تداعيات الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان تخيف اليمنيين، حتى المنتسبين منهم للعقيدة الحوثية، لا يريدون لليمن مستقبلاً فاشلاً سياسياً واقتصادياً يصنعه الحوثيون كما فعل حزب الله الإرهابي بلبنان. اليمنيون لا يريدون لبلدهم أن يصل بعد سنين عدداً إلى هذا الوضع المأساوي بتشكل كيان معطل للدولة ومؤسساتها برئاسة عبدالملك الحوثي على غرار الكيان الذي يقوده حسن نصرالله.
المملكة ليست إسرائيل، والمحيط الجيوسياسي لليمن ليس محيط لبنان، ولذلك فإن مستقبل اليمن بقدر ما هو قرار يمني إلا أن لدول مجلس التعاون العربية قول فيه، وخصوصاً أنها صاحبة المبادرة التي أنقذت اليمن عام 2011 وانتهت بانتخابات رئاسية جاءت بالرئيس عبدربه منصور هادي أوائل عام 2012م في قصة نجاح كتبتها دول المجلس في البلد الجار. وإذا كان غير مسموح بتشكل حزب سياسي معطّل في اليمن على غرار حزب الله، فإن المطروح على اليمنيين فرصة واعدة بيمن سعيد ووعود بعلاقات أكثر قرباً مع مجلس التعاون لدول الخليج وهو ما يضمن لليمنيين حياة كريمة ويحقق لدول المجلس عمقاً إستراتيجياً مهماً.
لقد بدأت دول مجلس التعاون منذ ما قبل 2011م بإدراج اليمن في العديد من نشاطات المجلس، وكانت الأمور تسير على نحو مبشِّر بتنمية شاملة للجمهورية اليمنية وشعبها العربي، وستواصل دول مجلس التعاون مساعدة اليمن للخروج من أزمة الانقلاب وعودته موحداً لمواصلة الاندماج مع مبادرات المجلس وبرامجه، ولذلك فإن القياس على الظروف التي تهيأت لحزب الله قياس فاسد في اليمن، فخيارات الحوثي للعب دور المتحكم في القرار اليمني ليست مطروحة على الطاولة سعودياً وخليجياً، كما أن تشكّل قوة عسكرية خارجة أو مسيطرة على الحكومة اليمنية على حدود المملكة الجنوبية غير مقبول ولو تواطأت دول العالم مجتمعة مع الحوثيين.
التقدم الذي تحرزه قوات الشرعية في اليمن بدعم من التحالف يجعل الحوثيين يبكون على اللبن المسكوب في عدة مبادرات لاحت لهم في الكويت وعمان وجنيف وستوكهولم وآخرها المبادرة السعودية للسلام في اليمن، وهم الآن يدركون جيداً أن التنازلات والمبادرات لم تُقدّم عن ضعف. وربما يعي الحوثيون أن التطورات الجيوسياسية لا تسير في صالحهم.
اليمن ليست بتلك الأهمية الإستراتيجية لإيران كما هي الحال عليه في العراق وسوريا ولبنان، ولذلك فإن بتر الحبل السري بين ما يُسمى أنصار الله وبين الحرس الثوري ممكن نظرياً وقابل للتطبيق عملياً، لكن الحوثيين لا يعقلون.
يواجه الحوثي حالياً تحدياً كان يترقبه منذ اغتياله الرئيس السابق علي عبدالله صالح؛ دخول القائد العسكري الذي يدير المعارك من داخل اليمن ووسط جنوده، وهو شمالي، له قاعدته الشعبية ودعمه القبلي، وله في بقايا دولة الرئيس صالح بعض النفوذ الروحي، أربك الحوثيين، ومثّل تحدياً وجودياً لانقلابهم، كما أن الرسالة التي وصلتهم في شبوة واضحة وتؤشر إلى ترتيبات عالية المستوى بين ألوية العمالقة والحكومة الشرعية، مما يوحِّد الجهد اليمني المقاوم لانقلابهم.
وإذا واصلت قوات الحكومة الشرعية وألوية العمالقة انتصاراتها، واستمر التحالف على هذه الوتيرة، فإن اليمن مقبل على ثلاثة سيناريوهات من وجهة نظري. أولها أن يلقي الحوثيون السلاح ويقبلوا العودة إلى طاولة الحوار الوطني، ويقبلوا بعودة الحكومة الشرعية إلى صنعاء في ظل ضمانات لحقوقهم السياسية مع تطبيق كلي للقرار الدولي 2216، وثانيهما أن تستقر جنوب اليمن، وتشكل قاعدة لانطلاق المقاومة الشمالية ممثلةً في ألوية العمالقة التي سيقودها بدون شك العميد طارق صالح، وسينضم إليه الشماليون لتحرير صنعاء من الدنس الحوثي، وسيجد الشماليون أنفسهم مضطرين جميعاً لمقاومة الحوثي، أما الخيار الثالث؛ فهو أن يثمر التنسيق وترتيباته الحالية بين الشرعية وألوية العمالقة هبّةً (يمنية) شاملة لطرد الحوثيين عسكرياً وسياسياً وإخراجهم من المشهد مهما كلَّف الأمر.
نقلا عن "الجزيرة" السعودية