطالبة الحوثيين بإنهاء كل مظاهر الانقلاب والانسحاب من المدن اليمنية، والعودة إلى الأوضاع السابقة، ومع ذلك لم تنفذ جماعة الحوثي قرارات الأمم المتحدة التي لم تتخذ أية خطوات أو عقوبات بحقها، مما أسهم في تعقيد الأزمة وأفشل مهام المبعوثين السابقين.
ثالثها: اختزال الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الأزمة اليمنية في البعد الإنساني، دون البحث عن الأسباب الحقيقية وراء تفاقم هذا الوضع، والمتمثلة في استمرار الانقلاب الحوثي واحتلال المدن والمناطق اليمنية، والسطو على أموال البنك المركزي اليمني في صنعاء، وعلى أموال المساعدات الإنسانية الخارجية وتوجيهها إلى الحرب وتجاهل متطلبات الشعب اليمني خاصة في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وكذلك السيطرة على ميناء الحديدة.
ومع ذلك، فإن المجتمع الدولي الذي يحذر دائماً من تدهور الأوضاع الإنسانية لم يتحرك بشكل جاد وحقيقي لإنهاء الوضع الانقلابي للحوثي وتحقيق سلام شامل، وفقاً للمرجعيات الثلاث المعروفة، وهذا هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام ومعالجة الوضع الإنساني.
رابعها: لا يزال المجتمع الدولي يراهن على تحقيق السلام في ظل إصرار الحوثي على الحرب ومحاولة السيطرة على محافظة مأرب الاستراتيجية للاستيلاء على مصادر النفط فيها، وكذلك استمرار حصاره للمدن اليمنية مثل تعز، التي يحاصرها منذ 6 سنوات ويستهدف المدنيين داخلها بالصواريخ، والحديدة التي ماطل في تنفيذ اتفاق استوكهولم في ديسمبر 2018، وظل أكثر من عام حتى ينفذ المرحلة الأولى من الاتفاق، وسحب مقاتليه من المدينة وموانئها، على الرغم من أنه وضع أنصاره بدلاً منهم.
السلام الصعب
على خلاف المبعوثين الثلاثة السابقين، فإن المبعوث الجديد السويدي هانز جروندبيرج، قد يحمل بعض التفاؤل في إمكانية تحريك الأمور على صعيد الأزمة، لعدة اعتبارات منها، خبرته الواسعة بالملف اليمني، حيث كان سفيراً للاتحاد الأوروبي في اليمن لسنوات عدة، كما أن لديه خبرة في إدارة الصراعات في الشرق الأوسط، إضافة إلى أن بلاده شهدت إبرام اتفاق الحديدة في نهاية 2018، وكذلك الترحيب الدولي والإقليمي الكبير به، وهو ما يمكن أن يوفر دعماً كبيراً له في مهمته، حيث رحب مجلس التعاون الخليجي بمهمته، وكذلك رحبت به الحكومة اليمنية وأعلنت عن عزمها التعاون معه، وأعلن التحالف العربي دعم الشرعية في اليمن دعمه للمبعوث الجديد، إضافة إلى أن هناك متغيرات وظروفاً دولية وإقليمية عدة تدفع في اتجاه تحقيق تسوية في الأزمة اليمنية التي طالت في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية ومعاناة الشعب اليمني، خاصة من جانب إدارة الرئيس جو بايدن، وكذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا أيضاً.
لكن في المقابل، فإن العقبة الرئيسية أمام نجاح المبعوث الجديد في تحقيق السلام، هو الحوثي الذي لا يزال يرفض حتى الآن، تحقيق سلام شامل يقوم على المرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن رقم 2216، ويريد تجاوزها وهو ما يشكل عقبة كبيرة ويحطم كل جهود السلام على أرض التعنت، إضافة إلى استمرار الحوثي في الحرب ومساعي اقتحام مأرب والسيطرة عليها، لفرض شروطه في عملية السلام، وكذلك رفضه لكل مبادرات السلام ومنها المبادرة السعودية الأخيرة، وتعنّته في تنفيذ اتفاق الحديدة، ولذلك فإن السلام الذي يسعى إليه المبعوث السويدي يظل صعب المنال خاصة أن الظروف الداخلية في اليمن ليست مهيأة بعد، في ظل استمرار الاستقطابات بين العديد من الأطراف اليمنية.
متطلبات النجاح
السلام في اليمن لن يتحقق إلا إذا تم الضغط من قبل الدول الكبرى المؤثرة في صناعة القرار الدولي، وكذلك من الأمم المتحدة وبشكل جاد على ميليشيات الحوثي، لوقف عدوانها وحصارها للمدن اليمنية، والضغط عليها للدخول في مفاوضات سلام حقيقية وجادة، وفقاً للمرجعيات الثلاث المعروفة دون تجاوزها، وكذلك إشراك أطراف عدة ومتنوعة تمثل كل الأطياف السياسية في مفاوضات السلام، للتوصل إلى صيغة توافقية حول مستقبل اليمن تكون ميليشيات الحوثي جزءاً من النسيج اليمني وتعبر عن أجندة وطنية يمنية خالصة، وليس أجندات خارجية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل ممثلي وأطياف الشعب اليمني، وتؤسس لسلام حقيقي وتنمية مستدامة، وبدون ذلك يظل السلام في اليمن صعب المنال.
*خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»