مشهدك الحقيقي .. بين يديك
الأحد , 14 - أبريل - 2019

سذاجةُ رهان الحوثي!

2022/02/02 الساعة 07:57 صباحاً

وقع الحوثيون وأنصارُهم في مأزقٍ كبيرٍ عندما تراجعت قُواتُهم في مناطق عدة في محافظتي شبوة ومأرب وغيرهما. عندَها كُشف النقابُ مرةً أخرى عن طبيعة هذه الجماعة التي انقلبت على اتفاق وقعته، واحتلت مساحاتٍ كبيرةً من اليمن، ونصَّبت في صنعاء ما أسمتها حكومةً سرعان ما تبيّن أنه ليس لها من هذا الاسم نصيب. 
التصرفُ المعتادُ الذي تلجأُ إليه الحكوماتُ عندما تُواجهُها أزماتُ، أياً كان نوعُها، هو مراجعةُ سياساتِها، وإعادةِ النظر في استراتيجيتِها وتكتيكاتِها، بعد تحديد مواطنِ الخلل. وهذا هو منهجُ عمل الحكوماتِ التي تُمثِّلُ دولاً وتَعرفُ معنى ذلك. غير أنه لا مراجعةَ أُجريت، ولا إعادةَ نظرٍ في سياساتٍ أو أساليبَ سياسية أو عسكرية تمت، وذلك لسبب بسيط هو أن الحوثيين لا يعرفون منطقَ الدولة، ولا يعملون وفقَ الطريقة التي تتصرفُ بها حكوماتُ الدول حين تُواجهها أزمات.
وعوضاً عن هذا التصرف الذي لا يقدرُ على مثلِه الحوثيون، لأنهم لا يعرفون كيفيةَ بناء الدول، لجأوا إلى ما تخيلوا أنها ضربةٌ مؤثرةٌ في الدولةِ التي تُدعمُ حرب التحرير في اليمن من خلال عضويتِها في تحالف يؤيدُ الشرعية المُنقلَبَ عليها. وهكذا هاجموا مواقع في دولة الإمارات اعتقاداً منهم بأن تغطية الاعتداء في وسائل الإعلام يُمكنُ أن تُضعفَ سُمعتَها والاستقرارَ الذي تتمتعُ به، أو تخيفَ شركاتٍ ومؤسساتٍ تعمل فيها فتهرعُ إلى المغادرةِ خوفاً! ينطوي ذلك التصعيدُ إذن على رهانٍ واضحٍ هو إضعافُ ما يظنُ الحوثيون أنها مُقوماتُ التقدم الذي حققته دولة الإمارات، عبر تخويف أصحاب ومديري شركات على ما يملكونه.
وهذا رهانُ ساذجُ، لأن المُراهنين عليه يعيشون في زمن غير الزمن، ولا يُدركون أن هذا التقدمَ يتحققُ نتيجة قدرة عالية على توفير مقوماته العصرية التي تتعذرُ زعزعتها بواسطة بضع صواريخ ومُسيَّرات، لأنها تتعلقُ بالبشر قبل المنشآت، وبالعقول قبل المواقع، وبالمعاني قبل المباني، وبالابتكار قبل المال.
رهانٌ ساذج لأن أصحابه لا يفهمون أنهم لا يستطيعون النيلَ من رأسِ المالِ الأكثر أهمية الذي أعطتهُ دولةُ الإمارات أولويةً قُصوى. إنه رأسُ المال المعرفي، الذي لا يُمكنُ النيلُ من مكوناتِه، التي لا توجدُ على الأرضِ ولا في الأجواء، بل في البشرِ وعقولِهم. ومن أهم هذه المكونات التعليمُ والتدريبُ والمهارةُ والخبرةُ، وقواعدُ البياناتِ وأنظمةُ التشغيلِ وبراءاتُ الاختراعِ، فضلاً عن العلاقات القائمة على قيم الكفاءة والثقة والتفاؤل والإيمان بالقدرة على الإنجاز، أي في القوة الناعمة أكثر منه في القوة الصلبة. وهذا ما يجعلُ الرهانَ الحوثيَّ ساذجاً، وبالتالي خاسراً في النهاية، إذ يُشبهُ حالة من يدخلُ أحدَ أنديةِ القمار مُتخيلاً أنه سيجني ثروةً، من دون أن يُدركَ ما هو فاعلٌ، حتى يخرجَ وقد فقدَ كلَّ شيء في النهاية.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - نقلا عن صحيفة "الاتحاد" الاماراتية